أول حيوان خلقه الله

أول مخلوق حي خلقه الله

إن الحديث عن أول حيوان خلقه الله يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الخلق الأول في العقيدة الإسلامية وفي التصورات الدينية المختلفة، كما يتقاطع مع النظريات الفلسفية والكونية حول نشأة الحياة والمخلوقات. غير أن هذا الموضوع لا يمكن تناوله من منظور علمي تجريبي بحت، بل يتداخل فيه العقائدي مع الغيبي، والتاريخي مع الميتافيزيقي، وهو ما يتطلب عرضاً شاملاً يغوص في العمق الديني، ويراعي ما ورد في النصوص الشرعية والموروثات الثقافية، إضافة إلى ما أوردته بعض الرؤى التأملية في فلسفة الخلق.

الخلق الأول وفق العقيدة الإسلامية

في العقيدة الإسلامية، خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء بقدر، وكان أول ما خلقه الله من المخلوقات هو القلم، كما ورد في الحديث الصحيح:

«إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة» [رواه الترمذي وأحمد].

غير أن القلم ليس من الكائنات الحية أو الحيوانية، وإنما هو من مخلوقات الغيب التي ليس لها توصيف مادي أو بيولوجي. لذلك، عندما يُطرح السؤال عن أول حيوان خلقه الله، فإن المقصود به هو أول مخلوق حي متحرك من عالم الأحياء، وهنا يتوجه النظر إلى فئة الملائكة والجن والحيوانات المادية.

المفهوم اللغوي لـ “الحيوان”

الحيوان لغة هو كل ما فيه روح ويتحرك، لذلك يشمل الإنسان والجن والبهائم. ووفقاً للمنظور البيولوجي، فإن الحيوان هو كائن حي يتميز بالحركة الإرادية والتغذية والنمو والتكاثر والتنفس، ويفتقر إلى البناء الخلوي النباتي مثل الجدار الخلوي والكلوروفيل.

من هذا المنظور، يكون الحيوان كائناً متميزاً عن النباتات والفطريات والكائنات الدقيقة.

روايات دينية حول أول حيوان مخلوق

وردت بعض الآثار والروايات – بعضها ضعيف وبعضها لا سند له – تشير إلى أن الحنّ والبنّ كانوا أول المخلوقات من فصيلة الكائنات الحية على وجه الأرض قبل خلق الجن والإنس. وهؤلاء أقوام ليسوا من البشر ولا من الجن، يقال إنهم عاشوا على الأرض وفسدوا فيها، فأبادهم الله.

أما من حيث الحيوانات الفعلية التي نعرفها، فقد ورد في بعض الأقوال أن الحوت هو أول حيوان خلقه الله. وقد ورد في تفسير قوله تعالى:

﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: 7]

روايات تقول إن الله خلق الماء أولاً، ثم خلق فوقه العرش، وجعل تحته الحوت الذي يحمل الأرض، وهو ما يُعرف في بعض الروايات بـ “نُون”، أي الحوت العظيم.

الحوت نون في التصور الإسلامي

ذكر ابن كثير في تفسيره، والطبري وغيرهم، أن أول مخلوق من الكائنات الحية – وفقاً لبعض أقوال أهل العلم – هو الحوت الذي يسمى “نون”، وهو الذي يحمل الأرض.

وورد في بعض الآثار أن الله خلق هذا الحوت أولاً، وجعل عليه الأرض، ثم كان ما بعده من خلق الملائكة والجن والبشر.

غير أن هذه الروايات محل خلاف بين العلماء من حيث التوثيق، وهي أقرب إلى المرويات الإسرائيلية منها إلى الأحاديث النبوية الصحيحة. ولكنها تبقى ضمن التراث الإسلامي والقصصي الذي ورد عن السلف، وقد قبل بعضهم الاستشهاد بها ما لم تعارض نصاً شرعياً.

