أهمية الجد والجدة في الأسرة

أهمية الجدة والجد في الأسرة

في قلب كل أسرة دافئة، هناك جذور متينة تشكلها الأجيال التي سبقت، وتجسدها صورة الجد والجدة. فهما لا يمثّلان فقط صلة قرابة بيولوجية، بل يعدّان حجر الأساس في كيان الأسرة الممتد، حيث تتقاطع عندهما الحكايات، والخبرات، والحكمة، والرعاية، والحنان. إن دورهما لا يُقاس فقط بوجودهما الفيزيائي، بل بما يضفيانه من استقرار عاطفي، ونضج اجتماعي، وترابط أسري يعمّق الانتماء ويعزز من صلابة المجتمع بأكمله.

الجدة والجد: الحاضنة العاطفية للجيل الجديد

يمثّل وجود الجدة والجد في حياة الأبناء والأحفاد مصدراً فريداً للحنان والدعم غير المشروط. فبينما ينشغل الوالدان غالباً بمسؤوليات الحياة العملية، يبقى لدى الجدّين متّسع من الوقت والهدوء لتقديم الدعم العاطفي المستقر. يعرف الأطفال بشكل فطري أن الجدة والجد يستقبلانهم دوماً بابتسامة، ويقدمان لهم الدفء دون أن يُشعروهم بالضغط أو التوقعات العالية.

الأطفال الذين يحظون بوجود فعال لجداتهم وأجدادهم يتمتعون بمعدلات أقل من القلق والتوتر، كما تشير الدراسات النفسية إلى أن هؤلاء الأطفال يميلون إلى تطوير مهارات اجتماعية أفضل وثقة أعلى بالنفس، وذلك نتيجة للبيئة العاطفية الآمنة التي يوفرها وجود الجدة والجد.

الإرث الثقافي والتاريخ العائلي

من أبرز الأدوار التي يضطلع بها الجدّان هو نقل التاريخ الشفهي للأسرة، والموروث الثقافي والاجتماعي، والعادات والتقاليد التي تشكّل هوية الأجيال القادمة. إن جلسات الحكي والسرد التي يقيمها الجد أو الجدة تشكّل مدرسة تربوية ثقافية بحد ذاتها، يتعلم فيها الأحفاد عن أصولهم، وعن تجارب الماضي التي لا تُدرّس في الكتب، ولكنها تبقى محفورة في وجدان الأسرة.

الحكايات التي يسردها الأجداد تكون غالباً مزيجاً من الخيال والحكمة والتجربة، فتُغرس في وجدان الطفل قيماً مثل الصبر، والصدق، والعمل الجاد، وحب الوطن، وتقدير الجهد. كما تُشكّل هذه القصص نوعاً من التواصل الروحي مع الأصول، وتساعد الطفل على فهم نفسه ومجتمعه بطريقة أعمق.

الاستقرار الأسري وتقوية الروابط

تعمل الجدة والجد كوسيطين بين الأجيال، ويمتلكان القدرة على تخفيف حدة التوترات أو النزاعات التي قد تنشأ بين الوالدين والأبناء. فبحكم خبرتهم الطويلة، ومعرفتهم العميقة بطبيعة العلاقات الإنسانية، يكون لهما دور فعال في الحفاظ على تماسك الأسرة وتوازنها العاطفي.

في حالات الطلاق، أو الخلافات الزوجية، يشكل وجود الجد والجدة عنصر دعم نفسي واستقرار للأطفال، فهم يمثلون مرجعية مستقرة لا تتزعزع رغم تقلبات الحياة العائلية. كما يسهمون في رعاية الأحفاد، ما يخفف الضغط عن الأمهات العاملات أو الأسر ذات الدخل المحدود.

التعليم غير الرسمي: نقل الخبرات والمعرفة الحياتية

يلعب الجد والجدة دوراً تعليمياً غير رسمي في حياة الأحفاد. لا يقتصر هذا التعليم على المهارات التقليدية مثل الحياكة، أو الزراعة، أو الطهي، بل يمتد إلى تعليمهم كيفية التعامل مع المواقف الحياتية الصعبة، وكيفية اتخاذ قرارات حكيمة، وفهم الواقع من منظور ناضج.

