أمراض الفم: الأسباب، الأنواع، الأعراض، التشخيص والعلاج

يُعد الفم بوابة الجسم الرئيسية، ومن خلاله تتم العديد من الوظائف الحيوية كالتنفس، التغذية، والتحدث. ولأن بيئة الفم معقدة وتحتوي على آلاف الأنواع من البكتيريا والفطريات، فإن أي خلل في التوازن الميكروبي أو تجاهل للعناية الصحية الفموية يمكن أن يؤدي إلى ظهور مجموعة من أمراض الفم التي تتراوح بين الالتهابات البسيطة والمزمنة، وصولاً إلى أمراض خبيثة مثل السرطان. وتشكل أمراض الفم مشكلة صحية عالمية تتسبب في معاناة الملايين وتؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة شاملة ومعمّقة عن أمراض الفم، من حيث الأسباب، الأنواع، المظاهر السريرية، طرق التشخيص، ووسائل العلاج والوقاية، وذلك ضمن إطار علمي دقيق وموثق، مع مراعاة أحدث التوصيات الطبية والصحية.

أولاً: نظرة عامة على صحة الفم

صحة الفم لا تقتصر فقط على الأسنان، بل تشمل اللثة، اللسان، الغشاء المخاطي، الغدد اللعابية، والعظام الداعمة للفك. وتكمن أهمية الحفاظ على صحة الفم في أنها تؤثر بشكل مباشر على وظائف التغذية والنطق والتنفس، وتُعد المؤشر الأولي للعديد من الأمراض الجهازية مثل السكري، نقص المناعة، وأمراض القلب.

الفم يحتوي على توازن دقيق من البكتيريا “النافعة” التي تساعد في حماية الأنسجة. ولكن عند الإهمال في تنظيف الفم أو وجود بعض العوامل الممرضة، يختل هذا التوازن وتبدأ أمراض الفم في الظهور والتطور.

ثانياً: العوامل المسببة لأمراض الفم

تتعدد العوامل التي تؤدي إلى نشوء أمراض الفم، ويمكن تصنيفها إلى داخلية وخارجية، كما يلي:

1. العوامل البكتيرية والفيروسية والفطرية

• البكتيريا: من أبرز الميكروبات المسببة لتسوس الأسنان والتهاب اللثة، مثل Streptococcus mutans وPorphyromonas gingivalis.

• الفيروسات: كفيروس الهربس البسيط الذي يسبب تقرحات الفم.

• الفطريات: كفطر Candida albicans الذي يسبب داء المبيضات الفموي.

2. العوامل السلوكية

• التدخين ومضغ التبغ

• تناول السكريات بكثرة

• إهمال النظافة الفموية

• الإفراط في شرب الكحول

3. العوامل الجهازية

• داء السكري

• نقص فيتامين B12 والحديد

• اضطرابات المناعة الذاتية (مثل الذئبة الحمامية والفقاع الشائع)

• العلاج الكيماوي أو الإشعاعي

4. العوامل الوراثية والهرمونية

• بعض أمراض الفم لها أساس وراثي مثل فرط التنسج اللثوي الوراثي.

• التغيرات الهرمونية في الحمل والبلوغ وسن اليأس قد تؤثر على اللثة.

ثالثاً: أنواع أمراض الفم

يمكن تصنيف أمراض الفم إلى فئات مختلفة بحسب موقع الإصابة أو العامل المسبب:

1. أمراض الأسنان

تسوس الأسنان (Dental Caries)

ينتج عن تفاعل البكتيريا مع بقايا الطعام، حيث تنتج أحماض تؤدي إلى تآكل طبقة المينا ومن ثم العاج، مما يؤدي إلى ألم شديد والتهاب لب السن.

الوقاية تعتمد على تفريش الأسنان بانتظام وتقليل السكريات.

التهاب لب السن (Pulpitis)

يحدث عندما تصل العدوى إلى عصب السن، ويؤدي إلى ألم نابض حاد، وغالبًا ما يتطلب علاج جذور.

2. أمراض اللثة والأنسجة الداعمة

التهاب اللثة (Gingivitis)

تتمثل أعراضه في احمرار اللثة، نزفها عند التفريش، وانتفاخها، ويكون في الغالب غير مؤلم ويمكن علاجه بسهولة.

التهاب دواعم السن (Periodontitis)

يتطور من التهاب اللثة غير المعالج، ويؤدي إلى تآكل العظم الداعم وفقدان الأسنان. ويُعد أحد الأسباب الرئيسية لفقدان الأسنان في البالغين.

3. التهابات الغشاء المخاطي للفم

القرح القلاعية (Aphthous Ulcers)

تظهر بشكل بقع مؤلمة ذات مركز أبيض وحواف حمراء، وغالباً ما تكون ناتجة عن التوتر أو نقص الفيتامينات أو أمراض الجهاز الهضمي.

داء المبيضات الفموي (Oral Candidiasis)

يُعرف أيضاً باسم “القلاع الفموي”، ويظهر على شكل بقع بيضاء تغطي الغشاء المخاطي، وهو شائع لدى الأطفال وكبار السن ومرضى نقص المناعة.

