كيف تشرك الموظفين الجدد قبل أن يباشروا العمل حتى؟

استراتيجية إشراك الموظف قبل أول يوم له: ركيزة بناء الانتماء والولاء منذ البداية

في عالم الأعمال المعاصر، لم يعد إشراك الموظفين الجدد يقتصر على اليوم الأول للعمل. بل باتت المؤسسات الذكية تدرك أن تجربة الموظف تبدأ لحظة تلقيه عرض العمل، لا عند دخوله إلى المكتب. وفي ظل التنافس الشديد على المواهب، فإن بناء علاقة متينة بين المؤسسة والموظف الجديد قبل مباشرة العمل أصبح ضرورة استراتيجية تعزز من الاندماج السلس، وتقلل من معدل الاستقالات المبكرة، وتؤسس لانتماء عاطفي ومهني طويل الأمد.

تتضمن هذه المرحلة المبكرة، التي تُعرف غالباً باسم “ما قبل الانضمام” (Preboarding)، مجموعة من المبادرات المدروسة التي تهدف إلى إشراك الموظف نفسياً وثقافياً وتنظيمياً بالمؤسسة. وعندما تُدار هذه المرحلة بكفاءة، تصبح تجربة الاندماج لاحقاً أكثر عمقاً وفعالية.

أهمية إشراك الموظفين الجدد قبل البدء بالعمل

تظهر الأبحاث أن نسبة كبيرة من الموظفين يتخذون قرار البقاء أو الرحيل خلال الأسابيع الأولى من الانضمام إلى العمل، بل إن بعضهم ينسحب حتى قبل مباشرة أول يوم بسبب الشعور بالقلق أو الغموض أو غياب الترحيب والدعم.

ومن هنا، فإن إشراك الموظف في الفترة الفاصلة بين قبوله العرض الوظيفي وبين أول يوم له، يعتبر استثماراً في تقليل نسبة الاستقالات المبكرة، وتحسين تجربة الموظف، ورفع مؤشرات الرضا والانتماء والولاء.

جدول يوضح الفرق بين الموظف الذي تم إشراكه قبل أول يوم، والموظف الذي لم يُشرك

استراتيجيات فعالة لإشراك الموظف الجديد قبل مباشرة العمل

1. تقديم تجربة “ما قبل الانضمام” مصممة خصيصاً

تبدأ العملية بإرسال باقة ترحيب مصممة خصيصاً، قد تحتوي على رسالة شخصية من المدير المباشر، كتيب رقمي عن المؤسسة، هدية رمزية تعكس هوية الشركة (مثل دفتر أنيق يحمل الشعار أو كوب حراري)، وبعض المعلومات الخفيفة التي تعزز الحماسة مثل قصص نجاح موظفين آخرين أو فيديو ترحيبي.

الغاية ليست فقط تقديم معلومات، بل صناعة انطباع أول لا يُنسى وشعور بالتقدير من اللحظة الأولى.

2. إتاحة الوصول إلى منصة إلكترونية ترحيبية

توفر المؤسسات الرائدة منصة إلكترونية خاصة بالموظفين الجدد تحتوي على:

• رسائل ترحيبية من الإدارة والزملاء

• تعارف مع فريق العمل عبر ملفات تعارف مبسطة

• جولة افتراضية في بيئة العمل (عبر الفيديو أو الواقع الافتراضي)

• قائمة بالخطوات القادمة مع جداول زمنية واضحة

• ثقافة الشركة وأسلوب اللباس والدوام وقيمها الجوهرية

هذه المنصة تخلق شعوراً بالتناغم المسبق وتقلل التوتر من المجهول التنظيمي.

3. تعيين “صديق ترحيبي” أو موجه شخصي

تعيين زميل من الفريق ليكون صلة الوصل بين الموظف الجديد وبين المؤسسة خطوة فعالة. يمكن أن يتواصل هذا “الصديق المهني” مع الموظف عبر البريد أو المكالمات أو التطبيقات المهنية، ليشرح له بعض الأمور العملية اليومية، ويجيب عن أي تساؤلات، مما يخلق شعوراً بالدعم الشخصي قبل الدخول الرسمي.

4. دعوة لحضور فعاليات غير رسمية قبل الانضمام

في حال كان الموظف سيبدأ العمل بعد عدة أسابيع، يمكن دعوته لحضور فعالية داخلية اجتماعية، أو نشاط غير رسمي مثل فطور جماعي أو لقاء قهوة افتراضي، بهدف تعارفه على الفريق، ومساعدته على بناء علاقات أولية تسهّل عليه الاندماج لاحقاً.

هذه اللفتة تنقل رسالة واضحة: “نراك جزءاً من الفريق منذ الآن”.

