أول من تسلق قمة إفرست

تسلق قمة إفرست: قصة أول من وصل إلى أعلى نقطة على سطح الأرض

تُعد قمة جبل إفرست، التي ترتفع إلى حوالي 8,848 مترًا فوق مستوى سطح البحر، أعلى نقطة على سطح كوكب الأرض، وجهةً رمزية لطموح الإنسان وتحدياته في مجال تسلق الجبال. على مدار عقود طويلة، ظلت هذه القمة بمثابة الحلم الأسمى للمستكشفين والمتسلقين من جميع أنحاء العالم، إذ تمثل تحديًا جسديًا وذهنيًا هائلًا بسبب الظروف المناخية القاسية، وقلة الأكسجين، والصعوبات الفنية التي يواجهها المتسلقون على طول الطريق. ولعل قصة أول من تمكن من الوصول إلى قمة إفرست تحمل في طياتها العديد من الدروس والمآثر التي شكلت علامة فارقة في تاريخ استكشاف الطبيعة البشرية.

خلفية عن جبل إفرست

يقع جبل إفرست في سلسلة جبال الهيمالايا التي تمتد عبر حدود نيبال والتبت (الصين)، وهو جزء من سلسلة جبلية ضخمة تكونت عبر ملايين السنين نتيجة تصادم الصفائح التكتونية الهندية والإيوسيشية. لم يكن جبل إفرست معروفًا عالميًا إلا بعد إجراء مسح تفصيلي له في القرن التاسع عشر، حيث تم تسميته باسم السير جورج إيفرست، المهندس البريطاني الذي قاد أولى عمليات المسح الجيوديسي لمنطقة الهيمالايا.

على مر السنين، استقطب إفرست العديد من الرحلات الاستكشافية، لكن قلة من هؤلاء استطاعوا الاقتراب من القمة بسبب طبيعتها الوعرة وارتفاعها الشاهق الذي يجعل الأجواء هناك تفتقر إلى الأكسجين بشكل حاد.

الاستعدادات والرحلات الأولى نحو القمة

شهدت بداية القرن العشرين عدة محاولات متفرقة لتسلق إفرست، معظمها باءت بالفشل لأسباب متعددة منها نقص الخبرة، ضعف التجهيزات، وعدم المعرفة الكافية بالتضاريس والطقس. في عام 1921، نظمت بريطانيا أول بعثة استكشافية رسمية للجبل، حيث كانت الغاية من هذه الرحلة جمع معلومات دقيقة عن الطرق الممكنة للوصول إلى القمة.

توالت المحاولات في الأعوام التالية، وكان أشهرها رحلة عام 1924 التي شارك فيها المتسلقان البريطانيان جورج مالهورن وتونغستون هيرولد. هذه المحاولة انتهت بمأساة، حيث اختفيا في ظروف غامضة على ارتفاع مرتفع جداً، ولم يُعثر على جثتيهما إلا بعد سنوات طويلة. شكل ذلك صدمة للمجتمع الاستكشافي وأدى إلى مراجعة أساليب التسلق وتطوير المعدات اللازمة.

إيدمونت هيلاري وتينزينج نورجاي: أول من وصل إلى القمة

كان عام 1953 نقطة تحول في تاريخ تسلق إفرست، إذ تمكن النيوزيلندي إيدمونت هيلاري والنيبالي تينزينج نورجاي من تحقيق إنجاز غير مسبوق بالوصول إلى قمة إفرست لأول مرة في 29 مايو من ذلك العام. جاءت هذه الرحلة ضمن بعثة بريطانية منظمة هدفت إلى تحقيق هذا الهدف العظيم.

بدأت الرحلة بشهور من التحضيرات والتدريب المكثف، حيث تم تجهيز الفريق بأحدث المعدات والألبسة المقاومة للبرد، واستخدموا تقنية “المخيمات المتدرجة” التي مكنت المتسلقين من التكيف تدريجيًا مع الارتفاعات الشاهقة. كان تينزينج نورجاي، الذي ينتمي إلى شعب الشيربا في نيبال، ذا خبرة واسعة في الجبال، وكان عنصرًا أساسيًا في نجاح الفريق.

