في عمله الأدبي الرائع الذي يحمل عنوان “انهيار برج بابل”، يأخذنا الكاتب إياد حرفوش في رحلة مدهشة إلى عالم مظلم يتخلله غموض لا يعد ولا يحصى. تنكمش الرؤية في ظلمة مستعصية تشبه مرمى البصر، حيث يجد القارئ نفسه مواجهًا لهذا الظلام المحيط به.
تتناغم عيناه تدريجيا مع هذا الجو المظلم، وفي لحظة منفصلة يجد نفسه وحيدًا وسط سهل مترامي الأطراف. لا يكون السهل هنا صحراويًا خالصًا، بل يتلاقى فيه تربة سوداء خصبة مع حافة صحراء قاحلة، وهو التناقض البديع الذي يتناوله الكاتب ببراعة.
وفي هذا السياق، يتساءل القارئ عن كيفية تحديد هذا التناقض، هل كان ذلك بمقتضى الحدث نفسه أم من خلال تفاصيل متداخلة في الرواية؟ هذا السؤال يعكس جاذبية السرد وقدرة الكاتب على توجيه الانتباه نحو التفاصيل الدقيقة.
ليس الظلام الوحيد الذي يلف “انهيار برج بابل”، بل يكون الليل المظلم وقاحلًا حقًا، حيث تتبدد فيه خيوط الأحداث وتتشابك مع خيوط ن العرضفة. يظهر هنا الاستعارة اللغوية التي يتقنها الكاتب في تصوير هذا الليل المظلم، حيث يعكس تشابك الأحداث تشابك الخيوط وتبددها في هذا الجو المشحون بالغموض.
وفي ظل هذا الليل الحالك، يتلاشى القارئ في عمق الرواية، وينغمس في عرضفة الصحراء القاحلة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف عرف الكاتب هذا؟ هل هو بسبب الحدث نفسه أم بسبب إبداعه في سرد الأحداث؟ الإجابة غير معلومة، وهو ما يجعل الرواية تحمل طابع الغموض والتساؤل.
تأخذنا الصفحات الـ390 في هذا العمل في رحلة عبر الزمن والمكان، حيث تجتمع الكلمات بأناقة تامة تجعل من القراءة تجربة فريدة. تأخذنا مواجهة “انهيار برج بابل” في عالم الأدب والخيال إلى أبعاد جديدة من الفهم والتأمل، وهي تعتبر إضافة قيمة لأدبنا العربي المعاصر.
وفي هذه الرواية، يبرز الكاتب إياد حرفوش كقلم أدبي متميز يستحق الاهتمام والاستمتاع. بأسلوبه الفريد والملم بالتفاصيل، يبني عالمًا غامضًا يتحدى القارئ ويدفعه للاستمرار في تحليقه داخل صفحات الرواية، حيث تبحر الأحداث في فضاء الخيال وترسم لوحة لا تنسى من الجمال الأدبي.
تندرج “انهيار برج بابل” تحت تصنيف الأدب والخيال، وتحديدًا في فئة الروايات، حيث تتألق بريقها الأدبي وتمزج بين الحقيقة والخيال ببراعة فائقة. وتقدمها دار النشر والتوزيع “اكتب” بغلاف ورقي يعزز جاذبيتها ويجسد جماليات العمل.
في النهاية، يظل “انهيار برج بابل” إبداعًا أدبيًا يتجاوز حدود الزمان والمكان، يشكل محطًا أدبيًا متميزًا في خريطة الأعمال الأدبية العربية المعاصرة. إنها رحلة استثنائية في عالم الأحداث المظلمة والليالي الحالكة، تترك في نفس القارئ أثرًا عميقًا وتفتح أبواب الخيال والتأمل بشكل لا يُضاهى.