أورسون وِلِز وفيلم غير مكتمل

فيلم “سوف يحبونني عندما أموت” (They’ll Love Me When I’m Dead): نظرة عميقة على آخر أعمال أورسون وِلِز

مقدمة:
في عالم السينما، يظل أورسون وِلِز واحداً من أعظم المخرجين وأكثرهم تأثيراً في تاريخ الفن السابع. رغم مسيرته الفنية الطويلة والمليئة بالإبداع والابتكار، فإن آخر أعماله السينمائية كانت محاطة بالغموض والتعقيدات. فيلم “سوف يحبونني عندما أموت” (They’ll Love Me When I’m Dead)، الذي أخرجه مورغان نيفيل، يستعرض قصة خلق فيلم أورسون وِلِز الأخير، “الجانب الآخر من الريح” (The Other Side of the Wind)، وهو عمل غير مكتمل ظل لغزاً لعقود قبل أن يُكتشف ويُعرض أخيراً. يقدم هذا الوثائقي لمحة عميقة عن المشهد السينمائي الذي كان فيه وِلِز في تلك الفترة، ويكشف الكثير من التفاصيل حول المعركة التي خاضها لإكمال فيلمه الذي ظل محاطاً بمشاكل التمويل، وصراعات الإنتاج، وصعوبة الرؤية الفنية.

ملامح الوثائقي:

الفيلم الوثائقي “سوف يحبونني عندما أموت” يعرض حكايةً فريدة تُسرد من خلال مقابلات مع الممثلين، والطاقم الفني، والأشخاص الذين كانوا حاضرين أثناء عملية إنتاج “الجانب الآخر من الريح”. يستعرض الوثائقي الصعوبات التي واجهها وِلِز أثناء محاولاته لإنجاز الفيلم، وكيف أصبح هذا العمل الختامي بالنسبة له بمثابة معركة شخصية ومهنية في آنٍ واحد. يدير مورغان نيفيل العمل بطريقة توازن بين الأرشيف التاريخي والتعليقات الشخصية، مما يتيح للمشاهدين فرصة التعرف على وِلِز ليس فقط كمبدع سينمائي، ولكن كشخص يعاني من تحديات عديدة.

رحلة “الجانب الآخر من الريح” وطموحات وِلِز:

“الجانب الآخر من الريح” كان حلم أورسون وِلِز الذي عمل عليه لعدة سنوات، لكنه بقي غير مكتمل لعدة عقود بسبب مشاكل مالية وقانونية. كان وِلِز يسعى من خلال هذا الفيلم إلى تقديم رؤية جديدة للسينما، محاولاً الابتعاد عن الأساليب التقليدية والسائدة في صناعة الأفلام. ولكنه، بسبب الصعوبات التي واجهها، لم يتمكن من إتمامه قبل وفاته في عام 1985. في الوثائقي، نرى كيف أن “سوف يحبونني عندما أموت” يستعرض لحظات حاسمة في حياة وِلِز الإبداعية، ويمنحنا فرصة لفهم العلاقة المعقدة بين فنه وحياته الشخصية.

الكشف عن الشخصيات: أورسون وِلِز وآلان كامينغ

يُعتبر حضور أورسون وِلِز في الوثائقي من خلال لقطات أرشيفية شاهدة على سنواته الأخيرة وحواراته المتعلقة بمشروعه الذي لم يكتمل. ومع ذلك، فإن شخصية آلان كامينغ تضيف بعدًا آخر للعمل، حيث يشارك كامينغ في الحديث عن تجربته الشخصية مع وِلِز وتأثيره عليه. يقدم آلان كامينغ لمحة عن التحديات التي كانت ترافق العمل مع شخص مثل وِلِز، ويكشف عن بعض الجوانب الإنسانية المجهولة من شخصية هذا المبدع الأسطوري.