الجد على سبيل المثال قد يعلم حفيده مهارات الحرف اليدوية أو الصيد، بينما تعلم الجدة حفيدتها كيفية إعداد أكلات تقليدية أو الحفاظ على النظافة الشخصية، أو حتى تنظيم الميزانية المنزلية. هذه المهارات تعزز من استقلالية الطفل وتجعله أكثر استعداداً لمواجهة التحديات المستقبلية.

الأمان المالي والاجتماعي في بعض السياقات

في كثير من المجتمعات، لا يقتصر دور الجد والجدة على الجانب العاطفي والتربوي فحسب، بل يمتد ليشمل الدعم المالي والمعنوي للأسرة. فكثير من الأجداد يوفرون دعماً اقتصادياً يساعد في تغطية نفقات المعيشة أو تعليم الأحفاد، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها بعض المجتمعات.

كما أن الجد والجدة يشكّلان سنداً اجتماعياً للمرأة العاملة، التي قد تجد نفسها مضطرة إلى ترك أطفالها لساعات طويلة في اليوم. فوجود الجدّين في المنزل يُخفف من هذا العبء، ويوفر بيئة آمنة وموثوقة لرعاية الأطفال.

العمق الروحي والديني

في كثير من الثقافات، يُعتبر الجد والجدة مرجعية روحية ودينية. فهم غالباً من يواظبون على العبادات، وينقلون للأحفاد تعاليم الدين والتقاليد الأخلاقية. يُغرس في نفوس الأحفاد الاحترام للمقدّسات، وحبّ الخير، وقيم التواضع، والتسامح، من خلال ما يرونه في سلوك الجد والجدة اليومي.

الصلاة، قراءة القرآن، سرد القصص الدينية، والحديث عن القيم الروحية، جميعها تشكّل روابط قوية بين الطفل ودينه، وتساعد على بناء شخصية متوازنة تقوم على أسس أخلاقية متينة.

الجدول التالي يوضح مقارنة تفصيلية بين الأدوار الأساسية للوالدين والأجداد في الأسرة:

غياب الجد والجدة: فراغ لا يُملأ بسهولة

عند غياب الجدة والجد، تفقد الأسرة جزءاً كبيراً من نسيجها الثقافي والعاطفي. فالطفل الذي لا يحظى بفرصة التفاعل مع الجد والجدة قد يُحرم من الاستفادة من قصصهم وخبراتهم، ومن الأمان العاطفي الذي يوفرونه. كما أن الوالدين يخسران الدعم المعنوي والعملي الذي قد يوفّره وجود الأجداد، خاصة في السنوات الأولى من تربية الأبناء.

وقد ظهرت في العقود الأخيرة أنماط من الحياة الفردية التي تقلل من أهمية الأسرة الممتدة، مما أدى إلى عزل كبار السن في دور المسنين أو عيشهم وحدهم، وهذا الاتجاه يُفقد الأسرة الكثير من تماسكها ومعناها العميق.

التكامل بين الأجيال: ضرورة مجتمعية

من منظور علم الاجتماع، لا يمكن بناء مجتمع متماسك إلا من خلال تحقيق التكامل بين الأجيال. الجد والجدة لا يمثلان فقط امتداداً زمنياً للأسرة، بل يشكّلان حلقة وصل تضمن تدفق الحكمة والمعرفة والقيم عبر الزمن. إن إشراك الأجداد في حياة الأبناء والأحفاد لا يعزز فقط من البنية الأسرية، بل يسهم أيضاً في تحسين الصحة النفسية والعقلية لكبار السن أنفسهم.

إذ تشير دراسات طبية إلى أن كبار السن الذين ينخرطون في تربية الأحفاد وتحقيق علاقات اجتماعية نشطة، يعانون من معدلات أقل من الاكتئاب، ويحظون بصحة جسدية أفضل، ويعيشون حياة أطول مقارنة بأقرانهم المنعزلين.

مصادر:

• Bengtson, V. L. (2001). Beyond the Nuclear Family: The Increasing Importance of Multigenerational Bonds. Journal of Marriage and Family.

• Attar-Schwartz, S. (2008). The Role of Grandparents in the Lives of Young Children. Family Relations.

العنوان المقترح SEO:

دور الجد والجدة في الأسرة