أهمية السدود في الأردن

تُعد السدود من أبرز البنى التحتية الحيوية في الأردن، نظراً لأهمية المياه في بيئة جغرافية يعاني فيها البلد من فقر مائي مزمن، ويُصنّف ضمن أفقر خمس دول في العالم مائياً. يمثل تشييد السدود أحد الركائز الاستراتيجية التي اعتمدتها المملكة منذ منتصف القرن العشرين بهدف مواجهة التحديات المرتبطة بندرة الموارد المائية، وضمان الأمن المائي والغذائي، وتوفير المياه اللازمة للاستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية. ويأتي هذا ضمن مسعى وطني شامل يسعى إلى تعزيز الإدارة المستدامة للموارد المائية في ظل التغيرات المناخية، وزيادة معدلات الجفاف، وتراجع مصادر المياه الجوفية.

الواقع المائي في الأردن

يمتاز الأردن بمناخه الجاف وشبه الجاف، ويبلغ متوسط الهطل المطري السنوي فيه حوالي 8.5 مليار متر مكعب، يتبخر أكثر من 90% منها، ولا يتجاوز ما يُستفاد منه فعلياً سوى حوالي 800 مليون متر مكعب سنوياً. وتأتي هذه الكميات من مصادر محدودة تشمل المياه السطحية، والمياه الجوفية، ومياه الصرف المعالجة. هذا الشح في الموارد المائية، المقترن بزيادة عدد السكان (الذي تخطى 11 مليون نسمة في السنوات الأخيرة، ويزداد بوتيرة سريعة بفعل موجات اللجوء) جعل من تطوير السدود ضرورة وطنية وأولوية قصوى في الاستراتيجية المائية للدولة.

تعريف السدود ووظائفها

السد هو منشأة هندسية ضخمة تُبنى لغايات حجز المياه وتنظيم تدفقها. وتتنوع وظائف السدود بين تخزين مياه الأمطار والسيول، وتأمين المياه للاستخدامات المختلفة، وتوليد الطاقة الكهرومائية، والحد من مخاطر الفيضانات، وتغذية المياه الجوفية، إضافة إلى إحداث أثر بيئي واقتصادي واجتماعي مباشر وغير مباشر على المجتمعات المحيطة.

تطور بناء السدود في الأردن

بدأ الأردن في بناء السدود منذ ستينات القرن الماضي، وتطورت هذه السياسة بمرور الوقت مع زيادة الاحتياجات وتفاقم الأزمات المائية. وقد تبنت وزارة المياه والري خطة طويلة الأمد لإنشاء وتطوير السدود، وبلغ عدد السدود الكبرى والمتوسطة والصغيرة حتى عام 2024 نحو 17 سداً رئيسياً، تقدر سعتها التخزينية الإجمالية بحوالي 336 مليون متر مكعب.

وفيما يلي جدول يوضح بعض أبرز السدود في الأردن وسعتها التخزينية:

الأهداف الاستراتيجية للسدود في الأردن

1. تحقيق الأمن المائي

يُعد الهدف الرئيسي لبناء السدود في الأردن هو تحقيق الأمن المائي. فالمياه المخزنة في السدود تُستخدم لتأمين احتياجات المواطنين من مياه الشرب في أوقات الشح، خصوصاً في فصل الصيف الذي يتميز بارتفاع درجات الحرارة وتراجع الهطول. كما تُستعمل هذه المياه لريّ المحاصيل الزراعية، وهو ما يُسهم في استقرار القطاع الزراعي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، وتحقيق شكل من أشكال الاكتفاء الغذائي النسبي.

2. الاستفادة من مياه الأمطار والسيول

بسبب تضاريس الأردن الوعرة، تتسبب الأمطار الغزيرة والمفاجئة في سيول جارفة تهدر كميات كبيرة من المياه التي كان بالإمكان استغلالها. وتُساهم السدود في التقاط هذه السيول وتخزينها بدلاً من فقدانها في البحر الميت أو المناطق الصحراوية، ما يتيح استخدامها لاحقاً في أوقات الحاجة.

3. الحد من الفيضانات وحماية البنى التحتية

تعمل السدود، خصوصاً تلك الواقعة في المناطق الشمالية والوسطى، على تنظيم تدفق المياه ومنع الفيضانات التي قد تسبب أضراراً جسيمة للبنية التحتية والزراعة والمساكن في المناطق المنخفضة. وقد ساعدت السدود في تقليل الأضرار الموسمية التي كانت تعاني منها مناطق مثل وادي الزرقاء ووادي الأردن.

4. تغذية المياه الجوفية

من بين الوظائف البيئية المهمة للسدود هو المساهمة في تغذية الأحواض الجوفية من خلال تسرب المياه المخزنة ببطء إلى طبقات الأرض السفلى. وهذا ضروري جداً في الأردن الذي يعتمد بنحو 60% من استهلاكه على المياه الجوفية، والتي تتعرض لاستهلاك جائر تجاوز معدلات التجدد الطبيعية.

