أول من قال السلام عليكم

عنوان المقال: أول من قال السلام عليكم

المقدمة

التحية الإسلامية “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته” ليست مجرد صيغة للسلام، بل هي تعبير عن السلام والمحبة والطمأنينة، وتندرج ضمن القيم الإسلامية التي تشكل جزءاً أصيلاً من الثقافة والسلوك اليومي للمسلم. وقد أصبح هذا السلام شعارًا إيمانيًا واجتماعيًا، يعكس عمق العقيدة وتوجيهاتها الأخلاقية والروحية. فهذه العبارة المباركة تتضمن دعاءً بالأمان والرحمة والبركة، وهي تحية تحمل في طياتها فلسفة شاملة تُعبّر عن جوهر الرسالة الإسلامية في بناء مجتمع يسوده السلم والتراحم.

ولأن لكل شيء بداية، فإن السؤال حول “من أول من قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟” يفتح أمامنا بابًا لفهم أعمق لجذور هذا السلام، ومكانته في العقيدة، وتطوره في التاريخ، واستعماله في الحياة النبوية وفي سلوك الصحابة والتابعين من بعدهم. هذا المقال يتناول بالدراسة الموسعة هذه التحية من حيث أصلها، أول من قالها، ومكانتها في النصوص الإسلامية، بالإضافة إلى أبعادها اللغوية والفقهية والاجتماعية.

الجذور اللغوية للتحية

كلمة “السلام” في اللغة العربية تعني الأمان والطمأنينة والخلو من الشر، وهي مشتقة من الجذر الثلاثي (س-ل-م)، الذي يدل على النجاة والسِّلم. ويُشتق من هذا الجذر عدد من الكلمات مثل الإسلام، والاستسلام، والسلامة، وهي جميعها تدور حول محور الاستقرار النفسي والجسدي. أما “الرحمة” فهي من الرقة والعطف، وهي أيضًا من صفات الله جل وعلا. أما “البركة” فتعني النماء والزيادة في الخير.

وبذلك، فإن عبارة “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته” تتضمن ثلاث دعوات مترابطة: دعاء بالأمان (السلام)، دعاء بالعطف واللطف الإلهي (الرحمة)، ودعاء بنماء الخير ودوامه (البركة).

أول من قال “السلام عليكم”

بحسب ما ورد في الروايات الصحيحة التي أخرجتها كتب التفسير والحديث، فإن أول من قال “السلام عليكم” هو آدم عليه السلام، وذلك حين خلقه الله عز وجل، وعلمه كيف يسلم، وكان السلام حينها مجرد “السلام عليك”. ففي حديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

“خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فسلّم على أولئك نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يُحيّونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله”.

ويُفهم من هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى علم آدم عليه السلام تحية السلام كأول تحية تُستخدم بين الخلق، وأن الملائكة ردوا عليه بالتحية وزادوه “ورحمة الله”، وهنا ظهرت لأول مرة إضافة “الرحمة” إلى السلام. أما “وبركاته” فلم تظهر في هذا الحديث، وإنما وردت في أحاديث أخرى وتطبيقات نبوية لاحقة.

تطور صيغة التحية

أصبحت التحية المثالية في الإسلام هي: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، وقد جاءت هذه الصيغة الكاملة في القرآن الكريم، في قوله تعالى في سورة النور:

“فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً” [النور: 61].

وفي حديث رواه الترمذي وأبو داود، عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: “السلام عليكم”، فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي: “عشر”. ثم جاء آخر فقال: “السلام عليكم ورحمة الله”، فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي: “عشرون”. ثم جاء آخر فقال: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي: “ثلاثون”.

وهذا الحديث يدل على أن التحية الكاملة تتضمن ثلاثين حسنة، مما يُبرز فضل إتمام السلام بهذه الصيغة.

السلام في حياة الأنبياء

منذ بداية البشرية كان السلام تحية الأنبياء والمرسلين، فقد ورد السلام على عدد من الأنبياء في القرآن، ومن ذلك:

• “سلام على نوح في العالمين” [الصافات: 79]

• “سلام على إبراهيم” [الصافات: 109]

• “سلام على موسى وهارون” [الصافات: 120]

• “سلام على إلياسين” [الصافات: 130]

وهذا النمط القرآني يُظهر كيف كان السلام شعارًا رساليًا مرتبطًا بالنبوّة والطهارة والصدق، وهو جزء من رسالة الأنبياء التي تقوم على الدعوة للسلام الداخلي والخارجي.