أهمية الوثائقي في عصرنا الحالي:

“سوف يحبونني عندما أموت” ليس مجرد فيلم وثائقي عن شخصية سينمائية مشهورة، بل هو دراسة في الإبداع، الفشل، والتحدي. في عصر يعجّ بتقنيات السينما الحديثة والأنماط المبتكرة، يمكن لهذا الوثائقي أن يُذكّرنا بأن الفن لا يتوقف عند حدود النجاح التجاري أو الجمالي. يسلط الوثائقي الضوء على ضرورة التحدي المستمر وتجاوز الحدود التقليدية، وهي رسالة مهمة في سياق الفن السينمائي اليوم.

استعراض فيلم “الجانب الآخر من الريح”:

الفيلم الذي كان مشروع وِلِز الأخير في الحياة، يُعد بمثابة بحث في فن السينما. يتم تصوير القصة في إطار يشبه السيرة الذاتية، ويتبع قصة مخرج هوليوودي كبير أثناء تصوير فيلمه الأخير. تم عرض أجزاء من هذا الفيلم، الذي تم إتمامه أخيرًا بعد وفاة وِلِز، في الوثائقي “سوف يحبونني عندما أموت”، مما يتيح للمشاهدين فرصة لمشاهدة جزء من هذا العمل الذي كان سيغير قواعد السينما.

الجانب الفني والتقني:

أحد الجوانب المثيرة في “سوف يحبونني عندما أموت” هو العرض التفصيلي للجانب التقني من إنتاج فيلم “الجانب الآخر من الريح”. يشرح الوثائقي كيفية استخدام وِلِز لتقنيات السينما الحديثة في السبعينات، مثل استخدام الكاميرات المحمولة والإضاءة المبتكرة، بالإضافة إلى الطريقة التي حاول بها كسر الأنماط التقليدية في سرد القصص. كما يعرض الوثائقي التحديات التي واجهها الفريق الفني والتقني أثناء محاولة نقل رؤيته إلى الشاشة.

تأثير الوثائقي على فهم وِلِز كمبدع:

“سوف يحبونني عندما أموت” لا يعرض فقط معركة وِلِز الفنية مع “الجانب الآخر من الريح”، بل يُعيد تقديمه كمبدع لم يُفهم بالكامل في زمانه. كان وِلِز في كثير من الأحيان يعتبر “غريباً” في صناعة السينما، حيث كان يتحدى الأنماط السائدة ويلجأ إلى أساليب مبتكرة تجعله بعيداً عن التيارات التجارية السائدة. يمكن للوثائقي أن يُساعد في إعادة تقييم إرث وِلِز وفهمه بشكل أعمق، مع الأخذ في الاعتبار معركته المستمرة مع الرقابة، والمال، وإرادته الفنية.

الاستقبال والتقييم:

تم عرض فيلم “سوف يحبونني عندما أموت” في العديد من المهرجانات السينمائية، وحصل على تقييمات إيجابية من النقاد والجماهير على حد سواء. استحسنت العديد من المراجعات تقديم الوثائقي كأسلوب سردي متوازن، مع التركيز على الجوانب الإنسانية والمهنية لشخصية وِلِز. ورغم أن الوثائقي يعكس بوضوح الجوانب المظلمة من عملية إنتاج الفيلم، إلا أنه يبرز أيضاً الإبداع الهائل الذي كان يتمتع به وِلِز كمخرج فني.

الخاتمة:

إن فيلم “سوف يحبونني عندما أموت” هو بمثابة إحياء لروح أورسون وِلِز، وكذلك لحلمه الذي لم يكتمل. هو وثائقي يكشف عن أحد أعظم المبدعين في تاريخ السينما ويقدم للقادة الجدد في مجال الفن السابع نموذجاً للتمرد الإبداعي والمثابرة على الوصول إلى الكمال الفني، حتى لو كانت الظروف غير مواتية. يتيح الوثائقي للمشاهدين فرصة للغوص في عقل أورسون وِلِز ورؤيته للسينما، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الجهود الشاقة التي بذلها لإكمال فيلمه الأكثر طموحًا.