أول 30 يوم كمديرة: دروس قيادية

أول 30 يوم لي كمديرة: أهم 3 أسئلة سألتها لنفسي حتى الآن

عندما تتولى دور المدير للمرة الأولى، يكون الشعور مزيجًا من الحماس، والتحدي، والقلق. خاصة في الأيام الأولى التي تحدد مسار القيادة وتأثيرها على الفريق والمؤسسة. خلال أول 30 يومًا من العمل كمديرة، تمر بتجربة فريدة تتطلب منك التوقف لحظة، وإعادة تقييم الطريقة التي ستقود بها، والقرارات التي ستتخذها، والرؤية التي ستسير عليها. هذه الفترة الحاسمة تحتاج إلى تأمل عميق وأسئلة جوهرية تضع الأساس لمستقبل مهني ناجح.

في هذا المقال، سأشارك تجربة شخصية عميقة مرت بها في أول شهر من عملي كمديرة، مركزة على أهم ثلاثة أسئلة سألتها نفسي خلالها، والتي أثرت بشكل مباشر في بناء ثقافة الفريق، وضبط الأداء، وتعزيز القيادة الفعالة. هذه الأسئلة ليست مجرد تأملات نظرية، بل هي أدوات عملية شكلت جزءًا من مسيرتي المهنية وأتمنى أن تجد فيها أي مديرة أو مدير جديد نقطة انطلاق تساعدهم على الاستقرار في موقعهم وتحقيق نتائج ملموسة.

السؤال الأول: ما هي أولويات الفريق والمؤسسة التي يجب أن أركز عليها الآن؟

القيادة ليست مجرد إدارة مهام يومية، بل هي القدرة على تحديد الأولويات التي تخدم أهداف المؤسسة على المدى القصير والبعيد. في أول 30 يومًا، كان من الضروري أن أفهم بعمق ما الذي يتطلب اهتمامًا فوريًا، وما الذي يمكن أن ينتظر أو يتوزع على مراحل لاحقة. هذه الخطوة تتطلب جمع المعلومات وتحليلها، الاستماع إلى أعضاء الفريق، والتواصل مع الإدارات المختلفة لفهم السياق الكامل.

بدأت بتحليل الوضع الراهن من خلال مراجعة تقارير الأداء، وحضور الاجتماعات، والاطلاع على المشكلات التي تواجه الفريق. كان من الواضح أن هناك فجوة بين أهداف الإدارة العليا والطريقة التي ينفذ بها الفريق مهامه، مما أدى إلى تضارب في الأولويات. هنا ظهر دور المدير في إعادة ترتيب الأولويات بما يتوافق مع استراتيجية المؤسسة، مع الحفاظ على توازن جيد بين متطلبات العمل واحتياجات الفريق.

تركيزي كان على بناء خارطة طريق واضحة تشرح أولويات العمل، مع تحديد المهام الأساسية التي يجب إنجازها خلال الأسابيع المقبلة، وتلك التي يمكن تأجيلها. ولأن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، كان لا بد من إرساء أساس للتغيير التدريجي عبر إشراك الفريق في عملية التحديد والقرار، مما عزز الشعور بالملكية والمسؤولية الجماعية.

السؤال الثاني: كيف يمكنني بناء ثقة الفريق بي كقائدة جديدة؟

الثقة هي حجر الزاوية في القيادة الناجحة، ولا يمكن تحقيقها إلا عبر التفاعل الإنساني الحقيقي، والشفافية، والاحترام المتبادل. كمديرة جديدة، كنت أعلم أن الفريق سينظر إلي بعين الشك أولًا، خاصة إذا كنت قد خلفت مديرًا سابقًا ترك انطباعات متباينة. بناء هذه الثقة يتطلب وقتًا وجهدًا ممنهجين.

بدأت بالاستماع الفعلي لأعضاء الفريق، محاولة فهم وجهات نظرهم، والتحديات التي يواجهونها في عملهم اليومي، بالإضافة إلى مكامن قوتهم وضعفهم. تواصلت معهم بشكل شخصي وجماعي، وحاولت أن أكون واضحة في أهدافي، وأن أشرح سبب القرارات التي اتخذتها، وأهمية مساهمتهم في تحقيق رؤية العمل.

الشفافية كانت عاملًا رئيسيًا في بناء هذه الثقة. شاركت الفريق في المعلومات التي كنت أستطيع مشاركتها، وكنت صادقة بشأن التحديات التي تواجهنا، الأمر الذي دفعهم إلى أن يثقوا بي كقائدة يمكن الاعتماد عليها. لم يكن الأمر يتعلق فقط بإصدار الأوامر، بل بخلق بيئة عمل يسودها الحوار المفتوح، والاحترام، والمساءلة المتبادلة.

بجانب ذلك، حرصت على الاعتراف بجهود الفريق وتقدير مساهماتهم، مما رفع الروح المعنوية وشجع على المزيد من التعاون والالتزام.