الحوت في المرويات الإسلامية

في الأحاديث النبوية وبعض التفاسير، ورد ذكر الحوت في سياقات متعددة، أشهرها قصة نبي الله يونس عليه السلام، الذي ابتلعه الحوت وهو في البحر ثم ألقاه الله في العراء وهو سقيم. هذه الحادثة ترسّخ فكرة أن الحوت من أقدم الكائنات البحرية الضخمة، ويُضرب به المثل في القوة والهيبة.

لكن لا توجد رواية صحيحة من النبي صلى الله عليه وسلم تحدد بشكل قطعي أن الحوت هو أول حيوان خلقه الله، وإنما ورد ذلك من أقوال بعض التابعين والمفسرين، كوهب بن منبه وكعب الأحبار، وقد تكون مأخوذة من روايات أهل الكتاب.

مقارنة مع نظريات الخلق في الثقافات الأخرى

في بعض الميثولوجيات الشرقية والغربية القديمة، نجد أن مفهوم الحوت أو المخلوق البحري الضخم الذي يحمل الأرض شائع جداً. ففي الميثولوجيا الهندوسية، يقال إن العالم مستقر على سلحفاة عظيمة تسبح في محيط لا نهائي. أما في الأساطير الإغريقية، فهناك كائنات بحرية عظيمة تدور حول العالم وتحفظ توازنه.

وهذا التشابه بين الثقافات في اعتبار أن الكائن البحري – وخاصة الحوت – هو الأساس في خلق الحياة أو حامل الأرض، قد يدل على جذور نفسية وفلسفية عميقة في وجدان البشر حول ضخامة المحيط وقدم الماء في الزمن.

التكوين العضوي للحيوانات الأولى

من الناحية العلمية، فإن أولى أشكال الحياة الحيوانية التي ظهرت على الأرض – وفقاً لنظرية التطور – تعود إلى كائنات دقيقة ظهرت في المحيطات منذ ما يزيد عن 600 مليون سنة. وتعرف هذه الكائنات باسم الإسفنجيات والهلاميات، وهي بسيطة جداً، لا تمتلك جهازاً عصبياً ولا دماغاً، ولكنها مصنفة ضمن مملكة الحيوانات بسبب قدرتها على التغذي، والحركة الطفيفة، وتبادل المواد.

وفي العصر الكامبري، الذي بدأ قبل نحو 540 مليون سنة، ظهرت أولى الحيوانات المعقدة، منها الديدان والمفصليات. وهذه الكائنات تمثل البداية البيولوجية للحياة الحيوانية على كوكب الأرض، بحسب الدراسات العلمية الحديثة.

الجدول التالي يلخص بعض الآراء حول أول حيوان خلقه الله

خلاصة تركيبية

من منظور العقيدة الإسلامية، لا يوجد نص صريح قطعي الثبوت والدلالة يحدد أول حيوان خلقه الله على وجه التحديد، غير أن بعض الروايات القديمة تشير إلى الحوت “نون” الذي يحمل الأرض. وهي روايات ليست من قبيل الحديث الصحيح، ولكنها متداولة في كتب التفسير والسير.

أما من الناحية البيولوجية، فإن أول الكائنات الحيوانية التي ظهرت على الأرض كانت من الكائنات البسيطة التي عاشت في البحار منذ مئات الملايين من السنين، وتمثل بداية ظهور الحياة العضوية القادرة على التحرك والغذاء، وهو ما يتفق مع النظرية العلمية للتطور.

بين الطرح الغيبي والطرح العلمي، تظل مسألة “أول حيوان خلقه الله” سؤالاً يتجاوز حدود التجربة المادية، ويدخل في نطاق العقيدة والفلسفة والتصور الكوني حول أصل الحياة والوجود.

المراجع:

1. ابن كثير، البداية والنهاية، الجزء الأول، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، القاهرة.

2. Harun Yahya, The Creation of the Universe, Goodword Books, 2002.