5. تعزيز التنمية المحلية

تُساهم مشاريع بناء السدود في تنشيط التنمية المحلية في المناطق المحيطة بها، من خلال خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتحسين البنية التحتية، وتوفير مصادر مياه ثابتة للزراعة والثروة الحيوانية. كما يمكن أن تتحول بعض السدود إلى مواقع سياحية بيئية، مما يُنشّط الاقتصاد المحلي ويوفر موارد مالية للمجتمعات الريفية.

التحديات التي تواجه مشاريع السدود

1. الطبيعة الجيولوجية الصعبة

تُواجه مشاريع بناء السدود في الأردن تحديات جيولوجية معقدة تتعلق بطبيعة الصخور والتربة، ما يفرض تكاليف إضافية على أعمال التصميم والبناء والصيانة، ويزيد من الحاجة إلى دراسات فنية دقيقة لضمان أمان المنشأة واستدامتها.

2. محدودية الموارد المالية

إن تكلفة بناء وصيانة السدود عالية جداً، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي الأردني المحدود. ويُشكل التمويل أحد أكبر العوائق أمام تنفيذ مزيد من المشاريع المائية، مما يستدعي تعزيز الشراكات مع الجهات الدولية والداعمة.

3. الترسيب وفقدان السعة التخزينية

تعاني بعض السدود من مشكلة الترسيب نتيجة انجراف التربة من المرتفعات المجاورة خلال السيول، مما يؤدي إلى تراكم الأوحال في قاع السد وتراجع السعة التخزينية الفعلية بمرور الوقت. ويتطلب هذا إجراء عمليات تنظيف دورية مكلفة فنياً ومالياً.

4. تغير المناخ

تُشكّل التغيرات المناخية تهديداً حقيقياً لمشاريع السدود في الأردن، حيث تشير الدراسات إلى تراجع كميات الأمطار وزيادة فترات الجفاف، ما يؤثر على معدلات التغذية السنوية للسدود. وهذا يفرض إعادة النظر باستمرار في الاستراتيجية المائية وتطوير أدوات التكيف.

مساهمة السدود في تحقيق التنمية المستدامة

تتوافق مشاريع السدود الأردنية مع أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، لاسيما الهدف السادس المتعلق بضمان توفر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع. كما تدعم السدود أهداف الحد من الفقر والجوع عبر دعم الإنتاج الزراعي، وتحقيق هدف العمل المناخي من خلال تعزيز التكيف مع الجفاف وندرة المياه.

أبرز المبادرات والخطط المستقبلية

تسعى وزارة المياه والري إلى تعزيز شبكة السدود القائمة وتوسعتها من خلال خطط مستقبلية تشمل بناء سدود إضافية في مناطق الجنوب والبادية الشرقية، وتحسين كفاءة إدارة السدود الحالية، وتعزيز قدرات الحصاد المائي. كما تتعاون الوزارة مع عدد من الشركاء الدوليين في مجالات التمويل والتدريب ونقل التكنولوجيا.

ومن أبرز المشاريع المستقبلية:

• سد الفيدان في محافظة معان، وهو سد مقترح لغايات تخزين مياه السيول وتحسين التغذية الجوفية.

• سد رحمة في وادي عربة، لتعزيز الحصاد المائي في المناطق الجنوبية الجافة.

• مشاريع الحصاد المائي الصغيرة والمتوسطة التي تهدف إلى دعم التجمعات البدوية والزراعية.

دور السدود في مواجهة أزمة المياه الإقليمية

نظراً لموقع الأردن الجغرافي في منطقة تعاني من نزاعات مائية إقليمية، مثل نهر الأردن ونهر اليرموك، فإن السدود تُمثل عنصراً حيوياً في تعزيز الاستقلالية المائية الوطنية، والتقليل من الاعتماد على المياه المشتركة، مما يُعزز من الموقف التفاوضي الأردني في المحافل الدولية المتعلقة بالمياه.

الخلاصة

إن السدود تمثل إحدى أعمدة الاستراتيجية المائية الوطنية في الأردن، ليس فقط لكونها وسيلة لتخزين المياه، بل كأداة للتنمية والاستدامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وبينما تواجه هذه المشاريع تحديات كبيرة، فإنها تظل ضرورة لا غنى عنها في ظل تصاعد أزمة المياه العالمية والإقليمية. ومن الضروري مواصلة الاستثمار في تطوير السدود وإدارتها بطرق حديثة تعتمد على البيانات والتكنولوجيا، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية ترشيد استخدام المياه لضمان استدامة هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.

المصادر:

1. وزارة المياه والري الأردنية – تقارير الاستراتيجية الوطنية للمياه.

2. دراسة البنك الدولي: Jordan Water Sector – Overview and Challenges, 2023.