الدافع: أنواعه، العوامل المؤثرة عليه، ودوره في السلوك

يُعدّ الدافع أحد أبرز المفاهيم الأساسية في علم النفس، وهو حجر الزاوية في تفسير السلوك الإنساني والحيواني على حدٍ سواء. من دون دافع، تفقد الأفعال معناها، وتضيع النية، ويندثر الهدف. فالدافع هو القوة المحركة وراء كل سلوك يصدر عن الكائن الحي، سواء أكان بسيطاً كتناول الطعام عند الجوع، أو معقداً كتحقيق التفوق الأكاديمي أو المهني. لا يُمكن فهم السلوك البشري فهماً عميقاً دون الوقوف على طبيعة الدافع، أنواعه، والعوامل التي تؤثر عليه.

أولاً: مفهوم الدافع

الدافع هو حالة داخلية تثير السلوك وتوجهه نحو هدف معين. يمكن اعتباره الوسيلة التي يستخدمها الإنسان أو الكائن الحي لتلبية حاجاته البيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية. وتُعرّف الدوافع بأنها قوى داخلية أو خارجية تُنشئ حالة من التوتر أو الحاجة، تدفع الكائن الحي إلى القيام بسلوك معين بهدف تقليل هذا التوتر أو إشباع الحاجة. ومن هذا المنظور، فإن كل سلوك له غاية، وكل غاية تستند إلى دافع ما.

ثانياً: أنواع الدوافع

تنقسم الدوافع إلى أنواع متعددة، ويُراعى في هذا التقسيم طبيعة المصدر (داخلي أو خارجي)، أو نوع الحاجة التي تُحرّك السلوك.

1. الدوافع البيولوجية (الفسيولوجية)

تُعرف أيضًا باسم الدوافع الأولية أو الفطرية، وهي التي تنبع من الاحتياجات الجسمانية، مثل الجوع، العطش، النوم، الجنس، والتنفس. تُعدّ هذه الدوافع أساسية لبقاء الكائن الحي، وتكون مشتركة بين الإنسان والحيوان. تتحكم فيها آليات عصبية وهورمونية دقيقة تُحافظ على التوازن الداخلي للجسم (الاستتباب – Homeostasis).

2. الدوافع النفسية

هي دوافع تنبع من حاجات نفسية داخلية، ولا ترتبط مباشرة بالبقاء الفيزيولوجي. من أبرزها:

• الحاجة إلى التقدير والاحترام: يسعى الإنسان إلى الشعور بالقيمة والاعتراف من قبل الآخرين.

• الحاجة إلى الإنجاز: الرغبة في التفوق والتميّز وتحقيق الأهداف.

• الحاجة إلى الانتماء: الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يسعى إلى الانتماء إلى جماعة أو مجتمع.

• الحاجة إلى الأمن: تتجلى في السعي إلى الاستقرار المادي والنفسي.

3. الدوافع الاجتماعية

تنشأ هذه الدوافع من تفاعل الفرد مع مجتمعه، وهي مكتسبة من البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، وتُصقل عبر التربية والتنشئة. وتشمل:

• الرغبة في المكانة الاجتماعية.

• حب السيطرة أو القيادة.

• التفاعل والتعاون مع الآخرين.

• التقليد والمحاكاة.

4. الدوافع الداخلية والخارجية

• الدوافع الداخلية: تصدر من داخل الفرد ذاته دون وجود حافز خارجي مباشر، مثل حب المعرفة أو الاستكشاف. هذه الدوافع غالباً ما تكون أكثر استدامة.

• الدوافع الخارجية: تحفز الفرد من خلال مكافآت أو ضغوطات خارجية، مثل الحصول على راتب أو تفادي العقاب.

ثالثاً: العوامل المؤثرة على الدافع

يتأثر الدافع بعدد من العوامل المعقدة والمتداخلة، منها ما هو بيولوجي، ومنها ما هو نفسي واجتماعي، ويمكن تفصيلها كما يلي:

1. العوامل الفسيولوجية

ترتبط بالحالة الصحية للفرد، كالتوازن الهرموني، نشاط الجهاز العصبي، حالة التغذية، والنوم. مثلاً، نقص السكر في الدم يؤدي إلى شعور قوي بالجوع، وبالتالي يحفز السلوك الغذائي.

2. العوامل النفسية

تشمل الخبرات الماضية، الاتجاهات، المعتقدات، ومفهوم الذات. شخص تعرض للفشل المتكرر في الماضي قد يُعاني من ضعف في الدافع نحو التحديات الجديدة.

3. العوامل الاجتماعية

البيئة المحيطة، الأسرة، المدرسة، الأصدقاء، الإعلام، والتقاليد كلها تُشكّل مصادر مهمة للدوافع الاجتماعية. على سبيل المثال، المجتمع الذي يُثمّن العلم يُشجّع أبناءه على الدراسة والتحصيل.

4. العوامل الثقافية

كل ثقافة تزرع أنماطاً معينة من الدوافع في نفوس أفرادها. ففي بعض الثقافات، يُعتبر العمل قيمة عليا، بينما في أخرى يُعطى الترفيه أو العلاقات الاجتماعية أولوية أكبر.

5. الشخصية

الخصائص الفردية، مثل الانبساط أو الانطواء، الحزم أو الخضوع، تؤثر في قوة الدافع ونوعيته. الشخص الطموح يسعى إلى الإنجاز، بينما الشخص المتردد قد يفتقر إلى الدافع الكافي للمبادرة.