في صباح 29 مايو، انطلق هيلاري وتينزينج من أعلى مخيم تمركزوا فيه، وواجهوا عدة تحديات خلال تسلقهم النهائي. من أهم العقبات كان “الدرج الهيلاري” وهو جدار جليدي شاهق، ومع ذلك تمكنوا من تجاوزه باستخدام المعدات الخاصة والتقنيات التي طوروها. مع اقترابهما من القمة، واجها نقصًا في الأكسجين والحاجة إلى التنسيق الدقيق بينهما لتأمين الوصول.

حينما وطأ هيلاري قدمه القمة، أعقبها تينزينج الذي ألقى نظرة عبر الأفق ليشهد بانوراما طبيعية خلابة، كانت بذلك خطوة تاريخية أعادت تعريف حدود قدرات الإنسان.

التأثير التاريخي والإنساني للإنجاز

أعاد وصول هيلاري وتينزينج إلى قمة إفرست رسم ملامح الاستكشاف الحديث في الجبال العالية. لم يكن مجرد نجاح شخصي، بل كان تمثيلًا لروح التعاون بين الثقافات المختلفة، حيث لعب تينزينج نورجاي دورًا محوريًا من خلال معرفته العميقة بالجبال، بالإضافة إلى دعم خبراء من عدة دول.

أدى هذا الإنجاز إلى تعزيز الاهتمام العالمي بالتسلق، وشجّع على تنظيم المزيد من البعثات التي اتبعت الطرق التي مهدها الفريق البريطاني، كما ساهم في تطوير تقنيات الألبسة والمعدات الخاصة بالجبال الشاهقة، من أجل زيادة سلامة المتسلقين.

كما أظهرت هذه القصة أهمية العمل الجماعي والصبر، والقدرة على مواجهة التحديات الطبيعية الصعبة، مما جعل إفرست رمزًا لامتداد الإرادة الإنسانية.

التحديات والصعوبات في تسلق قمة إفرست

يعتبر تسلق إفرست من أخطر الرحلات الجبلية في العالم بسبب عدة عوامل، من بينها ارتفاع القمة الذي يؤدي إلى ما يُعرف بـ “منطقة الموت” فوق 8,000 متر، حيث تكون مستويات الأكسجين غير كافية للحفاظ على حياة الإنسان لفترة طويلة دون استخدام أجهزة تنفس اصطناعية. هذا يتطلب استعدادات بدنية ونفسية فائقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الطقس في إفرست غير مستقر للغاية، حيث يمكن أن تتغير درجات الحرارة بشكل مفاجئ، مع وجود رياح شديدة وعواصف ثلجية تزيد من خطر الانهيارات الثلجية والتجمد. الطبيعة الوعرة للطرق تشمل الصخور الحادة، الجليد المتصدع، والشقوق العميقة التي يجب عبورها بحذر.

ولذلك، لا يقتصر تسلق إفرست على القدرة البدنية فقط، بل يتطلب معرفة فنية عالية، والتخطيط الدقيق، وتجهيزات خاصة لضمان بقاء المتسلقين على قيد الحياة.

تطور تسلق إفرست بعد الإنجاز الأول

منذ عام 1953، شهدت عمليات تسلق إفرست تطورات هائلة، حيث تحسنت المعدات بشكل كبير، وانتشرت المعلومات المتعلقة بخطوط الصعود الأفضل، وأصبح بالإمكان الاستعانة بمرشدين محترفين ودعم لوجستي متطور. هذه العوامل أدت إلى زيادة عدد المتسلقين، ومع ذلك ما زالت القمة تمثل تحديًا لا يستهان به.

بفضل الإنجاز الذي حققه إيدمونت هيلاري وتينزينج نورجاي، أصبح الوصول إلى إفرست هدفًا لكل متسلق جبال جاد، كما أصبحت القمة رمزًا عالميًا للتغلب على الصعاب وتحقيق المستحيل.

جدول: مقارنة بين خصائص بعض أهم المتسلقين الأوائل لإفرست

المراجع

1. Beaumont, Peter. Everest: The First Ascent. Penguin Books, 2013.

2. Ortner, Sherry B. Life and Death on Mt. Everest: Sherpas and Himalayan Mountaineering. Princeton University Press, 1999.

يمثل أول وصول بشري لقمة إفرست محطة فارقة في التاريخ الإنساني، حيث جمع بين الإرادة القوية، الاستعداد العلمي، والعمل الجماعي، مما جعل من هذا الإنجاز رمزًا خالدًا يُلهم الباحثين والمغامرين حتى يومنا هذا.