أنواع المعرفة وأهميتها

أنواع المعرفة: تعريفاتها وأبعادها

المعرفة هي أحد أعمدة التطور الإنساني. هي الفهم والتفسير الذي يحمله الإنسان عن العالم والظواهر من حوله، وهي محصلة لما اكتسبه الإنسان من تجارب وتعلم. تختلف المعرفة في أشكالها وطرقها، وتشمل العديد من الأنواع التي تساهم في تقدم البشرية، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات. في هذا المقال، سنتناول أنواع المعرفة المختلفة، بداية من المعرفة الفطرية وصولاً إلى المعرفة المتقدمة المكتسبة، مع تسليط الضوء على خصائص كل نوع وأهمية تطبيقاته في الحياة اليومية.

أولًا: المعرفة الفطرية (Innate Knowledge)

المعرفة الفطرية هي المعرفة التي يولد بها الإنسان، وهي تشمل المفاهيم الأساسية التي لا يحتاج الإنسان لتعلمها أو اكتسابها. هذه المعرفة تشكل الأساس الأول لفهم العالم، وتشمل مثلًا المعرفة المتعلقة بالاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والماء، وبعض الردود الفطرية التي تتيح للإنسان البقاء على قيد الحياة.

هذه المعرفة تتجسد في قدرة الإنسان على التعرف على الأمهات أو الأفراد في محيطه، وقدرته على التمييز بين الأشياء الضارة وغير الضارة في بيئته. يمكن القول إن هذه المعرفة تُعتبر “غريزية” إلى حد كبير، حيث أنها لا تتطلب تعلمًا أو تدريسًا رسميًا.

ثانيًا: المعرفة الحسية (Sensory Knowledge)

المعرفة الحسية هي تلك التي يحصل عليها الإنسان عبر حواسه. وهي المعرفة التي تُكتسب من خلال التجربة المباشرة مع العالم الخارجي عبر الحواس الخمس: البصر، السمع، الشم، اللمس، والذوق. يعتبر هذا النوع من المعرفة أحد أسس بناء الوعي لدى الفرد، فهو يعتمد على التفاعل المباشر مع البيئة المحيطة.

على سبيل المثال، عندما يرى الإنسان طائرًا في السماء أو يسمع صوتًا مميزًا، فإن هذه المعرفة تُعتبر معرفة حسية. تختلف الحواس من فرد لآخر، وبالتالي يمكن أن تكون المعرفة الحسية متفاوتة حسب الشخص وحسب الحالة البيئية المحيطة به.

ثالثًا: المعرفة العقلية (Intellectual Knowledge)

المعرفة العقلية هي تلك التي تتطلب استخدام التفكير والتأمل لفهم الأشياء بشكل أعمق. تعتمد هذه المعرفة على العقل البشري وقدرته على التحليل والتركيب والاستنتاج. يتم اكتسابها من خلال التفاعل مع مفاهيم ومبادئ علمية وفكرية، وغالبًا ما تكون مرتبطة بالتعلم الرسمي أو غير الرسمي.

على سبيل المثال، عندما يتعلم الإنسان نظرية في الرياضيات أو في العلوم الطبيعية، فإنه يستخدم عقله لاستيعاب المفاهيم المعقدة ودمجها مع معرفته السابقة. هذا النوع من المعرفة يعتمد على المنطق والتفكير النقدي، وهو أساس للتطور العلمي والتكنولوجي في جميع المجالات.

رابعًا: المعرفة الخبرية (Experiential Knowledge)

المعرفة الخبرية هي المعرفة التي يتم اكتسابها من خلال التجربة العملية المباشرة. تختلف عن المعرفة الحسية في أنها تتعلق بتجارب الإنسان في الحياة اليومية التي تساهم في تشكيل خبراته العملية. هذه المعرفة تشمل الفهم الذي يكتسبه الفرد من خلال التفاعل المباشر مع المواقف والأحداث في حياته.

على سبيل المثال، عندما يتعلم الشخص كيفية القيادة أو كيفية إدارة مشروع من خلال الممارسة، فإنه يكتسب نوعًا من المعرفة التي لا يمكن تعلمها فقط عبر الكتب أو النظرية. هذه المعرفة تتطلب التفاعل مع البيئة وتعلم المهارات من خلال الفشل والنجاح، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من التطور الشخصي والمهني.

خامسًا: المعرفة التراكمية (Cumulative Knowledge)

المعرفة التراكمية هي تلك التي تبنى وتتراكم مع مرور الوقت. هي المعرفة التي تُكتسب من خلال تجميع المعلومات والخبرات على مر السنين. هذه المعرفة ليست فقط عبارة عن معلومات، بل هي مزيج من التجارب الشخصية والمهنية التي تتراكم لتشكل قاعدة معرفية يمكن الرجوع إليها لتوجيه القرارات واتخاذ الإجراءات.

على سبيل المثال، يمكن أن يكتسب الفرد معرفة تراكمية في مجال معين من خلال سنوات من العمل والبحث المستمر. فالمعرفة التراكمية تشكل جزءًا من التجارب المهنية الطويلة التي تساعد الفرد على اتخاذ قرارات أفضل استنادًا إلى ما تعلمه في الماضي.

