أول ما يُحاسب عليه العبد

عنوان المقال: أول ما يُحاسب عليه العبد

مقدمة

يتعلق مصير الإنسان الأخروي ارتباطًا وثيقًا بما قدمت يداه في الدنيا، ولذلك فإن قضية الحساب تمثل أحد أركان الإيمان باليوم الآخر، والتي لا تكتمل عقيدة المسلم إلا بها. ويُعدّ الحساب يوم القيامة أحد أبرز المواقف التي تظهر فيها عدالة الله سبحانه وتعالى، وفيه يُجزي الله كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم. ومن أهم محطات هذا الحساب العظيم، ما بيّنه رسول الله ﷺ عن أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، وهو الصلاة. هذه الحقيقة الجليلة تستدعي تأملًا عميقًا حول أهمية الصلاة في ميزان الشريعة، ومكانتها في ترتيب الأعمال، وكونها المحور الأول الذي تُبنى عليه نجاة الإنسان في الآخرة أو هلاكه.

معنى الحساب في الإسلام

الحساب هو مراجعة ما قام به الإنسان من أعمال في حياته الدنيا من قول وفعل واعتقاد، وهو المرحلة التي تعقب البعث والنشور. وفيه تُعرض الأعمال على الله تعالى، ويُسأل الإنسان عن تفاصيل حياته، وما فعل في نعم الله، وكيف قضى عمره، وما قدّم لدينه، وهل أدى الحقوق والواجبات التي كلّفه الله بها.

وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العديد من النصوص التي تصف هذا اليوم وتفاصيله وأحداثه. قال الله تعالى:

﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [الأنبياء: 47]،

وقال تعالى:

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿7﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8].

أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة

ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال:

“أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله” [رواه الطبراني وغيره بإسناد حسن].

هذا الحديث العظيم يوضح بشكل قاطع أن الصلاة هي الركيزة الأولى في الحساب، وهي المعيار الذي تُقاس به باقي الأعمال. فإذا وُجدت الصلاة صحيحة، منتظمة، خاشعة، ومستوفية لشروطها، كانت بمثابة بوابة العبور إلى ما بعدها من الأعمال. أما إن وُجد فيها الخلل، فكان ذلك مؤشرًا خطرًا على بقية الأعمال.

لماذا كانت الصلاة أول ما يُحاسب عليه العبد؟

1. لأنها عمود الدين:
   
   الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد شبّهها النبي ﷺ بعمود الخيمة، فإذا انكسر العمود سقطت الخيمة كلها.

2. لأنها عبادة متكررة يوميًا:
   
   بخلاف الحج والزكاة والصيام، فإن الصلاة مفروضة خمس مرات في اليوم والليلة، مما يجعلها أكثر الأعمال اتصالًا بين العبد وربه.

3. لأنها تمثل معيار العلاقة بين العبد وربه:
   
   الصلاة هي الصلة المباشرة بين العبد وربه، وهي تعبير يومي عن خضوع الإنسان لله، فإذا انقطع عن هذه العبادة، كان ذلك دليلاً على ضعف إيمانه.

4. لأنها تضبط سلوك الإنسان:
   
   قال الله تعالى:
   
   ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]، فهي ليست مجرد طقوس، بل سلوك يقوّم سلوك الإنسان ويمنعه من الانحراف.

أهمية الصلاة في حياة المسلم

تُعدّ الصلاة محطّ أنظار جميع الملائكة المراقبة لأعمال الإنسان، وهي عنوان هوية المؤمن الحقيقي. ومن آثارها المباركة:

• راحة نفسية عظيمة، فالصلاة تُفرغ النفس من الهموم وتربطها بعالم الملكوت الأعلى.

• تقوية الإرادة، فالمحافظة على الصلاة تدرب النفس على الالتزام والانضباط.

• محو الذنوب، كما جاء في الحديث:
  
  “أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا” [رواه البخاري].

ترتيب الحساب يوم القيامة: عرض لأبرز المراحل

من يُحاسب أولًا من الناس؟

ورد في بعض الأحاديث أن أول من يُقضى بينهم يوم القيامة هم ثلاثة:

1. رجلٌ استُشهد في سبيل الله، لكنه فعل ذلك رياءً.

2. رجلٌ تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، لكنه فعل ذلك ليُقال عالم.

3. رجلٌ تصدق بمال كثير، لكنه أنفقه ليُقال جواد.

ويُسحب هؤلاء إلى النار رغم عظمة أعمالهم الظاهرة، لأن نيتهم لم تكن خالصة لله، مما يؤكد أن الإخلاص في العمل شرط لصحة القبول.

ماذا بعد الصلاة؟

بعد الصلاة، يُحاسب العبد على سائر أعماله، بدءًا من المعاملات المالية، وبر الوالدين، وحقوق العباد، وصدق الحديث، والأمانة، وصلة الرحم، وغيرها. كما ورد أن الإنسان يُسأل عن أربعة أشياء كما في الحديث:

“لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه” [رواه الترمذي].

مصير من ضيع الصلاة

قال الله تعالى في سورة مريم:

﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59]

وقد فسّر كثير من المفسرين “غيًّا” بأنه وادٍ في جهنم، بعيد القعر، شديد الحر.

وتوعد الله تعالى من يسهون عن صلاتهم بقوله:

﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ﴿4﴾ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4-5].

أثر المحافظة على الصلاة في النجاة

الصلاة إذا كانت تامة، كانت كافية في حفظ دين المرء، وكانت كفارةً لما دونها من الذنوب، وقد جعل الله لها أجرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة. ومن ذلك:

• أنها نور يوم القيامة:
  
  قال ﷺ:
  
  “الصلاة نور” [رواه مسلم]
  
  أي تنير وجه صاحبها وتنير له قبره وصراطه.

• أنها سبب لورود الحوض وشرب الماء من يد النبي ﷺ.

• أنها من أعظم أسباب شفاعة النبي ﷺ لمن حافظ عليها.

شروط قبول الصلاة

لا بدّ من استيفاء شروط معينة لصحة الصلاة، منها:

1. الإخلاص لله وحده

2. الطهارة من الحدث والخبث

3. ستر العورة

4. استقبال القبلة

5. دخول الوقت

6. النية

7. الخشوع وعدم العبث أثناء الصلاة

فإذا تحققت هذه الشروط، كانت الصلاة صحيحة مقبولة بإذن الله، وكانت أول خطوة على طريق النجاة.

خلاصة مكانة الصلاة في الإسلام

الصلاة ليست مجرد عبادة بل هي معيار الإيمان وبوابة الحساب وسبب النجاة وعمود الدين. إنها الفرض الذي لا يسقط بحال من الأحوال، وتبقى ملازمة للعبد حتى آخر أنفاسه. وكل تقصير فيها قد ينعكس على مصير الإنسان الأبدي.

وإذا كانت الصلاة هي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن الحرص عليها في الحياة الدنيا لا يعني فقط أداؤها بشكل آلي، بل أداؤها بخشوع وصدق وإحسان، فهي أول ما يسأل عنه العبد، وأول ما يُنظر فيه في صحيفته، فإذا وُجد فيها خير، رُجي له الخير، وإذا وُجد فيها خلل، كان ذلك علامة على الخطر.

المراجع:

1. صحيح البخاري، كتاب الصلاة.

2. تفسير ابن كثير للآيات المتعلقة بالحساب.