أول مخلوق خلقه الله

أول شيء خلقه الله تعالى:

يعتبر الحديث عن خلق الله تعالى وإرادته في بداية الكون واحدًا من أعمق المواضيع التي تستلزم التفكير والتأمل في حكمة الخالق، خاصة عندما نتساءل عن أول شيء خلقه سبحانه وتعالى. لقد ثبت في الكتاب والسنة بعض الإشارات التي توضح كيف أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون والنظام الذي يسير عليه، ولكن ما هو أول شيء خلقه الله؟ هذا السؤال يحمل في طياته العديد من الأبعاد الدينية والفلسفية والعلمية التي تحتاج إلى تفكير متأنٍ وفهم عميق.

1. خلق الله تعالى للزمان والمكان:

قبل الحديث عن أي شيء آخر، تجدر الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الزمان والمكان قبل كل شيء. يُقال إن الله تعالى خلق العرش أولاً، حيث ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذكر أن الله خلق العرش قبل خلق السماوات والأرض. فالعرش كان موجودًا في بداية الخلق كأول شيء مادي، ولكن ليس كأداة مادية محددة بمعناها المعاصر، بل كأمر من أمر الله الذي لا يمكننا تحديده بشكل مادي كامل.

في هذه النقطة، يتوجب علينا أن نتذكر أن الله تعالى خلق الكون وكل ما فيه وفق مشيئته وأمره، وأن خلق الزمان والمكان يعتبر أساسًا لوجود الكائنات وخلق العالم الذي نعيش فيه. الزمان والمكان، بهذا المعنى، هما إطاران ضروريان لترتيب الخلق وتنظيمه.

2. العرش: أول مخلوق مادي:

كما ورد في العديد من الأحاديث الشريفة، يُعتبر العرش أول شيء خلقه الله سبحانه وتعالى. في الحديث الصحيح، يُذكر أن الله تعالى خلق العرش فوق الماء، ثم بدأ بخلق السماوات والأرض بعد ذلك. حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض”. هذا الحديث يُظهر أن العرش كان المخلوق الأول الذي وجده الله تعالى في الكون قبل أن يبدأ في خلق السماوات والأرض، وهو أمر عظيم يعكس عظمة الله وقدرته في خلق المخلوقات من دون أن يحتاج إلى أي شيء مادي سابق.

3. خلق القلم:

في حديث آخر، يُذكر أن أول شيء خلقه الله بعد العرش هو “القلم”. حيث ورد في حديث قدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أمر القلم بكتابة كل ما سيحدث في الكون، وتُعد هذه الكتابة بمثابة القدر الذي سيحدث في المستقبل. وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، فجرى في ما هو كائن إلى يوم القيامة”. هذا الحديث يبين أن القلم كان له دور كبير في تدوين المقدرات التي لا يمكن للإنسان أن يغيرها أو يبدلها.

4. خلق السماوات والأرض:

بعد خلق العرش والقلم، قام الله تعالى بخلق السماوات والأرض، وخلق الكون الذي نعيش فيه. وهذه العملية من الخلق تمّت في ستة أيام كما جاء في القرآن الكريم: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ” (الحديد: 4).

يظهر في القرآن أن السماوات والأرض لم تكن موجودة قبل خلقها، بل كانت في حالة من العدم، ثم بدأ الله في خلقها وفقًا لما هو مرسوم. تختلف التفاسير حول المقصود بالستة أيام، فالبعض يرى أن هذه الأيام هي بمثابة مراحل زمنية أو مراحل من الخلق تتناسب مع ما أراده الله.

5. خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم:

في بعض الروايات التي ترد في كتب الحديث والتفسير، يُقال إن الله سبحانه وتعالى خلق نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخلق السماوات والأرض، وهذا النور كان مقدّرًا له أن يكون سببًا في هداية البشر إلى الصراط المستقيم. في حديث شريف ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا أولُ ما خلقَ اللهُ من النورِ”، مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول مخلوق نوراني خلقه الله تعالى.

6. الخلق المنظومي والنظام الكوني:

إن أول شيء خلقه الله تعالى سواء كان العرش أو القلم أو النور، يعكس بداية النظام الكوني الذي يتسم بالترتيب والتوازن. هذا الخلق لا يتم بطريقة عشوائية بل وفق قانون دقيق تحكمه مشيئة الله سبحانه وتعالى. في هذا السياق، نجد أن الله خلق هذا الكون بترتيب دقيق يشمل السماوات السبع، والأرضين، والشمس، والقمر، وكل ما يتعلق بها من فلك، وحركة، ومكونات حيوية.

إن هذا النظام الكوني الشامل يعكس عظمة الله وقدرته اللامحدودة في خلق كل شيء بأقصى درجات الدقة والتنظيم. في هذا الإطار، يمكننا أن نرى كيف أن كل مخلوق من مخلوقات الله له وظيفة معينة، وكل شيء في الكون مرتبط ارتباطًا وثيقًا بما قبله وبما بعده.

7. الإنسان: آخر المخلوقات:

أما بالنسبة للإنسان، فقد خلقه الله في مرحلة متأخرة بعد السماوات والأرض. وقد جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من طين ثم نفخ فيه من روحه، فكان الإنسان أول كائن بشري على الأرض. ورغم أن خلق الإنسان كان آخر مراحل الخلق، إلا أنه كان مخلوقًا مميزًا، فقد جعله الله تعالى خليفة في الأرض.

8. دروس من خلق الله تعالى:

عند التفكير في أول شيء خلقه الله تعالى، نجد أننا أمام درس عظيم في التقدير الإلهي، والذي يحمل في طياته العديد من العبر. أولها هو أن الخلق لم يكن عبثًا بل كان بعناية وترتيب إلهي دقيق. الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئًا عبثًا، بل كل شيء خلقه كان له غاية ومقصد. هذه الحقيقة تؤكد على الحكمة الربانية في كل جزء من الكون، سواء كان ماديًا أو معنويًا.

إن هذا الفهم يعطينا أيضًا درسًا في التواضع، حيث نتعلم أن الإنسان ليس إلا جزءًا صغيرًا من هذا الكون الواسع الذي ابتدأه الله بمخلوقاته العظيمة والمقدسة، وأنه لا يمكن لأحد أن يفهم تفاصيل هذا الخلق إلا من خلال الإيمان بقدرة الله وحكمته التي لا حصر لها.

في الختام، يُعتبر الحديث عن أول شيء خلقه الله من المواضيع التي تحمل الكثير من المعاني العميقة التي تحتاج إلى تدبر وتفكير. فمهما كانت التفاصيل الدقيقة التي يمكن أن نأخذها من هذه الأسئلة، يبقى الأهم هو الفهم العميق لخلق الله تعالى، ومدى حكمة هذا الخلق وقدرته التي لا تعد ولا تحصى.