سادسًا: المعرفة الضمنية (Implicit Knowledge)

المعرفة الضمنية هي المعرفة التي يمتلكها الإنسان ولكن لا يستطيع التعبير عنها بشكل واضح أو مفسر. هي معرفة غير قابلة للتوضيح بالكلمات في كثير من الأحيان، ولكنها تُمارس وتُطبق في الحياة اليومية. تعتمد هذه المعرفة على المهارات والتجارب التي يتم اكتسابها بشكل غير رسمي.

على سبيل المثال، الشخص الذي يمتلك مهارة القيادة القوية قد لا يستطيع وصف كافة التفاصيل الصغيرة التي تجعل من أسلوبه في القيادة فعالًا، ولكنه يكون قادرًا على القيادة بفعالية بناءً على هذه المعرفة الضمنية. المعرفة الضمنية تمثل جزءًا كبيرًا من المعرفة العملية التي يكتسبها الإنسان دون أن يكون بالضرورة واعيًا بكل جوانبها.

سابعًا: المعرفة الصريحة (Explicit Knowledge)

المعرفة الصريحة هي المعرفة التي يمكن توثيقها بشكل واضح وقابل للنقل، سواء عبر الكتب أو المقالات أو الندوات التعليمية. هذا النوع من المعرفة يتم تجميعه وتنظيمه بشكل يمكن للآخرين الوصول إليه بسهولة. غالبًا ما تكون هذه المعرفة متاحة عبر الوسائل الرسمية مثل الأكاديميات أو المؤسسات التعليمية.

على سبيل المثال، المواد الدراسية في المدارس والجامعات هي مثال على المعرفة الصريحة. كما أن الدلائل الإرشادية في الشركات أو قواعد البيانات العلمية تعتبر أيضًا جزءًا من هذه المعرفة. يمكن نقل هذه المعرفة من شخص لآخر بسهولة، وهي عادة ما تكون مرتبطة بمحتوى ملموس وموثق.

ثامنًا: المعرفة الاجتماعية (Social Knowledge)

المعرفة الاجتماعية تتعلق بالأنماط والسلوكيات التي تنشأ من التفاعل الاجتماعي بين الأفراد. هذه المعرفة تُكتسب من خلال الاندماج في المجتمع والثقافة، وهي تشمل المبادئ الاجتماعية، الأعراف، والقيم التي تحكم تفاعلات الأفراد في محيطهم الاجتماعي. تتأثر هذه المعرفة بالسياقات الثقافية والعلاقات الشخصية.

على سبيل المثال، فهم كيفية التعامل مع الآخرين في مواقف اجتماعية معينة أو معرفة كيفية العمل ضمن فريق هو نوع من المعرفة الاجتماعية. هذه المعرفة ضرورية لبناء العلاقات الإنسانية الناجحة داخل المجتمع أو مكان العمل.

تاسعًا: المعرفة المعيارية (Normative Knowledge)

المعرفة المعيارية هي المعرفة التي تتعلق بالقواعد والمعايير التي يُتوقع من الأفراد اتباعها في سياقات معينة. تشمل هذه المعرفة القيم الأخلاقية والقوانين والمبادئ التي توضح كيفية تصرف الأفراد في مجتمعاتهم أو في بيئات عملهم. يمكن أن تكون هذه المعايير اجتماعية أو قانونية أو ثقافية.

على سبيل المثال، معرفة القوانين التي تحكم حركة المرور أو قواعد السلوك في بيئة العمل هي معرفة معيارية. هذه المعرفة تُعتبر أساسية للحفاظ على النظام الاجتماعي والعدالة.

عاشرًا: المعرفة العملية (Practical Knowledge)

المعرفة العملية هي المعرفة التي تُستخدم في الحياة اليومية لمواجهة التحديات واتخاذ القرارات التي تتطلب حلولًا سريعة وفعالة. هذه المعرفة تُكتسب من خلال الخبرات اليومية والممارسات العملية التي يمر بها الفرد في حياته.

على سبيل المثال، تعلم كيفية إصلاح جهاز كهربائي معطل أو كيفية تنظيم وقت العمل بين الواجبات المنزلية والوظيفية يُعتبر نوعًا من المعرفة العملية. هذه المعرفة تكون ناتجة عن تجارب فردية وتُستخدم لحل المشكلات بشكل مباشر دون الحاجة إلى التعلم الأكاديمي المتخصص.

الخاتمة

المعرفة ليست مجرد تجمع للمعلومات، بل هي عملية ديناميكية تشمل مجموعة من الأنواع التي تختلف في طريقة اكتسابها واستخدامها. من المعرفة الفطرية إلى المعرفة العملية، من المعرفة الحسية إلى المعرفة المعيارية، تشكل المعرفة جميع جوانب حياتنا البشرية، وتساعدنا على التفاعل مع البيئة المحيطة بنا بشكل فعّال.