التهاب العضل القلبي: تعريف، أسباب، أعراض، تشخيص وعلاج

التهاب العضل القلبي، المعروف أيضاً بالتهاب العضلة القلبية أو الميوكارديت، هو حالة مرضية تتميز بالتهاب في عضلة القلب نفسها. تعتبر هذه الحالة من الأمراض الخطيرة التي تؤثر بشكل مباشر على قدرة القلب على ضخ الدم بكفاءة، وقد تؤدي إلى مضاعفات تهدد الحياة إذا لم تُعالج بشكل مناسب وسريع. في هذا المقال سيتم التوسع في شرح التهاب العضل القلبي من حيث التعريف، الأسباب، الأعراض، التشخيص، العلاج، والوقاية، مع التركيز على الجوانب الطبية والعلمية التي تتيح فهمًا دقيقًا لهذا المرض وتأثيراته.

تعريف التهاب العضل القلبي

التهاب العضل القلبي هو التهاب يصيب عضلة القلب (الميكارد)، وهي العضلة المسؤولة عن ضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم. يؤدي هذا الالتهاب إلى تدهور وظيفة عضلة القلب، مما قد يسبب اضطرابًا في النظم القلبي أو ضعفًا في قدرة القلب على ضخ الدم. في بعض الحالات، يمكن أن يتسبب الالتهاب في تلف دائم في القلب أو تطور مضاعفات خطيرة مثل فشل القلب أو تمزق العضلة.

أسباب التهاب العضل القلبي

تتنوع أسباب التهاب العضل القلبي بين العدوى، التفاعلات المناعية، والتعرض لعوامل خارجية، ومن أبرز الأسباب:

1. العدوى الفيروسية

تعتبر العدوى الفيروسية السبب الأكثر شيوعًا لالتهاب العضل القلبي، حيث تغزو فيروسات مثل:

• فيروس كوكساكي (Coxsackievirus)

• فيروس الإنفلونزا

• فيروس إبشتاين-بار (EBV)

• فيروس العوز المناعي البشري (HIV)

• فيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2)

هذه الفيروسات تهاجم خلايا عضلة القلب، مما يؤدي إلى استجابة التهابية تحاول مقاومة العدوى لكنها تسبب ضررًا في نفس الوقت.

2. العدوى البكتيرية والفطرية والطفيليات

على الرغم من أن العدوى البكتيرية والفطرية والطفيليات نادرة كمسببات للميوكارديت، إلا أن بعض البكتيريا مثل العقدية (Streptococcus) أو المكورات العنقودية (Staphylococcus) قد تسبب التهابًا في عضلة القلب، خاصةً في حالات وجود أمراض قلبية سابقة أو ضعف في الجهاز المناعي.

3. الأمراض المناعية والالتهابية

تحدث حالات من التهاب العضل القلبي نتيجة لاضطرابات مناعية مثل:

• الذئبة الحمراء الجهازية (Systemic Lupus Erythematosus)

• التهاب الأوعية الدموية (Vasculitis)

• التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid Arthritis)

في هذه الحالات، يهاجم الجهاز المناعي خلايا القلب بالخطأ، مما يؤدي إلى الالتهاب والتلف.

4. السموم والأدوية

يمكن لبعض الأدوية والسموم مثل العقاقير الكيميائية المستخدمة في العلاج الكيميائي أن تسبب التهابًا في عضلة القلب. كما أن تناول الكحول بكميات كبيرة أو بعض السموم البيئية قد يؤدي إلى نفس النتيجة.

الأعراض السريرية لالتهاب العضل القلبي

تختلف أعراض التهاب العضل القلبي بشكل كبير بين الحالات، وقد تكون خفيفة أو شديدة تبعًا لمدى الالتهاب ومدى تأثر القلب. من الأعراض الشائعة:

• ألم في الصدر يشبه ألم النوبة القلبية، قد يكون حادًا أو ضاغطًا.

• التعب العام والضعف، ناتج عن ضعف قدرة القلب على ضخ الدم.

• ضيق التنفس، خاصة عند بذل الجهد أو في وضع الاستلقاء.

• خفقان القلب أو اضطراب في نبضات القلب (عدم انتظام ضربات القلب).

• تورم في الأطراف بسبب احتباس السوائل الناتج عن ضعف ضخ القلب.

• ارتفاع في درجة الحرارة مع أعراض تشبه الإنفلونزا في حالة وجود عدوى.

• في بعض الحالات، قد يحدث إغماء أو دوار نتيجة لاضطرابات في النظم القلبي أو انخفاض ضغط الدم.

التشخيص الطبي لالتهاب العضل القلبي

يتطلب تشخيص التهاب العضل القلبي اتباع خطوات دقيقة تشمل التاريخ الطبي، الفحص السريري، واستخدام تقنيات طبية متقدمة:

1. الفحص السريري

يقوم الطبيب بسماع أصوات القلب، تقييم العلامات الحيوية، وفحص وجود علامات احتباس السوائل أو تضخم القلب.

2. تحاليل الدم

• قياس علامات الالتهاب مثل البروتين المتفاعل (CRP) ومعدل ترسيب كريات الدم الحمراء.

