أهم إنجازات سعد زغلول

سعد زغلول: رائد الحركة الوطنية المصرية وأحد أبرز زعماء النهضة السياسية

يُعد سعد زغلول من أعظم الشخصيات السياسية في تاريخ مصر الحديث، إذ لعب دوراً محورياً في قيادة الحركة الوطنية التي مهدت الطريق لنيل مصر استقلالها. لم يكن سعد زغلول مجرد سياسي، بل كان رمزاً للكرامة الوطنية والإصرار على التحرر من الاحتلال البريطاني. استطاع أن يجمع بين الفكر الوطني العميق والقدرة التنظيمية الفذة، مما جعله شخصية محورية في النضال من أجل الحقوق والحريات. في هذا المقال سيتم استعراض أهم أعمال سعد زغلول ومسيرته الحافلة التي شكلت معالم تاريخ مصر السياسي في القرن العشرين.

النشأة والتعليم والبداية السياسية

ولد سعد باشا زغلول في عام 1859 في قرية بسيون بمحافظة الغربية، وتلقى تعليمه في الأزهر الشريف، ثم درس القانون في مصر. بدأ حياته المهنية كمعلم وموظف قضائي، لكنه لم يلبث أن انخرط في الحياة السياسية بحماس شديد. انضم إلى حزب الوفد المصري الذي أسسه عام 1919، والذي كان أحد الأدوات الرئيسية في مقاومة الاحتلال البريطاني.

منذ البداية، اتسم سعد زغلول بحنكة سياسية وفهم عميق لقضايا وطنه، فقد كان يرى أن الاستقلال الوطني هو الطريق الوحيد لتقدم مصر ونهضتها، وكان مقتنعاً بضرورة العمل الدبلوماسي والسياسي إلى جانب النشاط الشعبي.

1. تأسيس حزب الوفد المصري

يُعد تأسيس حزب الوفد عام 1919 من أبرز إنجازات سعد زغلول السياسية. كان الحزب بمثابة المظلة السياسية التي جمعت أطيافاً واسعة من الوطنيين المصريين، من مثقفين، ورجال أعمال، وفلاحين، وحتى الطبقة الوسطى. استهدف الحزب تحقيق استقلال مصر الكامل عن الاحتلال البريطاني، وكان يعتمد على تنظيم القواعد الشعبية وتنشيط الحياة السياسية الوطنية.

قاد حزب الوفد حملات واسعة للمطالبة بالاستقلال، ونظم مظاهرات ومسيرات سلمية جمعت ملايين المصريين، مما أظهر مدى التأييد الشعبي الواسع لهذا التوجه الوطني.

2. ثورة 1919 ودور سعد زغلول فيها

تُعتبر ثورة 1919 من أهم المحطات التي صنع فيها سعد زغلول التاريخ المصري الحديث. إذ قاد مع رفاقه من حزب الوفد حركة احتجاجية ضخمة ضد الاحتلال البريطاني بعد نفيه إلى مالطا عام 1919. كانت هذه الثورة بمثابة انطلاق قوي للحركة الوطنية التي اتسعت لتشمل جميع فئات المجتمع المصري، من رجال ونساء، فلاحين وعمال، وحتى المثقفين.

كانت الثورة تتسم بطابع وطني شعبي واسع، حيث انتشرت في كافة أنحاء مصر، ونجحت في جذب الانتباه الدولي لقضية مصر، مما دفع بريطانيا إلى إعادة النظر في سياستها تجاه مصر. كانت حركة سعد زغلول خلالها محورية، فهو الذي تمكن من التعبير عن طموحات الشعب المصري بشكل واضح وجلي، وظهر كرمز للوحدة الوطنية والرفض القاطع للاستعمار.

3. المفاوضات مع الاحتلال البريطاني

بعد نجاح ثورة 1919، دخل سعد زغلول في مفاوضات سياسية مع البريطانيين بهدف الحصول على استقلال مصر. بالرغم من معارضة الاحتلال ومحاولاته لإضعاف نفوذ الزعيم الوطني، فقد استطاع سعد أن يفرض شروطه ويدافع عن حقوق وطنه بقوة.

من أهم نتائج هذه المفاوضات إعلان معاهدة 1936، التي نصت على اعتراف بريطانيا باستقلال مصر من الناحية النظرية، وإنهاء الحماية البريطانية الرسمية، مع بقاء بعض الحقوق البريطانية في بعض المجالات العسكرية والسياسية. كان ذلك بداية لمرحلة جديدة في تاريخ مصر الحديث، والتي مهدت الطريق لاحقاً للاستقلال الكامل.

4. دوره في بناء مؤسسات الدولة الوطنية

لم يقتصر نشاط سعد زغلول على النضال ضد الاحتلال فقط، بل ساهم أيضاً بشكل فعّال في بناء مؤسسات الدولة الوطنية. فقد كان من أبرز دعاة تحديث الإدارة وتنظيم شؤون الحكم الداخلي، وكان يرى أن الاستقلال الحقيقي لا يتحقق إلا ببناء مؤسسات قوية تعمل لخدمة الشعب.

كما دعم تطوير التعليم والثقافة، مؤمناً بأن الوعي والتعليم هما أساس النهضة الحقيقية لأي أمة. لذلك، شجع على تأسيس المدارس والمعاهد وتطوير المناهج، وساند حركة الترجمة والتأليف في مختلف المجالات.

5. التأثير الثقافي والاجتماعي

كان لسعد زغلول أثر كبير في تعزيز الهوية الوطنية المصرية وترسيخ مفهوم المواطنة. إذ كان يحث على الحفاظ على القيم العربية الإسلامية، وفي الوقت ذاته كان يؤمن بضرورة الانفتاح على العالم وتبني العلوم الحديثة.

ساهم في نشر الفكر القومي الذي يركز على وحدة الأمة العربية، وفي الوقت نفسه شدد على أهمية العدالة الاجتماعية وتحسين أوضاع الفلاحين والعمال، باعتبارهم عماد المجتمع المصري.

جدول يلخص أهم أعمال سعد زغلول وتأثيرها

النهاية ومسيرة التركة الوطنية

ترك سعد زغلول إرثاً عظيماً يتجاوز مجرد دوره السياسي، فهو شخصية وطنية جمعت بين الفكرة والتنفيذ، بين الكفاح الشعبي والسياسة الرسمية. توفي في عام 1927، لكنه ترك وراءه جيلاً من الوطنيين الذين حملوا راية الاستقلال واستمروا في نضالهم حتى تحقق الهدف الكامل في منتصف القرن العشرين.

تاريخ سعد زغلول هو قصة كفاح وصبر وصمود، تجسد فيها إرادة أمة بكاملها في التحرر من الاستعمار وبناء وطن مستقل قوي. من خلال تنظيمه السياسي، وقيادته الشعبية، ومواقفه الوطنية الحاسمة، ظل سعد زغلول منارة أمل ونموذجاً يحتذى به في التاريخ المصري الحديث.

المصادر والمراجع

1. عبد الرحمن بدوي، “تاريخ الحركة الوطنية في مصر”، دار النهضة العربية، 1980.

2. محمد حسنين هيكل، “مذكرات سعد زغلول”، دار الشروق، 1993.