من أول من جمع القرآن؟
يُعدُّ القرآن الكريم من أعظم الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. يعتبر جمع القرآن وتدوينه من أعظم الأعمال التي شهدتها الأمة الإسلامية، فهو ليس فقط محفوظًا في الصدور، بل أيضًا مكتوبًا في السطور. وهذا الجمع له تاريخ طويل ومعقد بدأ في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومر بعدة مراحل حتى أُحْكِمَ في شكل الكتاب الذي نقرأه اليوم. وفي هذا المقال، سوف نلقي الضوء على أول من جمع القرآن الكريم، وكيف تم جمعه، ولماذا كانت هذه المهمة محورية في تاريخ الإسلام.
جمع القرآن في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
قبل الحديث عن أول من جمع القرآن بشكل كامل في مصحف واحد، من المهم أن نفهم كيف كان القرآن الكريم يُحفظ ويُتلى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. في بداية نزول الوحي، كان القرآن يُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بشكل متقطع على مدار 23 عامًا، وكان النبي يبلغه لأصحابه الذين كانوا يستمعون إليه بكل جوارحهم.
كان الصحابة يحرصون على حفظ القرآن بعد سماعه من النبي، وبعضهم كان يكتب القرآن بيده، وقد كان ذلك على مواد متنوعة مثل العظام، والأوراق، وجلود الحيوانات. وذكر المؤرخون أن الصحابة كانوا يُسمّون هؤلاء الذين يحفظون القرآن “حفاظًا”، وأن أعدادهم كانت كبيرة.
ومع مرور الوقت، بدأت العديد من الصحابة يتوفون في الحروب والمعارك، وخاصة في معركة “اليوم” أو معركة “اليمامة” التي شهدت استشهاد العديد من حفظة القرآن. أدرك الخليفة الأول أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خطورة هذا الوضع، وبدأ التفكير في جمع القرآن بشكل رسمي يحفظه من الضياع.
أول من جمع القرآن: أبو بكر الصديق
في أعقاب معركة اليمامة، عندما استُشهد العديد من الحفاظ، عرض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على الخليفة أبي بكر الصديق فكرة جمع القرآن الكريم في مصحف واحد. كان الهدف من ذلك هو الحفاظ على القرآن الكريم من الضياع بسبب فقدان الحفاظ الذين كانوا قد حفظوه عن ظهر قلب.
أخذ أبو بكر الصديق الأمر على محمل الجد، وأرسل إلى زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- الذي كان من أبرز كتبة الوحي. طلب منه أبو بكر أن يتولى مهمة جمع القرآن الكريم في مصحف واحد. وقد كانت هذه المهمة ثقيلة ومعقدة، خاصةً وأن القرآن كان موزعًا بين صدور الصحابة وأوراقهم، ولم يكن هناك مصحف مكتمل في ذلك الوقت.
كيف تم جمع القرآن؟
بدأ زيد بن ثابت في جمع القرآن الكريم في مصحف واحد بناءً على تعليمات أبي بكر الصديق. كانت الطريقة التي اتبعها هي جمع القرآن من خلال عدة مصادر:
-
الحفظة: كان زيد بن ثابت يستمع إلى ما يحفظه الصحابة الذين كانوا قد حفظوا أجزاء من القرآن.
-
الكتابات المتفرقة: جمع أيضًا كل ما كان مكتوبًا من القرآن على العظام، والجلود، وأوراق النخيل، وغيرها من المواد.
-
التحقق من النصوص: كانت عملية جمع القرآن تتطلب التدقيق والتأكد من صحة النصوص. كان زيد بن ثابت يُراجع ما جمعه مع الصحابة الآخرين الذين كانوا قد حفظوا الآيات ليقارنوا النصوص المكتوبة بما في صدورهم.
وكانت هذه العملية تتم بتوجيهات مباشرة من أبو بكر الصديق، الذي كان يتخذ جميع الاحتياطات لضمان دقة الجمع وعدم وقوع أي خطأ. بعد أن أكمل زيد بن ثابت جمع القرآن، تم إيداع المصحف في مكان آمن لدى أبو بكر، ثم عند وفاته انتقل إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وبعد وفاة عمر، آل المصحف إلى ابنته حفصة بنت عمر، التي كانت أم المؤمنين.
مرحلة التوسع في جمع القرآن: عهد عثمان بن عفان
مع تزايد الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام في مناطق مختلفة، بدأ الناس يتفاوتون في قراءتهم للقرآن الكريم. وظهرت بعض الاختلافات في كيفية تلاوة بعض الآيات أو الحروف، ما أثار القلق حول احتمال حدوث انقسامات أو تشويش في تلاوة القرآن بين المسلمين.
لذلك، قرر الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يتخذ خطوة حاسمة لحل هذه المشكلة. فكان أن أمر بنسخ عدة نسخ من المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق، وزيّن النسخ بكل العناية، وأرسل هذه النسخ إلى الأمصار الكبرى التي انتشر فيها المسلمون، مثل الكوفة، والبصرة، والشام. كما أمر بجمع المصاحف في المصحف العثماني، الذي كان يتبع قواعد القراءة الموحدة، وكان يتمثل في النسخة التي تم جمعها في عهد أبي بكر الصديق.
أهمية جمع القرآن
-
حفظ القرآن من الضياع: يعد جمع القرآن في مصحف واحد خطوة أساسية لحفظه من الضياع بسبب الحروب والتحديات التي مرت بها الأمة الإسلامية.
-
حفظ وحدة الأمة: جمع القرآن جعل المسلمين في جميع أنحاء العالم يقرؤون نفس النص، مما حفظ تماسك الأمة الإسلامية ووحدتها.
-
مساهمة الصحابة في التوثيق: الصحابة الذين شاركوا في جمع القرآن مثل زيد بن ثابت وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب كان لهم دور كبير في توثيق القرآن وصيانته.
الخلاصة
إن جمع القرآن الكريم من أهم الأحداث التي ساهمت في الحفاظ على هذا الكتاب السماوي العظيم. أول من جمع القرآن في مصحف واحد كان الخليفة الأول أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، من خلال إشرافه المباشر على جمعه بواسطة زيد بن ثابت. وقد تم إتمام هذه المهمة في فترة حرجة كانت تهدد القرآن من الضياع بسبب استشهاد العديد من حفظة القرآن في المعارك. ومع مرور الوقت، وبالخصوص في عهد الخليفة عثمان بن عفان، تم توحيد قراءات القرآن وأرسل نسخ موحدة إلى مختلف الأمصار.
إن الجهود التي بذلها الصحابة في جمع القرآن وترتيبه تعتبر من أعظم الأعمال في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد ساهمت بشكل مباشر في الحفاظ على القرآن الكريم في شكله الذي نقرؤه اليوم.