5. إرسال محتوى تعريفي جذاب ومنسق

ليس المقصود هنا إرسال دليل الموظف الممل، بل مجموعة محتويات غنية وبصرية تتناول ما يلي:

• نبذة عن نشأة المؤسسة وأهم إنجازاتها

• عرض لثقافة العمل وقيم الشركة الجوهرية

• معلومات بسيطة عن الهيكل التنظيمي

• فيديوهات قصيرة ترحيبية من زملاء من مختلف الإدارات

هذا النوع من المحتوى يعمق المعرفة ويزيد من التفاعل العاطفي مع المؤسسة.

6. تقديم الدعم الإداري والتنظيمي المبكر

توفير الأدوات التقنية اللازمة (مثل البريد المهني، الحسابات الرقمية، وربما الحاسوب المحمول إن وُجد) قبل بداية العمل الفعلية، يختصر وقتاً ثميناً في أول يوم. كما أن التواصل مع الموارد البشرية لإنهاء بعض الإجراءات الورقية مسبقاً يُظهر احترام المؤسسة لوقت الموظف واحترافيتها.

7. إرسال استطلاع تفاعلي قصير

يمكن إرسال استطلاع بسيط للموظف الجديد بهدف معرفة حالته النفسية وتوقعاته عن بيئة العمل، وأهدافه الشخصية، مما يساعد المؤسسة على تهيئة تجربة مخصصة وفعالة له.

8. إعداد خطة شخصية للاندماج والتطوير

إرسال خطة مبدئية لمسار الاندماج والتدريب، توضح المهارات التي سيتم التركيز عليها، والمشروعات التي سيشارك فيها، والأهداف المرجو تحقيقها خلال أول 3 أشهر، يُشعر الموظف بالجدية والتنظيم ويمكّنه من البدء الذهني الفعّال قبل أن يباشر العمل.

9. تخصيص اتصال من المدير المباشر

يعتبر تواصل المدير المباشر مع الموظف الجديد خلال فترة ما قبل الانضمام خطوة استراتيجية. يمكن لهذه المكالمة أن تكون غير رسمية وودّية، وتهدف إلى كسر الجليد، وبناء علاقة أولية مباشرة، وتوضيح الرؤية المشتركة.

10. الحفاظ على استمرارية التواصل دون إثقال

الحفاظ على توازن التواصل أمر ضروري. فالإفراط في إرسال الرسائل قد يشعر الموظف بالضغط، بينما التوقف التام يُشعره بالتجاهل. لذلك، يُفضل اعتماد تواصل دوري خفيف ومدروس، مثل إرسال رسالة واحدة أسبوعياً تتضمن معلومة خفيفة أو ترحيباً إضافياً.

التأثيرات النفسية والعملية لإشراك الموظفين الجدد مسبقاً

التجربة المبكرة الإيجابية تؤدي إلى عدد من الآثار النفسية والسلوكية العميقة، منها:

• تقليل القلق الذي يصاحب الانتقال إلى وظيفة جديدة

• تعزيز الانتماء والانخراط العاطفي في المؤسسة

• تسريع عملية التعلم والتأقلم

• بناء ثقة مبكرة بين الموظف والمدير والزملاء

• تحفيز الموظف ليكون منتجاً منذ الأسابيع الأولى

من الناحية العملية، تظهر هذه النتائج في زيادة الإنتاجية المبكرة، ورفع معدل التفاعل مع المبادرات الداخلية، وخفض نسب الاستقالات في أول سنة.

لماذا يُعد إشراك الموظف الجديد مبكراً استثماراً وليس تكلفة؟

تتجلى الفوائد الاقتصادية الحقيقية في مؤشرات مثل:

• تقليص الوقت اللازم للوصول إلى الأداء الأمثل

• تقليل تكاليف التدريب الزائد الناتج عن ضعف التأقلم

• تقليل نفقات التوظيف البديل في حال الاستقالة المبكرة

• تحسين سمعة المؤسسة كمكان عمل جذاب ومرحِّب

المؤسسات التي تتعامل مع مرحلة “ما قبل الانضمام” بجدية تحقق نتائج تفوق المنافسين الذين لا يمنحونها وزناً.

ختام تنفيذي

إن إشراك الموظف الجديد قبل أول يوم له في العمل ليس رفاهية إدارية، بل خطوة استراتيجية متقدمة تعكس نضج المؤسسة وتفوقها التنافسي. من خلال تصميم تجربة شاملة تجمع بين الترحيب والدعم والمعرفة والانخراط الاجتماعي، يتمكّن الموظف من دخول بيئة العمل وهو مستعد، ومرتاح، ومتحمس، بل ومندمج فعلياً حتى قبل أن يبدأ.

المراجع

• Society for Human Resource Management (SHRM), Preboarding and Onboarding Strategies, 2023

• Harvard Business Review, “Don’t Underestimate the Importance of Early Employee Engagement”, 2022