• تحاليل للبحث عن وجود عدوى فيروسية أو بكتيرية.

• فحص مستوى إنزيمات القلب (مثل التروبونين) التي ترتفع عند تلف عضلة القلب.

3. تخطيط القلب الكهربائي (ECG)

يظهر تخطيط القلب عادة تغيرات في كهربائية القلب مثل اضطرابات نظم القلب أو علامات التهاب في عضلة القلب.

4. تخطيط صدى القلب (Echocardiogram)

يكشف هذا الفحص عن تأثير الالتهاب على وظيفة عضلة القلب، مثل ضعف انقباض البطينين أو وجود تجمع سوائل حول القلب (الانصباب التاموري).

5. الرنين المغناطيسي للقلب (Cardiac MRI)

يعد من أهم الفحوصات لتقييم الالتهاب وتحديد مدى تلف العضلة القلبية بدقة عالية.

6. أخذ خزعة من عضلة القلب (Endomyocardial Biopsy)

في الحالات المعقدة أو غير الواضحة، قد يتم أخذ عينة صغيرة من عضلة القلب لفحصها تحت المجهر وتحديد نوع الالتهاب وأسبابه.

علاج التهاب العضل القلبي

يعتمد علاج التهاب العضل القلبي على السبب الأساسي وشدة الحالة، ويشمل:

1. العلاج الدوائي

• مضادات الفيروسات: تستخدم في حال تأكد وجود عدوى فيروسية معينة.

• المضادات الحيوية: في حالة العدوى البكتيرية.

• الأدوية المضادة للالتهاب: مثل الستيرويدات أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية لتخفيف الالتهاب.

• الأدوية القلبية: مثل مثبطات ACE أو حاصرات بيتا لتحسين وظيفة القلب وتقليل العبء عليه.

• مدرات البول: لتخفيف احتباس السوائل وتحسين الأعراض.

2. الراحة التامة

ينصح المرضى بالراحة التامة لفترة تتراوح بين أسابيع إلى أشهر حسب شدة المرض، لتقليل الضغط على القلب ومنع تفاقم الضرر.

3. مراقبة نظم القلب

في بعض الحالات قد تتطلب اضطرابات نظم القلب تدخلًا علاجياً مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب أو الأدوية المضادة للرجفان.

4. التدخلات الجراحية

نادراً ما يلزم إجراء تدخل جراحي، إلا في حالات تجمع السوائل حول القلب الذي يضغط على العضلة أو حدوث مضاعفات خطيرة كتمزق العضلة.

المضاعفات المحتملة لالتهاب العضل القلبي

عدم تشخيص التهاب العضل القلبي أو تأخر العلاج قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، منها:

• فشل القلب: حيث لا يستطيع القلب ضخ الدم بكفاءة، مما يؤدي إلى تراكم السوائل في الرئتين وباقي الجسم.

• اضطرابات نظم القلب: قد تتسبب في حدوث خفقان، رجفان أذيني، أو حتى توقف القلب المفاجئ.

• تكون خثرات دموية: قد تنتقل إلى أجزاء أخرى من الجسم مسببة جلطات.

• التهاب التامور: التهاب الغشاء المحيط بالقلب، الذي قد يصاحبه تجمع سوائل يضغط على القلب.

• تضخم القلب المزمن: نتيجة محاولته المستمرة للتعويض عن الأضرار.

الوقاية من التهاب العضل القلبي

الوقاية تعد من أفضل الطرق لتجنب المضاعفات الخطيرة لهذا المرض، وتشمل:

• الحفاظ على النظافة الشخصية للحد من العدوى الفيروسية والبكتيرية.

• التطعيمات ضد بعض الفيروسات مثل الإنفلونزا والكورونا.

• علاج الأمراض المناعية المزمنة بشكل منتظم وتحت إشراف طبي.

• تجنب الإفراط في تناول الكحول والسموم التي قد تؤثر سلبًا على عضلة القلب.

• مراجعة الطبيب فور ظهور أعراض متعلقة بالقلب خاصة بعد الإصابة بفيروس أو مرض مناعي.

مقارنة بين التهاب العضل القلبي وأمراض القلب الأخرى

خلاصة

التهاب العضل القلبي مرض ذو تأثير بالغ الخطورة على صحة القلب ووظائفه، يتطلب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا فعالًا لتفادي المضاعفات المحتملة التي قد تهدد الحياة. تنوع أسبابه بين الفيروسية، المناعية، والسموم يجعل من الضروري اتخاذ الاحتياطات الوقائية، والكشف المبكر للحالات، والالتزام بالعلاج الطبي المناسب. إن الفهم العلمي المتعمق لهذا المرض يسهم في تحسين نتائج العلاج والوقاية منه بفعالية، مما يعزز صحة القلب ويطيل العمر.

المصادر

1. Mayo Clinic – Myocarditis Overview: https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/myocarditis/symptoms-causes/syc-20352539

2. American Heart Association – Myocarditis: https://www.heart.org/en/health-topics/myocarditis