وزارة الثقافة والشباب في الإمارات: دعم الإبداع وصياغة مستقبل ثقافي مستدام

تعد وزارة الثقافة والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى الركائز الأساسية في البناء المؤسسي للدولة، حيث تلعب دوراً محورياً في تعزيز الهوية الوطنية، وتمكين الطاقات الشابة، وتنمية الصناعات الإبداعية. فمنذ تأسيسها، حملت الوزارة على عاتقها مسؤولية تطوير مشهد ثقافي نابض بالحياة، متجذر في التراث العربي والإسلامي، ومنفتح في الوقت نفسه على التعددية الثقافية العالمية، بما يعزز من مكانة الإمارات كمنارة للثقافة والمعرفة والإبداع.

النشأة والرؤية الاستراتيجية

تم الإعلان عن وزارة الثقافة والشباب ضمن التشكيل الوزاري الجديد في دولة الإمارات في يوليو 2020، بعد دمج وزارة الثقافة وتنمية المعرفة مع وزارة شؤون الشباب، ضمن توجه حكومي يعكس التكامل بين الثقافة وتمكين الأجيال القادمة. تتبنى الوزارة رؤية استراتيجية ترتكز على دعم القطاع الثقافي والإبداعي، وتعزيز الانتماء الوطني، وتمكين الشباب ليكونوا عنصراً فاعلاً في التنمية الشاملة.

وتستند الوزارة في عملها إلى نهج قائم على الابتكار، وتطوير السياسات الثقافية، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات الأكاديمية والفنية والمجتمع المدني، لتوفير بيئة حاضنة للإبداع قادرة على جذب المواهب وتطويرها وصقلها بما يواكب متطلبات الاقتصاد المعرفي المستقبلي.

المهام والمحاور الرئيسية لعمل الوزارة

1. تنمية الثقافة والهوية الوطنية

تعد الثقافة من المقومات الأساسية للهوية الإماراتية، ولهذا تركز الوزارة على حماية التراث الثقافي المادي وغير المادي، ودعم الفنون الأدبية والبصرية والموسيقية، وتنظيم الفعاليات والمهرجانات الثقافية. كما تعمل على توثيق التراث وتسجيله في المنظمات الدولية مثل منظمة اليونسكو، بالإضافة إلى دعم المتاحف الوطنية ومراكز الدراسات الثقافية.

وتسعى الوزارة من خلال هذه الجهود إلى ترسيخ القيم الإماراتية، وتعزيز الوعي بتاريخ الدولة وإرثها الحضاري، وضمان استمراريته ونقله إلى الأجيال القادمة بوسائل عصرية.

2. تمكين الشباب

يُعد الشباب المحرك الأساسي للتنمية في الإمارات، وتمثل هذه الفئة أولوية قصوى في استراتيجية الوزارة، التي توفر لهم منصات للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، ومجالات للمشاركة الفاعلة في صياغة السياسات العامة. وتعمل الوزارة على تنفيذ برامج ومبادرات تدعم قدراتهم القيادية والمهنية، وترسخ لديهم القيم الوطنية وروح الابتكار.

كما تم تأسيس “المجالس الشبابية” كمبادرة رائدة تُمكّن الشباب من المشاركة في صنع القرار، وتقديم الحلول لتحديات المجتمع، مما يجعلهم شركاء حقيقيين في التنمية المستدامة.

3. تحفيز الصناعات الإبداعية

تسعى وزارة الثقافة والشباب إلى بناء اقتصاد ثقافي مستدام، حيث تحتل الصناعات الإبداعية مكانة متقدمة في الاستراتيجية الاقتصادية للدولة. وتشمل هذه الصناعات مجالات مثل التصميم، الإنتاج الإعلامي، النشر، الفنون، الألعاب الرقمية، والإنتاج السينمائي. وقد أطلقت الوزارة مبادرات مثل “الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية” التي تهدف إلى جعل الإمارات مركزاً إقليمياً وعالمياً للإبداع.

تعمل الوزارة أيضاً على تسهيل الوصول إلى التمويل، وتقديم التراخيص والدعم اللوجستي للفنانين ورواد الأعمال في المجال الثقافي، وتهيئة البنية التحتية الملائمة كالمسارح، وصالات العرض، والمراكز الثقافية.

