7 حقائق مفاجِئة عن الأشخاص المدمنين على التكنولوجيا

في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بحيث بات من الصعب تخيل أي نشاط بشري من دون تدخل أحد أشكال التكنولوجيا فيه. الهواتف الذكية، الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي، الألعاب الرقمية، تطبيقات العمل، والبث الترفيهي، كلها أدوات أصبحت تهيمن على أوقاتنا وتتحكم في سلوكياتنا. غير أن هذا الاعتماد الكبير على الوسائل التكنولوجية لم يمر دون أن يترك آثاراً نفسية وسلوكية وفسيولوجية عميقة لدى المستخدمين، وخصوصاً أولئك الذين تجاوزوا حدود الاستخدام الطبيعي إلى ما يُعرف بالإدمان الرقمي.

الإدمان على التكنولوجيا هو نمط سلوكي متكرر يتمثل في الاستخدام المفرط للأجهزة والتقنيات الحديثة على حساب الأنشطة اليومية الطبيعية كالنوم، العلاقات الاجتماعية، العمل، والتعلم. في هذا السياق، تُعد دراسة آثار هذا النوع من الإدمان مجالاً خصباً للبحث العلمي والنفسي، وقد تم التوصل إلى مجموعة من الحقائق المفاجئة التي تضيء زوايا مظلمة في علاقة الإنسان المعاصر بالتكنولوجيا.

1. الدماغ البشري يُظهر تغيّرات فيزيولوجية حقيقية لدى المدمنين على التكنولوجيا

تشير الدراسات العصبية الحديثة إلى أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يؤدي إلى تغيّرات في بنية الدماغ ووظائفه، بما يشبه التغيرات التي تحدث لدى مدمني المواد المخدّرة. فقد أظهرت دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أن أدمغة مدمني الإنترنت والألعاب الرقمية تظهر نشاطاً مفرطاً في مناطق مثل القشرة الأمامية المدارية (orbitofrontal cortex) المرتبطة باتخاذ القرار والمكافأة، إلى جانب تراجع في المادة الرمادية في مناطق التحكم العاطفي والانتباه.

هذه التغيرات لا تقتصر على البالغين فحسب، بل تشمل المراهقين والأطفال أيضاً، ما يجعل الإدمان على التكنولوجيا ظاهرة تستدعي القلق العميق، خاصة مع تزايد عدد الساعات التي يقضيها الأفراد أمام الشاشات في سن مبكرة.

2. الانفصال العاطفي والاجتماعي يحدث بصمت وتدريجياً

من بين أكثر الآثار المفاجئة لإدمان التكنولوجيا هو تدهور العلاقات الإنسانية بشكل تدريجي وغير ملحوظ في البداية. فالاعتماد المفرط على الوسائط الرقمية يؤدي إلى استبدال التفاعل الوجهي المباشر بالتواصل الرقمي السريع وغير العميق. ومع مرور الوقت، يفقد الأشخاص المدمنون على التكنولوجيا القدرة على فهم الإشارات غير اللفظية، كتعابير الوجه ولغة الجسد، ما يضعف قدرتهم على بناء علاقات صحية ومستقرة.

يُلاحظ أيضاً أن العديد من مدمني التكنولوجيا يعانون من العزلة الاجتماعية، وانخفاض القدرة على التعاطف، وتراجع مستوى المهارات الاجتماعية التقليدية. وتبين الدراسات النفسية أن نسبة القلق الاجتماعي والاكتئاب ترتفع بين هؤلاء مقارنةً بغيرهم، في مؤشر خطير على انعكاس الإدمان الرقمي على الصحة النفسية.

3. التأثير السلبي يمتد إلى جودة النوم ودورة الإيقاع الحيوي

يتسبب الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية، وخصوصاً في ساعات المساء، في اضطراب كبير في نمط النوم الطبيعي. ويرتبط ذلك بشكل مباشر بانبعاث الضوء الأزرق من الشاشات، الذي يؤثر على إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم.

الأشخاص المدمنون على التكنولوجيا يعانون من الأرق، النوم المتقطع، الأحلام المزعجة، والإرهاق المستمر في النهار. وعلى المدى الطويل، ينعكس هذا الاضطراب في النوم على الجهاز المناعي، التركيز، المزاج، وحتى على الوزن.

وقد توصلت دراسة نُشرت في مجلة Journal of Clinical Sleep Medicine إلى أن هناك علاقة طردية بين مدة استخدام الأجهزة الذكية في الليل وشدة اضطرابات النوم لدى الأفراد، مما يدعم التحذيرات الطبية الداعية إلى إبعاد الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعتين على الأقل.

4. ضعف في القدرة على الانتباه والتركيز نتيجة الاستهلاك المفرط للمحتوى الرقمي

واحدة من أبرز الحقائق التي كشفت عنها الأبحاث في علم الأعصاب السلوكي هي أن الاستهلاك المتواصل والسريع للمحتوى الرقمي يقلل من قدرة الدماغ على التركيز والانتباه لفترات طويلة. إذ يؤدي التبديل المتكرر بين المهام (Multitasking) من خلال التنقل المستمر بين التطبيقات، الفيديوهات، والإشعارات، إلى تدريب الدماغ على القفز المستمر بين المواضيع دون التعمق فيها.