رابعاً: دور الدافع في السلوك

الدافع لا يُعدّ مفسراً للسلوك فحسب، بل هو محرّكه وموجهه. ومن أبرز أدواره ما يلي:

1. تحفيز السلوك

يُحرّك الدافع الإنسان من حالة السكون إلى العمل. فمثلاً، دافع الجوع يُحرك الفرد للبحث عن الطعام، ودافع الإنجاز يدفعه إلى الدراسة أو العمل.

2. توجيه السلوك

لا يُحدد الدافع فقط أن يقوم الفرد بسلوك معين، بل أيضاً كيف يقوم به. فالرغبة في النجاح قد تدفع شخصين إلى اتباع مسارات مختلفة (أحدهما يجتهد، والآخر يغش).

3. استمرار السلوك

يساعد الدافع على المثابرة، فكلما كان الدافع قوياً، زادت قدرة الفرد على تحمل الصعوبات ومواصلة الجهد.

4. تنظيم الأولويات

الدوافع تُنظم الأهداف التي يسعى الإنسان لتحقيقها وفقاً لمستوياتها وأهميتها. فالجائع يُقدّم الطعام على الراحة، والطموح يُضحّي بالترفيه في سبيل الإنجاز.

5. تعزيز التعلم

يلعب الدافع دوراً محورياً في عمليات التعلم. الطالب الذي لديه دافع قوي للنجاح يتعلم بسرعة وفعالية أكثر.

خامساً: النظريات المفسرة للدوافع

قدم علماء النفس العديد من النظريات لفهم آلية عمل الدوافع، ومن أبرزها:

1. نظرية ماسلو للحاجات

اقترح “أبراهام ماسلو” تسلسلاً هرمياً للحاجات يبدأ بالحاجات الفسيولوجية، ثم حاجات الأمان، فالانتماء، ثم التقدير، وأخيراً تحقيق الذات. لا يتحقق المستوى الأعلى إلا بعد إشباع الأدنى.

2. نظرية العزو (Attribution Theory)

تشرح كيف يُعزو الأفراد أسباب نجاحاتهم أو إخفاقاتهم، وهذا يؤثر على دوافعهم. مثلاً، إذا اعتقد الفرد أن فشله يعود لأسباب خارجة عن إرادته، ينخفض دافعه.

3. نظرية التحفيز الذاتي (Self-Determination Theory)

تُميز بين الدوافع الذاتية والخارجية، وتؤكد على أهمية تلبية ثلاث حاجات نفسية أساسية: الكفاءة، الاستقلالية، والانتماء، لتحقيق دافع مستدام وإيجابي.

4. نظرية التوقع (Expectancy Theory)

تفترض أن السلوك مدفوع بتوقع الفرد بأن جهده سيؤدي إلى أداء جيد، وهذا الأداء سيقود إلى نتائج مُجزية. إذا انخفض هذا التوقع، انخفض الدافع.

سادساً: قياس الدافع

تُستخدم أدوات مختلفة لقياس الدوافع، منها:

• الاختبارات النفسية: كاختبار مقياس دافع الإنجاز.

• المقابلات الشخصية: تُستخدم لاستكشاف الدوافع العميقة.

• الملاحظة السلوكية: تحليل الأنماط السلوكية لمعرفة الدوافع الكامنة.

• الاستبيانات: تُستخدم على نطاق واسع في البحوث الميدانية.

سابعاً: تطبيقات الدوافع في الحياة اليومية

يُعتبر فهم الدوافع أساساً للنجاح في عدة مجالات:

1. في التعليم

المعلم الذي يُدرك دوافع طلابه يستطيع استخدام استراتيجيات تعليمية محفّزة مثل التعلم التعاوني أو الألعاب التعليمية.

2. في الإدارة

المدير الناجح هو الذي يُحفّز موظفيه من خلال تقديم المكافآت المناسبة، وتحقيق التقدير، وتوفير بيئة عمل تحترم الطموح.

3. في علم النفس العلاجي

يُستخدم فهم الدوافع في العلاج النفسي لتحليل السلوكيات غير السوية، ومعرفة ما إذا كانت ناجمة عن دافع مكبوت أو محبط.

4. في التسويق

يلعب علم الدوافع دوراً مهماً في فهم سلوك المستهلك. فالدافع للظهور الاجتماعي مثلاً، يدفع بعض الأفراد لشراء منتجات فاخرة.

ثامناً: الفرق بين الدافع والحافز

يخلط البعض بين الدافع والحافز. الدافع حالة داخلية تنبع من الحاجة، بينما الحافز هو عامل خارجي يستثير الدافع. مثلاً، العطش دافع داخلي، أما رؤية كوب ماء بارد فهو حافز خارجي.

تاسعاً: التفاعل بين الدوافع المتعددة

نادراً ما يكون السلوك نتيجة دافع واحد فقط، بل غالباً ما تتفاعل دوافع متعددة في نفس الوقت، مما يُعقّد اتخاذ القرار. فعلى سبيل المثال، قد يتصارع دافع النجاح مع دافع الراحة، أو يتعارض دافع الانتماء مع دافع الاستقلالية.

عاشراً: الدافع والذكاء العاطفي

يرتبط الدافع ارتباطاً وثيقاً بالذكاء العاطفي، خاصة في جانب التحفيز الذاتي، وهو القدرة على دفع النفس نحو الإنجاز حتى في غياب المكافآت المباشرة. الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي المرتفع عادة ما يكون لديهم دافع داخلي قوي، ويستطيعون التحكم في رغباتهم الآنية في سبيل أهداف طويلة المدى.

جدول مقارنة بين أنواع الدوافع