إنجازات السلطان قابوس الخارجية: دور عُمان البارز في السياسة الدولية
عُمان، ومنذ تولي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في عام 1970، شهدت تحولات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. استطاع السلطان قابوس أن يضع بلاده في مكانة متميزة على الساحة الدولية، مساهماً في تعزيز استقرار منطقة الخليج العربي والعالم. كانت سياسته الخارجية، التي تميزت بالحكمة والتوازن، أحد أبرز سمات حكمه، حيث سعى إلى بناء علاقات ودية ومتوازنة مع جميع الدول دون أن ينحاز إلى محور معين. انطلاقاً من رؤيته العميقة لمصلحة عمان والشعب العماني، قام السلطان قابوس بعدد من الإنجازات التي شكلت تحولات في السياسة الدولية، وجعلت من عُمان لاعباً مهماً في القضايا الإقليمية والدولية.
1. سياسة الحياد الإيجابي
من أهم الإنجازات التي حققها السلطان قابوس على الصعيد الخارجي هي سياسة الحياد الإيجابي التي انتهجها منذ بداية حكمه. فبينما كانت دول الخليج العربي تمر بفترات من التوتر والصراعات، وخاصة في أعقاب الثورة الإيرانية في عام 1979 والحرب العراقية الإيرانية، حرص السلطان قابوس على عدم الانحياز إلى أي طرف. هذه السياسة من الحياد الإيجابي مكنته من أن يكون وسيطاً محايداً وموثوقاً بين القوى الإقليمية والدولية.
لقد عمل السلطان قابوس على تعزيز علاقات عمان مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي. وفي نفس الوقت، لم يتردد في الحفاظ على علاقات ودية مع دول إقليمية مثل إيران، والعراق، والسعودية، مما جعل عمان نقطة تواصل بين الشرق والغرب، وقدرة على التأثير في الحلول السلمية لمختلف الأزمات.
2. دور عمان في عملية السلام الفلسطينية
لطالما كانت القضية الفلسطينية واحدة من أولويات السياسة الخارجية العمانية. وعُمان، تحت قيادة السلطان قابوس، كانت من أبرز الدول العربية التي سعت إلى حل القضية الفلسطينية بطريقة سلمية. ساهم السلطان قابوس بشكل كبير في دعم الحقوق الفلسطينية من خلال تبني موقف متوازن تجاه كل الأطراف في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كما ساعد السلطان قابوس في دعم الجهود الدولية لإيجاد حل شامل وعادل، واستضافت عمان العديد من اللقاءات الدبلوماسية التي جمعت ممثلين فلسطينيين وإسرائيليين في بيئة محايدة، تهدف إلى تشجيع الحوار والتفاوض.
من خلال سياساته الحكيمة، استطاع السلطان قابوس أن يحافظ على العلاقات الجيدة مع جميع الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط، دون أن يعادي أي طرف في هذا الصراع المستمر.
3. الدور الإقليمي في مواجهة الأزمات
في العديد من الأوقات، كانت عمان تحت قيادة السلطان قابوس وسيلة تهدئة للأزمات الإقليمية. فإلى جانب الحياد الإيجابي، كانت عمان تعمل بفعالية على التأثير في الحلول السلمية للأزمات التي نشبت في المنطقة. على سبيل المثال، كان للسلطان قابوس دور بارز في الوساطة بين إيران والغرب، حيث لعبت عمان دوراً أساسياً في التواصل بين الولايات المتحدة وإيران خلال فترات من التوتر، بما في ذلك المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني في 2015.
وقد استفادت عمان من سمعتها كداعم للاستقرار، وهو ما جعلها تحظى بثقة الأطراف المتنازعة. هذا الدور أدى إلى تعزيز مكانة السلطان قابوس كوسيط دولي في قضايا النزاع الإقليمي.
4. تعزيز العلاقات مع إيران
إحدى السياسات الخارجية البارزة التي ميزت عهد السلطان قابوس هي بناء علاقة متوازنة مع إيران، وهي الدولة الجارة التي شهدت توترات سياسية مع العديد من دول الخليج. خلال فترة حكمه، حافظ السلطان قابوس على علاقات دبلوماسية قوية مع طهران، رغم الضغوط التي كانت تمارس من قبل بعض الدول الغربية والعربية لتقليص هذه العلاقات.
