4 علامات تدل على أنك تتعرض إلى الإيجابية السامة في عملك
تُعد الإيجابية السامة أحد المفاهيم الحديثة التي بدأ يتداولها في عالم الأعمال والبيئة المهنية بشكل متزايد. وتعبّر هذه الظاهرة عن بيئة أو ثقافة عمل تُشجع على التوقعات المفرطة والإيجابية التي تتجاوز الواقع أو تُجرّم المشاعر السلبية الطبيعية. قد تبدو بيئة العمل التي تعزز الإيجابية السامة للوهلة الأولى بيئة مشجعة ومحفزة، لكن سرعان ما يكتشف الموظفون أن تلك الإيجابية قد تكون مدعاة للمشاكل والتوترات النفسية. في هذا المقال، سنتناول أبرز 4 علامات تدل على أنك تتعرض إلى الإيجابية السامة في عملك وكيفية التعامل معها.
1. تجاهل المشاعر السلبية والتقليل من أهميتها
في بيئات العمل التي تشهد تأثيرات الإيجابية السامة، يُشجع الموظفون على كبت مشاعرهم السلبية أو على التظاهر بأنها غير موجودة. قد يُقال لهم بشكل غير مباشر أو علني أن عليهم “التفكير بشكل إيجابي” أو “الابتسام في جميع الأوقات”، حتى عندما تكون الظروف صعبة أو مرهقة. هذا التوجه يجعل الموظف يشعر أن أي مشاعر مثل الإحباط، الغضب، أو التعب هي مشاعر غير مقبولة أو حتى ضعيفة. نتيجة لذلك، يتم تجنب مناقشة القضايا الحقيقية أو التحديات التي قد تواجه الموظف، ويُنظر إلى أي انتقاد أو شكوى على أنها شيء غير مرغوب فيه.
النتيجة هي بيئة عمل تُخفي وراءها التوترات والمشاكل الفعلية التي قد تؤثر على الإنتاجية والرفاهية النفسية للموظف. يصبح الموظف في هذه الحالة غير قادر على التعبير عن مشاعره أو التحدث عن مشاكله بشكل صريح، مما يزيد من مشاعر العزلة والقلق.
2. التوقعات غير الواقعية والمفرطة في العمل
تُعد التوقعات غير الواقعية واحدة من أكثر علامات الإيجابية السامة وضوحًا في بيئات العمل. في هذه البيئة، قد يتم التشجيع بشكل مبالغ فيه على أن يكون الموظف دائمًا في قمة أدائه، مع التوقعات بتحقيق النتائج المتميزة طوال الوقت، بغض النظر عن الظروف المحيطة أو التحديات اليومية. يرافق ذلك عادة ترويج لفكرة أن العمل يجب أن يكون هو الأولوية في حياة الشخص، وأن أي محاولة للراحة أو التوازن بين العمل والحياة الشخصية هي أمر غير مقبول أو يتعارض مع القيم المؤسسية.
هذا النوع من الضغط يمكن أن يؤدي إلى شعور الموظف بالاستنزاف التام، حيث يتحمل عبئًا غير متناسب من المسؤوليات دون أن يكون لديه الوقت الكافي للاهتمام بصحته النفسية أو البدنية. ومع مرور الوقت، قد يتسبب هذا الضغط المستمر في تراجع الأداء وعدم القدرة على الوفاء بالتوقعات بشكل مستدام، مما يزيد من مشاعر العجز والإحباط.
3. التشجيع على “التظاهر بالقوة” والظهور بشكل مثالي
في ثقافة العمل التي تروج للإيجابية السامة، يُشجع الموظفون على إظهار صورة مثالية عن أنفسهم باستمرار. قد يُطلب منهم إخفاء أي ضعف أو مشاكل صحية عقلية، والتركيز فقط على إظهار الجانب القوي والمثالي في شخصيتهم. وهذا يمكن أن يظهر في العديد من الأشكال، بدءًا من صور النجاح المبالغ فيها على وسائل التواصل الاجتماعي داخل بيئة العمل وصولًا إلى ترويج فكرة أن النجاح هو نتاج عمل شاق دون أي فترات راحة أو توازن.