السؤال الثالث: ما هي المهارات القيادية التي أحتاج لتطويرها لتحقيق النجاح المستدام؟

كل مدير يكتسب خبرات متجددة، ولكل مرحلة قيادية متطلبات خاصة. بعد استقرار نسبي في دور المدير، أصبحت مدركة أن التحديات تتنوع بين إدارة الوقت، اتخاذ القرار، التعامل مع الضغوط، وتحفيز الفريق، إضافة إلى مهارات التواصل والتفاوض. كانت معرفة نقاط قوتي وضعفي أمرًا أساسيًا في تطوير نفسي بشكل مستمر.

قمت بتقييم ذاتي صريح عن طريق مراجعة ردود أفعال الفريق، وأدائي في الاجتماعات، وكذلك نتائج العمل خلال الفترة الأولى. لاحظت أن هناك حاجة لتحسين مهارات إدارة النزاعات، والقدرة على التعامل مع الضغوط المتزايدة، إلى جانب تعزيز مهارات التحفيز الذاتي للتمكن من نقل هذا التحفيز إلى الفريق.

كما ركزت على تنمية مهارات التخطيط الاستراتيجي والمرونة في التكيف مع المتغيرات، حيث أصبحت واقعة في مواقف تحتاج إلى استجابات سريعة ومدروسة. تطوير هذه المهارات لا يأتي من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى تعلم مستمر من خلال القراءة، التدريب العملي، واستشارة ذوي الخبرة.

لقد أدركت أن القيادة ليست هدفًا ثابتًا، بل رحلة مستمرة من التعلم والتكيف والتطوير.

بناء رؤية واضحة والتواصل المستمر

خلال أول شهر من عملي، أدركت أن من الضروري صياغة رؤية واضحة للفريق، تُحدد أهدافًا محددة وقابلة للقياس، مع وضع مؤشرات أداء واضحة تتابع التنفيذ بشكل دوري. لم يكن الهدف مجرد تحقيق نتائج فورية، بل خلق ثقافة عمل تتسم بالاستمرارية والجودة.

التواصل المستمر مع الفريق والإدارة العليا لعب دورًا حاسمًا في ضبط التوقعات، والتنسيق بين مختلف الإدارات، وحل المشكلات بسرعة قبل أن تتفاقم. كانت الاجتماعات الأسبوعية وجلسات التقييم فرصة حقيقية لمراجعة الأداء، وتشجيع المبادرات الجديدة، ومعالجة أية خلافات أو صعوبات.

تعزيز ثقافة العمل الجماعي والمسؤولية

القيادة ليست مجرد توجيه، بل بناء بيئة محفزة تشجع على الابتكار والمسؤولية. خلال الثلاثين يومًا الأولى، حاولت تعزيز مبدأ العمل الجماعي، وتشجيع التشارك في صنع القرار، وتكليف أعضاء الفريق بمسؤوليات تتناسب مع قدراتهم ومهاراتهم. هذا التمكين ساعد على زيادة الإنتاجية، وخفض معدلات الخطأ، ورفع مستوى الرضا الوظيفي.

مواجهة التحديات بإرادة وتصميم

لا تخلو فترة تولي الإدارة من تحديات وصعوبات، سواء كانت داخلية متعلقة بأداء الفريق، أو خارجية تتعلق بتغيرات السوق أو ضغوط العمل. في أول 30 يومًا، واجهت مواقف تتطلب اتخاذ قرارات صعبة وموازنة بين مصالح متضاربة. الدعم المستمر من زملاء العمل ووجود شبكة علاقات مهنية ساعدني على تجاوز تلك المواقف بثقة أكبر.

جدول ملخص لأهم المحاور التي تم التركيز عليها في أول 30 يومًا

الخلاصة

الأيام الأولى كمديرة تمثل حجر الأساس لبناء مسيرة قيادية ناجحة ومستدامة. من خلال تركيز الاهتمام على تحديد الأولويات، وبناء الثقة مع الفريق، وتطوير المهارات القيادية، يمكن تجاوز الكثير من العقبات والتحديات التي تواجه المدير الجديد. لا تقتصر القيادة على إصدار الأوامر فقط، بل هي فن إدارة العلاقات الإنسانية وتحفيز الأفراد نحو تحقيق أهداف مشتركة. كل سؤال جرى التفكير فيه ساعد في تعزيز الوعي الذاتي، وإرساء قواعد صلبة لبناء فريق متماسك ومنتج قادر على مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة واقتدار.

المصادر والمراجع

1. Harvard Business Review. (2020). First 90 Days as a Leader: Strategies for Success. Harvard Business Publishing.

2. Kouzes, J. M., & Posner, B. Z. (2017). The Leadership Challenge: How to Make Extraordinary Things Happen in Organizations. Wiley.