أول خلق الله: النور

أول شيء خلقه الله تعالى

إن الحديث عن أول شيء خلقه الله تعالى هو حديث يفتح لنا أبوابًا من التدبر والتأمل في عظمة الخالق وابداعه في الكون. ففي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة نجد إشارات وبيانات تتعلق بمراحل الخلق، وكيف بدأ الكون، وما هو أول شيء خلقه الله تعالى. تختلف بعض الآراء حول هذا الموضوع، لكن العلماء والمفسرين يجمعون على أن أول ما خلقه الله تعالى هو النور، وهو ما ورد في العديد من الأقوال المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين.

الخلق الأول: النور

وفقًا للحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، “أول ما خلق الله تعالى من خلقه النور”. وقد ورد في بعض الروايات الأخرى أيضًا أن الله تعالى خلق النور أولاً، ثم خلق منه الأشياء الأخرى. ففي حديث صحيح، يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق من نوره “عرشه” وأمورًا أخرى تتعلق بمخلوقاته. في هذا السياق، يمكننا تصور النور على أنه ليس مجرد شعاع ضوء، بل مبدأ أولي أساسي، يستمد منه الكون جميع صوره وألوانه وأبعاده.

تفسير النور في الفكر الإسلامي

إن النور في الثقافة الإسلامية يحمل معاني عميقة وروحية، إذ لا يقتصر على الضوء المادي الذي نراه بأعيننا، بل يمتد ليشمل المعنى الرمزي الذي يعبر عن الهداية والحق والوجود نفسه. يُنظر إلى النور باعتباره مصدر كل شيء حي، فهو رمز للعلم والحكمة والتوجيه الإلهي. ولذلك، عندما نقول إن أول ما خلقه الله هو النور، فإننا لا نتحدث عن مجرد ضوء مادي، بل عن بداية الكون في أبهى صورة من الوجود الذي يتسم بالسمو والروحانية.

يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: “إن الله تعالى أول خلقه النور، ثم خلق منه كل شيء آخر”، وهذا يشير إلى عظمة النور وأثره في تشكيل جميع الكائنات والمخلوقات من حولنا.

خلق العرش قبل خلق السماوات

بعد خلق النور، يذكر في بعض الروايات التي وردت عن الصحابة وأئمة الحديث أن الله تعالى خلق العرش، وهو الكائن الذي يظل في مرتبة عالية تفوق جميع المخلوقات الأخرى. وكان العرش قبل السماوات والأرض، وما كان للكون أن يُخلق من دون وجود العرش. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض”. وبالتالي، نرى أن العرش كان هو المكان الأول الذي استقر فيه النور الإلهي.

مراحل الخلق بعد النور

من النور الذي خلقه الله، تتوالى بعدها مراحل الخلق الأخرى وفقًا لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. بعد أن خلق الله تعالى النور، بدأ في خلق السماء والأرض. ففي بداية الأمر، كان الكون عبارة عن “ماء”، ثم بدأ الله تعالى بخلق السماوات والأرض. وورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق السماء قبل الأرض، ثم خلق الأرض بعدها.

القرآن الكريم يقول في سورة فصلت: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَارِفًا إِذَا رَبَّكُمْ فَجَعَلَ الرَّحْمَٰنُ عَرْشَةً…”، وهذه الآية تشير إلى مكان العرش الذي هو أساس الخلق، ومنه كانت بداية ظهور الكون وتوزيع النور.

العلاقة بين النور والوجود

إن النور لا يُعتبر مجرد ضوء في الفكر الإسلامي، بل هو معبر عن الحقيقة الإلهية التي تجلت في أول خلق الله. فمن خلال النور، تم انتقال الخلق من العدم إلى الوجود. ولعل ذلك يفسر أيضًا سبب الإشارة في القرآن الكريم إلى النور كرمز للهداية والمعرفة، ففي قوله تعالى: “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” (البقرة: 257).

إن النور يرتبط أيضًا بمفهوم الإشراق المعنوي الذي يرافق الوحي والإلهام، وهو ما يجعل هذه الفكرة تضفي على الخلق معنى عميقًا. فمن النور بدأ التكوين الكوني، ومنه أيضًا بدأت الهداية الإلهية التي يرشد بها الله عباده نحو الطريق المستقيم.

النور في القرآن والسنة

على الرغم من أن النور كان أول شيء خلقه الله تعالى، إلا أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد كرَّما النور وبيَّنا كيفية ارتباطه بالعالم المادي والمعنوي. فقد ذكر القرآن الكريم النور في العديد من المواضع، أبرزها قوله تعالى: “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” (النور: 35)، حيث يشير إلى عظمة الله تعالى التي لا تضاهي أي شيء آخر، فهو النور الذي يضيء السماوات والأرض.

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه قد بيَّن كيف أن النور من الله تعالى هو رمز للهداية التي يُرسلها للأنبياء والرسل، ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ليكون الطريق واضحًا أمامهم في الدنيا والآخرة.

الخاتمة

إن الحديث عن أول شيء خلقه الله تعالى يعيدنا إلى أساسيات الإيمان بالله وقدرته على خلق الكون وتوجيهه. خلق النور كان بداية الوجود، وكان سببًا في استمرار الحياة وبداية خلق المخلوقات الأخرى. وبالنظر إلى النور في الفكر الإسلامي، نجد أن هذه الفكرة تتجاوز الفهم المادي للضوء لتصل إلى معاني أسمى وأعمق ترتبط بالوجود الإلهي، والهداية، والمعرفة التي لا غنى للإنسان عنها.