بر الوالدين هو أحد أعظم القيم الإنسانية التي حثنا عليها ديننا الحنيف، واهتم بها في جميع الأديان السماوية. إنه تعبير عن أسمى درجات الحب والاحترام والتقدير، حيث يكون الفعل نتيجة لتوجيهات قلبية نابضة بالوفاء والإخلاص. إن بر الوالدين ليس مجرد فعل من أفعال البر، بل هو روح الحياة التي تبث في المجتمع روح التعاون والمودة. فمن خلال هذا الفعل، يكتسب الإنسان خيرًا في الدنيا والآخرة، ويجني ثمرات من البركة والتوفيق. هذا المقال يتناول أهمية بر الوالدين، وكيفية تجسيده في حياتنا اليومية، وأثره على الأفراد والمجتمعات.
تعريف بر الوالدين
بر الوالدين هو إظهار الحب والاحترام والرعاية للأب والأم في كل الأوقات. وهو ليس محصورًا في تقديم المساعدات المادية أو العاطفية فحسب، بل يمتد ليشمل أيضًا التقدير النفسي والروحي، والاعتراف بدورهما الكبير في الحياة. إن بر الوالدين يرتبط بشكل وثيق بالطاعة، والاعتراف بالفضل، وإجابة النداء، ومراعاة المشاعر. ليس هناك أسمى من ذلك، لأن الوالدين هما المصدر الأول للحب والعناية في حياة الإنسان، ومن ثم يصبح برهما أولوية لا يجوز التفريط فيها.
مكانة بر الوالدين في الإسلام
في الإسلام، يعد بر الوالدين من أعظم القيم التي حث الله تعالى عليها في القرآن الكريم، حيث ذكرها في آيات متعددة، ووضعها جنبًا إلى جنب مع عبادته. في قوله تعالى: “وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا” (الإسراء: 23). هذه الآية الكريمة تبين لنا أن البر بالوالدين لا يقتصر على الإحسان إليهما في الحياة فقط، بل يشمل أيضًا الاحترام عند تقدم سنهما، وعدم التعبير عن أي نوع من الاستياء حتى لو بدر منهما شيء غير مريح. ولا يقتصر ذلك على الطاعة الظاهرة فقط، بل يشمل القلب والمشاعر. لذا، فإن بر الوالدين يتطلب من المسلم التزامًا عميقًا في كل جوانب الحياة.
أهمية بر الوالدين
-
تحقيق رضا الله تعالى: بر الوالدين يعد من أكثر الأعمال التي تقرب الإنسان من الله سبحانه وتعالى. فقد جعل الله تعالى رضا الوالدين مرهونًا برضاه، وسخطهما مرهونًا بسخطه. لذا، فإن الإحسان إليهما يعادل إرضاء الله، ويعد من أسباب الفوز في الدنيا والآخرة.
-
جزاؤه في الدنيا: إن بر الوالدين يعود على الإنسان في الدنيا بثمرات كثيرة، منها سعة الرزق وراحة البال، والبركة في العمر. فقد ثبت في الأحاديث النبوية أن بر الوالدين سبب لطول العمر، وزيادة الرزق. ومن بين الأحاديث المشهورة في هذا المجال قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُبسط له في عمره فليصل رحمه”.
-
استقرار المجتمع: المجتمعات التي تتمسك بقيم بر الوالدين تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. فهذا الفعل يخلق بيئة مليئة بالمحبة والاحترام بين الأفراد، ويؤدي إلى زيادة الترابط الأسري والتعاون بين أفراد المجتمع.
طرق بر الوالدين
بر الوالدين لا يقتصر على تقديم المساعدة المادية فقط، بل يشمل أيضًا الأفعال والأقوال التي تعبر عن الاحترام والتقدير. من أهم الطرق التي يمكن من خلالها أن نبر والدينا:
-
التواصل الدائم: من خلال زيارة الوالدين بشكل دوري أو الاتصال بهم إذا كانوا في مكان بعيد. هذا يشعرهم بالحب والرعاية، كما يعكس احترامهم.