4. التبادل الثقافي الدولي

تعزز الوزارة العلاقات الثقافية الإماراتية مع مختلف دول العالم من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع وزارات الثقافة في الدول الأخرى، والمشاركة في معارض الكتاب العالمية، وتنظيم الأسابيع الثقافية، والمشاركة في الأحداث الدولية كمعرض إكسبو. وتهدف هذه الجهود إلى نقل صورة إيجابية عن الإمارات، وإبراز تنوعها الثقافي وانفتاحها على الآخر.

ويُعد المعرض الدولي للكتاب في أبوظبي والشارقة من أبرز الأمثلة على جهود الوزارة في الترويج للثقافة الإماراتية إقليمياً ودولياً، وجذب المثقفين والناشرين من مختلف أنحاء العالم.

المبادرات والبرامج النوعية

أطلقت وزارة الثقافة والشباب العديد من المبادرات التي تستهدف تطوير البنية التحتية للقطاع الثقافي وتعزيز مشاركة الأفراد فيه، من أبرزها:

وتسعى هذه البرامج إلى تطوير منظومة متكاملة تربط بين الإنتاج الثقافي والتعليم، وريادة الأعمال، والنمو الاقتصادي.

تطوير البيئة التشريعية والسياسات الثقافية

عملت وزارة الثقافة والشباب على تحديث المنظومة التشريعية المتعلقة بالقطاع الثقافي، من خلال إعداد قوانين وسياسات تسهل نمو الصناعات الثقافية وتحمي حقوق الملكية الفكرية، وتوفر بيئة تنظيمية تعزز من دور المؤسسات الثقافية الخاصة والعامة.

وقد أُطلقت “الاستراتيجية الثقافية للدولة 2031” لتكون خارطة طريق تضع أهدافاً طموحة لتمكين القطاع الثقافي، ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وتوسيع مشاركة المجتمع في النشاط الثقافي، ودعم تنوع الإنتاج المعرفي والفني.

الشراكات مع المؤسسات التعليمية والمجتمعية

تحرص الوزارة على التعاون مع الجامعات، والمدارس، ومؤسسات التعليم العالي لتكريس الثقافة كجزء أصيل من العملية التعليمية. كما تدعم مبادرات نشر الثقافة بين الأطفال والشباب، من خلال المكتبات المدرسية، والأنشطة اللامنهجية، والبرامج التدريبية.

وتعمل الوزارة أيضاً بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، والجهات الحكومية، والقطاع الخاص على تعزيز دور الثقافة في التنمية الاجتماعية، من خلال إطلاق حملات توعوية، وبرامج للقراءة، وورش عمل فنية، ومعارض محلية.

مساهمة الوزارة في رؤية الإمارات المستقبلية

تتوافق توجهات وزارة الثقافة والشباب مع الرؤى الاستراتيجية الكبرى للدولة، مثل “رؤية الإمارات 2071″، و”الاستراتيجية الوطنية للابتكار”، و”رؤية مئوية الإمارات”، حيث يُنظر إلى الثقافة باعتبارها محركاً أساسياً للابتكار والاقتصاد المعرفي. وتشكل الجهود التي تبذلها الوزارة في هذا الإطار استثماراً طويل الأمد في بناء مجتمع مثقف، مبدع، وواعٍ، قادر على المشاركة في تشكيل مستقبل الدولة.

كما تدعم الوزارة التوجهات الحكومية نحو تعزيز القوة الناعمة للدولة، من خلال تطوير سردية ثقافية معاصرة تعكس تطور الإمارات، وتحفظ أصالتها في ذات الوقت، مما يعزز حضورها على الخارطة الثقافية العالمية.

ختام

إن وزارة الثقافة والشباب في الإمارات تمثل نموذجاً مؤسسياً متقدماً يجمع بين الرؤية المستقبلية والتقدير العميق للموروث الثقافي. وهي تؤدي دوراً محورياً في صوغ مجتمع المعرفة، وترسيخ الهوية الوطنية، ودعم المبدعين والشباب. ومن خلال استراتيجياتها المتكاملة، ومبادراتها النوعية، وشراكاتها الواسعة، تواصل الوزارة إرساء دعائم بيئة ثقافية خصبة، تعزز من مكانة الإمارات كوجهة عالمية للإبداع والتميز الثقافي.

المراجع:

1. الموقع الرسمي لوزارة الثقافة والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة: https://www.mcy.gov.ae

2. وثيقة الاستراتيجية الثقافية لدولة الإمارات 2031 – الأمانة العامة لمجلس الوزراء.