أنواع الصرع وأعراضه المختلفة

أنواع الصرع

يُعدّ الصرع من الاضطرابات العصبية المزمنة الأكثر شيوعًا في جميع أنحاء العالم، ويتصف بحدوث نوبات عصبية متكررة ناتجة عن تفريغ كهربائي غير طبيعي ومفاجئ في خلايا الدماغ. تختلف أنواع الصرع بشكل كبير حسب نمط النوبات، المسببات، موقع البؤرة الكهربائية في الدماغ، والعوامل الوراثية أو المكتسبة. لذا فإن تصنيف الصرع إلى أنواعه المختلفة يساعد بشكل كبير في التشخيص السليم ووضع خطة علاجية فعالة.

تم تطوير العديد من التصنيفات الطبية الحديثة للصرع، أبرزها تصنيف “الرابطة الدولية لمكافحة الصرع ILAE”، والتي تعتمد على وصف مفصل لطبيعة النوبات ونمط بدايتها والتغيرات الكهربائية المرافقة. ينقسم الصرع إلى نوعين رئيسيين هما: الصرع الجزئي (البؤري) والصرع العام، ويندرج تحت كل منهما مجموعة من الأنواع الفرعية التي تستند إلى آليات فسيولوجية وسريرية دقيقة.

أولًا: الصرع العام (Generalized Epilepsy)

يتسم الصرع العام بحدوث تفريغ كهربائي غير طبيعي في كامل الدماغ منذ بداية النوبة، ولا يقتصر على جزء معين منه. غالبًا ما يكون السبب وراثيًا، ويظهر في مرحلة الطفولة أو المراهقة. تتضمن أنواعه ما يلي:

1. نوبات الصرع التوترية الارتجاجية (Tonic-Clonic Seizures)

وتُعرف أيضًا بـ”نوبات الصرع الكبرى”، وهي من أكثر أشكال الصرع شهرة. تبدأ النوبة بمرحلة توترية يفقد فيها الشخص وعيه وتشتد عضلات جسمه، تليها مرحلة ارتجاجية تتميز بحركات اهتزازية متكررة. قد تستمر من 1 إلى 3 دقائق، يليها فترة خمول وارتباك ذهني قد تدوم لعدة ساعات.

2. نوبات الغياب (Absence Seizures)

تحدث غالبًا عند الأطفال وتتميز بفقدان مؤقت للوعي دون وجود تشنجات جسدية واضحة. قد يبدو المصاب وكأنه “شارِد” أو “منفصل عن الواقع” لبضع ثوانٍ، ثم يعود إلى حالته الطبيعية دون أن يدرك ما حدث.

3. نوبات الارتجاج العضلي (Myoclonic Seizures)

تُعرف بانقباضات عضلية سريعة ومفاجئة تحدث عادة في الذراعين أو الساقين أو الجذع. قد تكون هذه النوبات طفيفة أو قوية، وغالبًا ما تحدث صباحًا بعد الاستيقاظ.

4. نوبات التوتر العضلي (Tonic Seizures)

تتسم بتشنجات مفاجئة في العضلات تسبب تصلب الجسم، وغالبًا ما تؤدي إلى سقوط المريض على الأرض. تكون هذه النوبات قصيرة وتستمر لبضع ثوانٍ فقط.

5. نوبات الرخاوة العضلية (Atonic Seizures)

تتميز بفقدان مفاجئ لتوتر العضلات، مما يؤدي إلى سقوط المريض فجأة. تعرف هذه النوبات أحيانًا بـ”نوبات السقوط”، وقد تكون خطيرة بسبب خطر التعرض للإصابة الجسدية.

ثانيًا: الصرع الجزئي أو البؤري (Focal Epilepsy)

يحدث هذا النوع نتيجة اضطراب كهربائي في جزء محدد من الدماغ. يمكن أن تبقى النوبة في نفس البؤرة أو تنتشر إلى أجزاء أخرى. تتنوع الأعراض حسب موقع البؤرة العصبية وتشمل اضطرابات في الحركة، الإحساس، العاطفة، أو الوعي.

1. نوبات بؤرية بسيطة (Focal Aware Seizures)

في هذا النوع يكون المريض واعيًا ومدركًا لما يحدث أثناء النوبة. الأعراض تعتمد على منطقة الدماغ المصابة، وقد تشمل ارتعاش جزء من الجسم، أحاسيس غير طبيعية، أو اضطرابات بصرية وسمعية.

2. نوبات بؤرية مركبة (Focal Impaired Awareness Seizures)

يفقد المصاب وعيه جزئيًا أو كليًا خلال النوبة، ويؤدي سلوكيات غير معتادة كالمضغ أو الحركات التكرارية أو التحديق. تستمر النوبة عادة دقيقة إلى دقيقتين، ويتبعها مرحلة ارتباك.