وقد اعتمد السلطان قابوس على بناء هذه العلاقات في إطار من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وهو ما جعل عمان تحتفظ بعلاقاتها الطيبة مع إيران على الرغم من الاختلافات الإيديولوجية والسياسية بين بعض دول المنطقة. هذه العلاقة الجيدة ساعدت عمان على أن تكون نقطة اتصال بين إيران والغرب، بل وأيضاً بين إيران ودول أخرى في المنطقة.
5. دور عمان في مكافحة الإرهاب
منذ بداية حكم السلطان قابوس، كان لأمن عمان واستقرارها الأولوية في السياسة الخارجية. في سياق محاربة الإرهاب، كانت عمان تلتزم بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، لكنها كانت تساند المبادرات الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب والحد من انتشاره.
عمان كانت من الدول التي طالما دعت إلى ضرورة معالجة جذور الإرهاب من خلال التنمية الاقتصادية والتعليم والتفاهم الثقافي. ومن خلال هذه السياسة، استطاع السلطان قابوس أن يجعل عمان جزءاً من الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، دون أن تتورط في الصراعات العسكرية أو تداعيات التدخلات العسكرية.
6. العلاقات الاقتصادية والتجارية
على الرغم من أن السياسة الخارجية العمانية كانت تركز بشكل كبير على الحلول السلمية وحفظ الاستقرار، فإن السلطان قابوس كان مهتماً بشكل خاص بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الكبرى. فقد عمل على تطوير موانئ عمان بشكل استراتيجي، مثل ميناء صحار، ليكون مركزاً تجارياً حيوياً في منطقة الخليج.
كما قام السلطان قابوس بتطوير العلاقات الاقتصادية مع العديد من دول العالم، خصوصاً في آسيا وأوروبا، مما جعل عمان تلعب دوراً مهماً في تعزيز التجارة الدولية. عمان أصبحت من المراكز المهمة في التجارة البحرية بفضل موقعها الاستراتيجي على بحر العرب، وقد ساعد ذلك السلطان قابوس في تعزيز قدرة عمان على التواصل التجاري مع مختلف قارات العالم.
7. دعم المشاريع الإنسانية والإغاثية
لم يقتصر دور عمان في السياسة الخارجية على القضايا السياسية فحسب، بل كان للسلطان قابوس اهتمام خاص بالقضايا الإنسانية والإغاثية. فقد شاركت عمان في تقديم المساعدات الإنسانية للعديد من الدول التي عانت من الأزمات والكوارث الطبيعية. وكان للسلطان قابوس دور في إنشاء العديد من المنظمات الإنسانية التي ساعدت في تقديم المساعدات الطبية والغذائية للدول التي تمر بأزمات.
كما أن عمان تحت قيادته كانت من الداعمين للمشروعات التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية في مناطق الصراع. وتعتبر عمان من الدول القليلة التي لم تتخذ مواقف متحيزة في تقديم الدعم، بل كانت دائماً تحرص على أن يكون الدعم موجهًا لمن يحتاجه بغض النظر عن الهوية السياسية أو العرقية.
8. عمان وتطوير الدور العربي
لم يكن السلطان قابوس غافلاً عن مكانة عمان في العالم العربي. فقد سعى إلى تعزيز العلاقات مع الدول العربية على أسس من التعاون والاحترام المتبادل. وقد ساهم في تطوير آليات العمل العربي المشترك، وكان دائماً يدعو إلى ضرورة الحفاظ على وحدة الصف العربي، خاصة في ظل التحديات السياسية التي واجهتها المنطقة.
على الرغم من أن عمان كانت تبتعد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى، إلا أن السلطان قابوس كان يحرص على مشاركة عمان في مختلف المنظمات العربية، مثل جامعة الدول العربية، وساهم في الدفاع عن القضايا العربية على الساحة الدولية.
الخاتمة
إن إنجازات السلطان قابوس في السياسة الخارجية قد شكلت ملامح مهمة لعلاقة عمان مع العالم الخارجي. من خلال تبني سياسة الحياد الإيجابي، وتعزيز العلاقات مع القوى العالمية الكبرى، ودوره في القضايا الإنسانية والإغاثية، استطاع السلطان قابوس أن يجعل عمان واحدة من أبرز الدول المحورية في المنطقة. سياسته الحكيمة وعقليته الدبلوماسية مكنتا عمان من الحفاظ على استقلاليتها، وتقديم مساهمات قيمة في معالجة الأزمات الإقليمية والدولية.