وتظهر نتائج بعض الدراسات أن متوسط مدى انتباه الإنسان قد انخفض إلى أقل من 8 ثوانٍ في العصر الرقمي، وهو معدل أقل من مدى انتباه سمكة ذهبية وفقاً لبعض الإحصائيات. وهذا التراجع الخطير يؤثر على الأداء الأكاديمي والمهني، ويعزز مشاعر القلق وعدم الإنجاز.

5. الإدمان على التكنولوجيا يغير تصور الزمن والواقع

واحدة من الظواهر المثيرة للاهتمام هي ما يُعرف بـ “فقدان الإحساس بالزمن”، وهي حالة شائعة بين الأشخاص المدمنين على الألعاب الإلكترونية أو تصفح الإنترنت لساعات طويلة. في هذه الحالة، يفقد الشخص قدرته على إدراك مرور الوقت بشكل دقيق، ويغرق في المحتوى الرقمي دون ملاحظة الساعات التي تنقضي.

العديد من المستخدمين يفاجَؤون بعدم إنجازهم لأي نشاط حقيقي في يومهم، رغم شعورهم بأنهم كانوا منشغلين طوال الوقت. وهذا يعود إلى أن الإشباع اللحظي الذي تمنحه التكنولوجيا يخدع الدماغ ويوهمه بوجود نشاط حقيقي، في حين أنه في الواقع لا يتم تحقيق أي تقدم فعلي على الصعيد الشخصي أو العملي.

6. السلوك الإدماني يترافق مع أعراض انسحاب حقيقية

مدمنو التكنولوجيا يعانون من أعراض انسحابية حقيقية عند محاولة التوقف أو تقليص استخدامهم للأجهزة الرقمية. تتضمن هذه الأعراض القلق، التوتر، العصبية، التهيج، وحتى أعراض جسدية مثل التعرق والصداع واضطراب المعدة.

وقد تم توثيق هذه الظاهرة في دراسات نفسية عدة، منها دراسة نُشرت في Computers in Human Behavior، أظهرت أن الأشخاص الذين طُلب منهم الابتعاد عن هواتفهم الذكية لمدة 72 ساعة فقط، عانوا من تراجع حاد في المزاج وزيادة في مستويات القلق.

هذا السلوك المشابه لما يحدث في حالات إدمان المواد المخدّرة يوضح أن الإدمان الرقمي ليس مجرد “عادة سيئة”، بل حالة معقدة تتطلب تدخلات نفسية وسلوكية منظمة.

7. العلاقة الطردية بين الإدمان الرقمي واضطرابات الصحة النفسية

ارتبط الاستخدام المفرط للتكنولوجيا بزيادة كبيرة في معدلات القلق والاكتئاب، خاصة بين الفئات العمرية الشابة. ويعزى ذلك إلى عدة عوامل متداخلة، من أبرزها المقارنات المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتعرض المستمر للأخبار السلبية، والضغط للرد السريع على الرسائل والتنبيهات.

كما أن الإشباع اللحظي الذي تمنحه التطبيقات الرقمية يمنع المستخدم من تطوير آليات صحية للتعامل مع القلق أو الفراغ، ويؤدي إلى تراجع القدرة على التحمّل النفسي والاستجابة للتوترات بطريقة فعالة.

تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الإصابة بالاكتئاب بين المراهقين الذين يستخدمون التكنولوجيا أكثر من 5 ساعات يومياً تفوق الضعف مقارنة بأقرانهم الذين يستخدمونها لفترات معتدلة. وهذا يدعم الدعوات المتزايدة لوضع قيود صارمة على استخدام الأجهزة الرقمية، وخاصة لدى الفئات الحساسة.

الجدول التالي يلخص أبرز التأثيرات السلوكية والعصبية لإدمان التكنولوجيا:

يُظهر هذا العرض أن الإدمان على التكنولوجيا ليس مجرد ظاهرة اجتماعية سطحية، بل حالة معقدة تتداخل فيها الأبعاد النفسية والعصبية والسلوكية. ومن الضروري التعامل معها بجدية من خلال استراتيجيات وقائية وتوعوية، وتعزيز ثقافة الاستخدام الواعي والمسؤول للتكنولوجيا، خاصة بين الأطفال والمراهقين الذين يشكّلون الفئة الأكثر هشاشة أمام هذه المخاطر.

المراجع:

1. Montag, C., & Diefenbach, S. (2018). “Towards Homo Digitalis: Important Research Issues for Psychology and the Neurosciences at the Dawn of the Internet of Things and the Digital Society.” Sustainability, 10(2), 415.

2. World Health Organization (2020). “Adolescent mental health: Mapping actions of nongovernmental organizations and other international development organizations.”