-
الاستماع إليهم: إن الاستماع إلى نصائح الوالدين ومشاكلهم يعكس مدى احترامك وتقديرك لهم. خاصة عندما يشعرون بأنهم في حاجة إلى شخص يسمعهم ويشعر بما يمرون به.
-
العناية بهم في الكبر: أحد أشكال بر الوالدين العظيمة هي العناية بهما في مرحلة متقدمة من العمر، حيث يحتاجان إلى الرعاية الصحية والنفسية. وهذا يكون أحيانًا في شكل مساعدتهم في أعباء الحياة اليومية أو توفير الرعاية الصحية لهم.
-
الدعاء لهما: من أسمى أشكال البر هو الدعاء للوالدين بالرحمة والمغفرة في حياتهم وبعد وفاتهم. فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل دعاء نوجهه إلى الوالدين هو: “اللهم اغفر لهما، كما ربياني صغيرًا”.
-
المشاركة في أفراحهم وأتراحهم: لا يكفي فقط العناية الجسدية بالوالدين، بل يجب أيضًا أن نشاركهم في لحظاتهم السعيدة والحزينة. فذلك يعزز العلاقة ويجعلهم يشعرون بأنهم في قلب أولادهم.
أثر بر الوالدين على الفرد
إن بر الوالدين يعود على الإنسان بآثار إيجابية كبيرة في حياته الشخصية والاجتماعية. أولًا، يساعد البر في تعزيز قيم الطيبة والعطف في النفس، ويجعل الفرد أكثر تقديرًا لعلاقته بأسرته وبالآخرين. كما يسهم بر الوالدين في بناء شخصية قوية، مليئة بالمسؤولية والإحساس بالواجب تجاه من حوله.
ومن ناحية أخرى، فإن بر الوالدين يشجع على تنمية الوعي الاجتماعي والإنساني لدى الشخص. فعندما يلاحظ الإنسان أثر بره على والدته أو والده، يتعلم أن الإنسان لا يعيش فقط لنفسه، بل يجب أن يهتم بكل من حوله، خصوصًا الوالدين اللذين كانا سببًا رئيسيًا في وجوده ونشأته.
تأثير بر الوالدين على المجتمع
بر الوالدين ليس مجرد فعل فردي، بل له تأثير عميق على المجتمع ككل. عندما يتبع الأفراد هذه القيم ويطبقونها في حياتهم، تصبح هذه القيم جزءًا من ثقافة المجتمع ويزداد التراحم بين أفراده. فالأبناء الذين يبرون آباءهم يترسخ لديهم الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع بشكل عام، مما يؤدي إلى مجتمع مترابط يسوده التفاهم والمساعدة المتبادلة.
كما أن بر الوالدين يساهم في بناء مجتمع مستقر، حيث يتحمل الأفراد مسؤولياتهم الأسرية والاجتماعية بشكل أفضل، ويصبحون أكثر قدرة على المشاركة في العمل المجتمعي. فكلما تزايدت أعداد الأبناء الذين يلتزمون بقيم البر، تحققت المصلحة العامة للمجتمع بأسره.
الخلاصة
إن بر الوالدين يعد من أسمى القيم الإنسانية التي تعكس العلاقة بين الفرد وأبويه، وهو حق مستحق لهما لا يمكن التفريط فيه. الإسلام قد حث على البر بهما في مختلف مراحل الحياة، وجعل ذلك من أسباب رضا الله عز وجل. ومن خلال بر الوالدين، يكتسب الفرد ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة، ويصبح جزءًا من مجتمع يعيش فيه التراحم والتعاون. بر الوالدين ليس مجرد واجب، بل هو شرف ومصدر من مصادر السعادة والطمأنينة.