3. نوبات بؤرية مع تعميم ثانوي (Focal to Bilateral Tonic-Clonic Seizures)

تبدأ النوبة في منطقة محددة من الدماغ ثم تنتشر لتشمل نصفي الدماغ، فتأخذ شكلًا شبيهًا بالنوبات التوترية الارتجاجية. تتطلب هذه النوبات معالجة دقيقة لضبط الانتشار.

ثالثًا: أنواع الصرع حسب المسببات

1. الصرع الوراثي (Genetic Epilepsy)

ينتج عن خلل جيني يؤثر على النشاط الكهربائي في الدماغ. غالبًا ما يكون لدى المرضى تاريخ عائلي لنوبات مشابهة. من الأمثلة: الصرع الطفولي الغيابي والصرع الرمعي الشبابي.

2. الصرع البنيوي أو الأيضي (Structural/Metabolic Epilepsy)

ينجم عن تشوهات في بنية الدماغ أو عمليات أيضية غير طبيعية، مثل:

• الأورام الدماغية

• تلف في الدماغ بعد إصابة أو جلطة

• التشوهات الخلقية في الفصوص الدماغية

• التهابات الجهاز العصبي المركزي مثل التهاب السحايا أو التهاب الدماغ

3. الصرع مجهول السبب (Unknown Epilepsy)

هو النوع الذي لا يمكن تحديد سببه بدقة حتى بعد إجراء الفحوصات العصبية والتصوير الطبي والتحاليل الوراثية. يشكل هذا النوع نسبة كبيرة من حالات الصرع.

رابعًا: متلازمات الصرع (Epilepsy Syndromes)

هي حالات تُشخص على أساس نمط محدد من النوبات، والعمر عند بدء الإصابة، والتخطيط الكهربائي للدماغ (EEG)، والاستجابة للعلاج. ومن أبرزها:

1. متلازمة لينوكس-غاستو (Lennox-Gastaut Syndrome)

تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة، وتتميز بتعدد أنواع النوبات وصعوبة السيطرة عليها. غالبًا ما ترتبط بتأخر عقلي ومشكلات سلوكية.

2. متلازمة ويست (West Syndrome)

تبدأ في السنة الأولى من العمر، وتتميز بتشنجات متكررة تعرف باسم “تشنجات الرُضّع”، وتترافق مع نمط كهربائي خاص على تخطيط الدماغ يسمى “الهيبساريتميا”.

3. الصرع الرمعي الشبابي (Juvenile Myoclonic Epilepsy)

يبدأ في سن المراهقة، ويتميز بنوبات رمع عضلي تحدث في الصباح، وقد تترافق مع نوبات غياب أو نوبات توترية ارتجاجية.

4. متلازمة درافيت (Dravet Syndrome)

حالة نادرة وشديدة تبدأ في الطفولة المبكرة، وتتميز بنوبات طويلة ومقاومة للأدوية، غالبًا ما تكون مرتبطة بحمى أو ارتفاع حرارة الجسم.

خامسًا: الجدول التوضيحي لأنواع الصرع

سادسًا: أهمية تحديد نوع الصرع

تشخيص النوع الدقيق للصرع يُعد خطوة أساسية لتحديد العلاج الأنسب وتقديم التوجيه السليم للمريض وأسرته. إذ تختلف خيارات العلاج الدوائي والجراحي بحسب النوع، كما أن بعض الأنواع تستجيب بشكل جيد لأدوية محددة بينما تكون أنواع أخرى مقاومة للدواء وتتطلب تدخلات أكثر تعقيدًا مثل الجراحة أو التحفيز العصبي.

سابعًا: الارتباط بالأمراض العصبية الأخرى

في بعض الحالات، يكون الصرع جزءًا من متلازمة عصبية أكبر تتضمن اضطرابات في التطور المعرفي، اضطرابات النوم، التوحد، أو التأخر اللغوي. وهذا يتطلب إشرافًا متعدد التخصصات يشمل أطباء الأعصاب، الأطفال، الطب النفسي، والتأهيل الوظيفي.

ثامنًا: الصرع الكامن والمحفزات

لا تظهر النوبات دائمًا بشكل تلقائي، بل قد تتطلب وجود محفزات لدى بعض المرضى، مثل:

• الحرمان من النوم

• التوتر النفسي

• الأضواء المتقطعة (في حالات الصرع البصري أو الحساس للضوء)

• التغيرات الهرمونية (خاصة لدى النساء)

• ارتفاع الحرارة أو الالتهابات

فهم هذه المحفزات يساعد على التحكم في عدد النوبات وتحسين نوعية الحياة.

المصادر والمراجع:

1. International League Against Epilepsy (ILAE) classification and terminology.

2. Epilepsy Foundation, www.epilepsy.com