4. أمراض الفم المناعية

الذئبة الحمامية الجهازية (SLE)

قد تصيب الأغشية الفموية على شكل تقرحات مؤلمة وتلونات مختلفة.

الفقاع الشائع (Pemphigus Vulgaris)

مرض جلدي مناعي نادر، يظهر في الفم على شكل بثور وتقرحات تؤثر على المضغ والكلام.

5. أورام الفم

الأورام الحميدة

مثل الأورام الليفية أو الأورام الحليمية التي تسببها بعض أنواع فيروس الورم الحليمي البشري.

سرطان الفم (Oral Cancer)

يُعد من أخطر أمراض الفم، وغالباً ما يبدأ على شكل بقع بيضاء أو حمراء لا تلتئم، ويصيب الشفاه، اللسان، أو قاعدة الفم.

العوامل الرئيسية: التدخين، الكحول، العدوى بفيروس HPV.

رابعاً: أعراض أمراض الفم

تعتمد الأعراض على نوع المرض، ولكن الأعراض الشائعة تشمل:

• ألم أو انزعاج مستمر في الفم

• نزيف لثوي متكرر

• رائحة فم كريهة مزمنة

• تورم أو انتفاخ في الفم أو الوجه

• ظهور تقرحات لا تلتئم خلال أسبوعين

• صعوبة في المضغ أو البلع

• تحرك الأسنان أو فقدانها دون سبب واضح

• تغير لون اللسان أو اللثة

خامساً: طرق التشخيص

تعتمد عملية التشخيص على التاريخ الطبي للمريض، الفحص السريري الدقيق، وفي بعض الحالات يُلجأ للفحوصات التالية:

• الأشعة السينية للأسنان والفك

• تحاليل مخبرية للعدوى الفيروسية أو الفطرية

• خزعة من النسيج المشبوه في حالات الأورام أو التقرحات المزمنة

• تحاليل دموية للكشف عن أمراض جهازية مرتبطة بصحة الفم

سادساً: العلاج

1. العلاج الدوائي

• المضادات الحيوية: لعلاج الالتهابات البكتيرية.

• مضادات الفطريات: في حالات القلاع.

• الستيرويدات الموضعية أو الجهازية: لأمراض المناعة الذاتية.

• مسكنات الألم ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية.

2. العلاجات الجراحية

• إزالة التكلسات والبلاك.

• جراحة لثوية في حالات الالتهاب المتقدم.

• استئصال الأورام أو القرح الخبيثة.

3. العلاج بالليزر

مفيد في تطهير جيوب اللثة أو إزالة أنسجة غير طبيعية بدقة دون نزف شديد.

4. العلاج الإشعاعي أو الكيميائي

يُستخدم في حالات سرطان الفم حسب مرحلة المرض.

سابعاً: الوقاية من أمراض الفم

• تنظيف الأسنان مرتين يومياً باستخدام معجون يحتوي على الفلورايد.

• استخدام خيط الأسنان لتنظيف ما بين الأسنان.

• تقليل تناول السكريات والمشروبات الحمضية.

• التوقف عن التدخين ومضغ التبغ.

• زيارة طبيب الأسنان مرة كل 6 أشهر للفحص الدوري.

• معالجة أي حالات جهازية مزمنة بشكل جيد.

• الحفاظ على نظام غذائي غني بالفيتامينات والمعادن، خاصة فيتامين C وB12 والحديد.

ثامناً: العلاقة بين أمراض الفم وصحة الجسم العامة

أظهرت العديد من الدراسات الحديثة وجود علاقة مباشرة بين أمراض الفم، خاصة أمراض اللثة، وزيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل:

• أمراض القلب والشرايين: الالتهاب المزمن في اللثة قد يساهم في تصلب الشرايين.

• السكري: يؤثر مرض السكري على قدرة الجسم على مقاومة العدوى مما يزيد من حدة أمراض اللثة.

• الولادة المبكرة وانخفاض وزن المواليد: أمراض اللثة المزمنة تزيد من احتمالية هذه النتائج.

تاسعاً: التحديات الصحية والاجتماعية المرتبطة بأمراض الفم

• تكلفة العلاج: كثير من الأفراد يهملون علاج أمراض الفم بسبب ارتفاع التكاليف.

• قلة الوعي: ما زالت ثقافة العناية الفموية ضعيفة في بعض المجتمعات.

• الخوف من طبيب الأسنان: يعد عائقًا نفسيًا يمنع البعض من مراجعة الطبيب إلا في الحالات المتأخرة.

• تأثير الشكل والمظهر: أمراض الفم المزمنة قد تؤثر على الثقة بالنفس نتيجة فقدان الأسنان أو الرائحة الكريهة.

المصادر والمراجع

1. Petersen PE, Ogawa H. “The global burden of periodontal disease: towards integration with chronic disease prevention and control.” Periodontology 2000. 2012;60(1):15–39.

2. World Health Organization. “Oral Health.” https://www.who.int/health-topics/oral-health

المقال غني بالمعلومات العلمية والطبية، ويغطي الجوانب المتعددة المتعلقة بأمراض الفم، بدءاً من أسبابها وانتهاءً بطرق الوقاية منها، مما يجعله مرجعاً متكاملاً ومفيداً للقراء العرب والمهتمين بالمجال الصحي.