السلام في السنة النبوية

جعل النبي محمد ﷺ السلام شِعارًا للمسلمين، ورمزًا للمحبة والرحمة بينهم. ومن أشهر ما ورد في السنة:

• حديث عبد الله بن عمرو أن رجلًا سأل النبي ﷺ: “أي الإسلام خير؟” قال: “تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف” (رواه البخاري ومسلم).

• كما قال النبي ﷺ: “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” (رواه مسلم).

ويُفهم من هذه النصوص أن السلام ليس مجرد تحية لفظية، بل هو أسلوب تربوي واجتماعي يؤدي إلى بناء مجتمع متماسك ومتراحم.

السلام بين المسلمين: أحكام وآداب

آداب السلام:

1. البدء بالسلام سنة مؤكدة، والرد عليه واجب.

2. السلام يكون بصوت مسموع لكن دون إيذاء.

3. المصافحة سنة عند اللقاء إذا كانت بين أبناء نفس الجنس.

4. الأفضل أن يبدأ الراكب بالسلام على الماشي، والصغير على الكبير، والواحد على الجماعة.

الحالات التي يُسن فيها السلام:

• عند دخول البيت أو الخروج منه.

• عند دخول المسجد أو الخروج منه.

• عند لقاء المسلم لأخيه.

• عند بداية الرسائل والخطب والمراسلات.

تحريم البدء بالسلام على الكافر:

ورد في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: “لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام” (رواه مسلم). لكن يُرد عليه إذا سلّم بقوله “وعليكم”.

أثر السلام في العلاقات الاجتماعية

للتحية الإسلامية أثر عميق في العلاقات الاجتماعية، إذ تسهم في:

• بناء الألفة والمحبة بين المسلمين.

• كسر الحواجز النفسية في اللقاءات.

• تعزيز روح الطمأنينة في المجالس.

• التخفيف من التوتر عند التعاملات اليومية.

ولهذا، نجد أن المجتمعات التي تحافظ على السلام الإسلامي تكون أكثر ترابطًا وأقوى في نسيجها الاجتماعي.

السلام في الشريعة والفقه الإسلامي

يرى جمهور العلماء أن البدء بالسلام سنة مؤكدة، لكن الرد عليه فرض كفاية، فإن رد واحدٌ من الجماعة سقط الإثم عن البقية. أما ترك رد السلام عمدًا فقد اعتبره بعض العلماء من الكبائر.

كما ناقش الفقهاء تفاصيل تتعلق بالسلام في حالات متعددة مثل:

• السلام في الصلاة: لا يجوز إلا في التحلل منها.

• السلام على من في الحمام: مكروه عند البعض.

• السلام على النساء: جائز إن لم يكن فيه فتنة.

جدول: صيغ السلام والردود الشرعية

السلام في الحياة المعاصرة

رغم التقدم الحضاري والرقمي، فإن قيمة السلام لم تتغير. بل أصبحت الحاجة إليه أشد، خاصة في عالم تتزايد فيه التوترات. والتحية الإسلامية، ببساطتها ومضمونها، تظل أداة فعالة في نشر الود والتسامح، سواء في المجتمعات الإسلامية أو في البيئات متعددة الثقافات.

وفي العصر الرقمي، لم يتخلَّ المسلمون عن هذه التحية، فنجدها تُفتتح بها الرسائل الإلكترونية والمراسلات على مواقع التواصل، وكأنها جسر يمتد من الجذور النبوية إلى التقاليد الرقمية الحديثة.

الخاتمة

إن التحية الإسلامية “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته” ليست فقط أول ما قيل من تحية بين البشر، بل هي امتداد لأصل الخلق، وسمة من سمات الأنبياء، وشعار للمؤمنين في الدنيا والآخرة. وقد جعلها الإسلام ركيزة في بناء مجتمع يسوده الأمن والمحبة، تبدأ بكلمة “سلام” وتثمر مجتمعًا يسكنه السلام الحقيقي في القلوب والنفوس. ومن عرف فضل هذه التحية، والتزم بأدبها، أدرك سرًّا من أسرار الحكمة الإسلامية التي جمعت بين الدين والدنيا في أبسط وأبلغ الكلمات.

المراجع:

1. صحيح البخاري، كتاب الاستئذان.

2. صحيح مسلم، كتاب السلام.