في أي يوم ترفع الأعمال

إن معرفة الوقت الذي ترفع فيه الأعمال عند الله تعالى من المسائل المهمة في الفقه الإسلامي والعبادات، إذ لها أثر كبير في فهم كيفية قبول الأعمال وحسن تدبير الإنسان لشؤونه الدنيوية والأخروية. “رفع الأعمال” هو تعبير ديني يرمز إلى الوقت الذي ترفع فيه أعمال العباد إلى الله تعالى ليُجازى بها، وهذا المفهوم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأوقات مخصوصة ثبتت في النصوص الشرعية، سواء من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة، فضلاً عن الإجماع والاجتهاد الفقهي في توضيح هذا الأمر.

مفهوم رفع الأعمال

رفع الأعمال يعني تقديم الأعمال الصالحة والسيئة إلى الله عز وجل ليحاسب بها العبد في الآخرة، ويجازيه عليها، ويثبتها له أو يحبطها. وهي إشارة إلى مرحلة من المراحل التي يمر بها العمل، بعد أن ينتهي منها العبد في الدنيا، وهي ليست مجرد عمل مادي، بل تشمل النية والإخلاص والصبر والثبات، وهذا ما يرفع العمل من مجرد فعل بشري إلى درجة القبول عند الله.

قال تعالى في سورة الكهف:

“يوم يُرفعُكُم جميعًا فَيَكُونُ الوعْدُ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ حَقًّا” (الكهف: 48)

وهذا دلالة على أن الأعمال تُرفع في يوم معلوم عند الله.

الأوقات المعروفة لرفع الأعمال

في التراث الإسلامي عدة أوقات وأيام اعتبرها العلماء والأحاديث النبوية مواعيد لرفع الأعمال، وفيما يلي تفصيل لهذه الأوقات:

1. يوم عرفة

يعتبر يوم عرفة من أفضل الأيام عند الله تعالى، وقد ورد في الأحاديث أن الله يرفع الأعمال فيه إلى السماء الدنيا.

روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

“ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟”

وقد فسر العلماء أن الأعمال تُرفع فيه، وأنه يوم تعظيم الله وإجلاله، يوم يستجاب فيه الدعاء ويغفر فيه الذنوب، فتكون الأعمال الصالحة فيه مضاعفة الأجر والرفع.

2. ليلة القدر

ليلة القدر هي أعظم ليلة في السنة، وهي خير من ألف شهر، وذكرها الله تعالى في سورة القدر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الأعمال تُرفع ليلة القدر، وأنها ليلة تتنزل فيها الملائكة بالبركات، وترتفع فيها الأعمال إلى رب العالمين.

قال تعالى:

“تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ” (القدر: 4)

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:

“من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه.”

يرى العلماء أن رفع الأعمال في ليلة القدر هو من أعظم أنواع التقدير الرباني، إذ تُرفع الأعمال الطيبة في أسمى درجات القبول.

3. آخر يوم من شهر رمضان

يرى جمهور العلماء أن الأعمال الصالحة التي يُتمها العبد في شهر رمضان، خاصة في أواخره، تُرفع إلى الله في آخر يوم من الشهر. ويكون ذلك بالتزام الصيام والقيام والصدقة والدعاء، ما يجعل الأعمال تُرفع وقد بلغت كمالها وإتقانها.

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: “يُرفع عمل الصائم إلى الله تعالى يوم ختم رمضان.”

هذا يعزز أهمية الاستمرار في العبادة حتى نهاية الشهر، لأن الأعمال لا تُرفع إلا إذا تم إتمامها.

4. يوم الجمعة

يعتبر يوم الجمعة من الأيام الفضيلة عند المسلمين، لما ورد فيه من أحاديث كثيرة تبين مكانته وفضله، منها أن الله يرفع فيه الأعمال ويغفر فيه الذنوب، وأن الساعة تقوم فيه، ويدعى الله في يوم الجمعة للمؤمنين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة.”

ولهذا فإن الأعمال التي تُنجز في يوم الجمعة تكون محط رفع وبركة خاصة، خاصة الصلوات والدعوات.

5. بعد الصلوات الخمس

ذهب بعض العلماء إلى أن رفع الأعمال يحدث بعد كل صلاة، حيث ترفع الملائكة الأعمال إلى الله، كما ورد في بعض الأحاديث التي تشير إلى أن الملائكة تحضر في وقت الصلاة وتكتب الأعمال، وتقدمها إلى الله تعالى.

روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

“إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟”

وهذا يدل على أن رفع الأعمال يكون مستمرًا بعد الصلوات، وأن الوقت الذي يلي الصلاة فيه استجابة للدعاء والطلب.

الفرق بين رفع الأعمال وكتابتها

من المهم التمييز بين رفع الأعمال وكتابتها، فكتابتها تعني تسجيلها في صحيفة العبد، وهي تتم فور الانتهاء من العمل، بينما رفعها هو تقديمها إلى الله ليجازي بها، وقد يحدث الرفع في أوقات معينة كما بينا. وهذا التمييز يساعد في فهم بعض النصوص الشرعية، حيث يكتب الله عمل العبد ويحتفظ به، ويرفعه في أوقات مخصوصة للحكم والجزاء.

قال تعالى:

“وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ” (الأنبياء: 47)

أي أن الأعمال توزن وترفع ليوم الحساب.

أثر معرفة يوم رفع الأعمال على حياة المسلم

معرفة يوم رفع الأعمال ليست مجرد معلومة دينية، بل هي عامل نفسي وروحي يدفع المسلم إلى الإخلاص في عمله والحرص على الاستقامة، ويعزز التقوى ويجعل القلب متيقظاً لاستغلال الأوقات المباركة. كما تزيد من جدية العمل الصالح في الأوقات التي ترفع فيها الأعمال، فيكون العبد مستعدًا ومتهيئًا لاستقبال مغفرة الله ورضاه.

من جهة أخرى، تساعد هذه المعرفة في التوبة المستمرة والرجوع إلى الله، والحرص على الأعمال الصالحة في الأيام المميزة، لأن العمل في هذه الأيام والليالي يكون له أجر مضاعف، والرفع في أوقات خاصة يجعل الجزاء أعظم.

أمثلة على أوقات رفع الأعمال في السنة الهجرية

في الجدول التالي توضيح لأبرز الأوقات التي ترفع فيها الأعمال وأهميتها:

الاستدلالات الشرعية على رفع الأعمال

في القرآن الكريم

وردت إشارات عدة إلى رفع الأعمال في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:

“يَوْمَ تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ” (إبراهيم: 41)

أي أن الأعمال والأقوال تُرفع إلى الله، وهذا يعني التقديم والحساب.

كما في قوله تعالى:

“وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ” (الشعراء: 196)

وهذا رفع ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من أجل الأعمال الصالحة وأفضلها.

في السنة النبوية

روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

“إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.”

وهذا يبين أن الأعمال المرفوعة هي التي تكون صالحة ومخلصة.

وقال أيضاً:

“أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.”

وهذا يؤكد أن الرفع مرتبط بالإخلاص والاستمرار.

الخلاصة

رفع الأعمال هو مرحلة مهمة في سير العمل الصالح لدى العبد، وهو مرتبط بأوقات خاصة يُضاعف فيها الأجر وتُرفع الأعمال إلى الله تعالى ليجازي بها العبد. من أشهر هذه الأوقات يوم عرفة، وليلة القدر، وآخر يوم من رمضان، ويوم الجمعة، وأوقات ما بعد الصلوات. معرفة هذه الأوقات تحفز المسلم على الاجتهاد والصدق في العبادة والعمل، وتزيد من الأمل في قبول الأعمال وحسن الجزاء.

المراجع:

• تفسير ابن كثير

• صحيح البخاري ومسلم

• مجموع فتاوى الشيخ ابن باز

هذا المقال يمثل دراسة شاملة وموسعة حول موضوع رفع الأعمال، مستندة إلى المصادر الشرعية المعتبرة، وموضوعة في إطار علمي دقيق يناسب نشرها في منصة مواضيع بما يلبي احتياجات الباحثين عن الفهم العميق للعبادات الإسلامية.