هذه الممارسات قد تكون ضارة للغاية، حيث يشعر الموظف أنه ملزم بالمحافظة على صورة مثالية حتى لو كانت تكلفته كبيرة على المستوى النفسي. ينتج عن ذلك نوع من “التظاهر بالقوة” الذي يمكن أن يساهم في تطوير مشاعر الوحدة والاكتئاب لدى الأفراد الذين لا يستطيعون التوفيق بين حياتهم الشخصية وحياة العمل المثالية التي يُتوقع منهم إظهارها.
4. الإغفال عن الحاجة إلى الدعم النفسي والموارد المناسبة
إحدى أكبر علامات الإيجابية السامة في العمل هي إغفال حاجة الموظفين إلى الدعم النفسي. في بيئات العمل التي تتسم بالإيجابية السامة، يتم تقليل أهمية الدعم النفسي أو العاطفي، ويُنظر إلى أي طلب للمساعدة النفسية على أنه علامة على الضعف. قد لا توفر هذه البيئات موارد كافية للمساعدة في التعامل مع التحديات النفسية أو الاجتماعية، مثل جلسات المشورة النفسية أو التدريبات على إدارة التوتر.
بالإضافة إلى ذلك، قد يُعتبر الموظف الذي يطلب الدعم النفسي أو يعبّر عن معاناته النفسية شخصًا غير قادر على التكيف مع ضغوط العمل. يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة الضغوط على الموظفين، الذين يشعرون بأنهم مجبرون على “التحمل” دون أن يكون لديهم الأدوات أو الموارد التي يحتاجونها للتعامل مع هذه الضغوط بشكل صحي.
تأثيرات الإيجابية السامة على بيئة العمل
إن تأثير الإيجابية السامة لا يقتصر فقط على الموظف الفردي، بل يمتد ليؤثر على بيئة العمل بشكل عام. ففي بيئات العمل التي تشهد هذه الظاهرة، قد تنشأ مشكلات كبيرة على المدى البعيد، مثل تراجع الولاء المؤسسي، وزيادة معدلات التوتر والاكتئاب بين الموظفين، فضلاً عن تراجع الأداء الجماعي. الموظفون الذين لا يستطيعون التعبير عن مخاوفهم أو معاناتهم النفسية قد يشعرون أنهم لا يستطيعون التكيف مع بيئة العمل، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التوظيف أو الاستقالة.
من ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي الإيجابية السامة إلى خلق جو من التنافس غير الصحي بين الموظفين، حيث يسعى الجميع إلى الظهور بشكل مثالي بدلاً من التعاون والعمل الجماعي. يؤدي ذلك إلى بيئة عمل مشحونة بالمشاعر السلبية والضغط المستمر، مما يؤثر على الإنتاجية بشكل كبير.
كيفية التعامل مع الإيجابية السامة في بيئة العمل
إذا كنت تجد نفسك في بيئة عمل تشهد تأثيرات الإيجابية السامة، فإنه من المهم أن تبدأ في اتخاذ خطوات لتحديد هذه الظاهرة والتعامل معها بشكل فعال. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن تساعدك على التغلب على هذه التحديات:
-
الاعتراف بمشاعرك وتحديد حدودك: من الضروري أن تدرك مشاعرك وأن تكون قادرًا على تحديد حدودك في العمل. لا تدع ضغوط الإيجابية السامة تجعلك تشعر بالذنب أو العجز عندما تكون في حالة غير جيدة عاطفيًا أو نفسيًا.
-
البحث عن الدعم الخارجي: في حالة عدم توفر الدعم الكافي في بيئة العمل، يمكن البحث عن مشورة خارجية من مختصين في الصحة النفسية. يمكن أن يساعدك العلاج النفسي أو مجموعات الدعم في التغلب على تأثيرات التوتر والضغط النفسي.
-
التواصل الفعّال مع الزملاء والمديرين: إذا كان ذلك ممكنًا، حاول فتح حوار مع زملائك أو مديرك حول أهمية الراحة والتوازن بين العمل والحياة الشخصية. من المهم أن يكون هناك وعي داخل الفريق أو المؤسسة حول أثر الضغط النفسي على الصحة العامة.
-
الاعتناء بالصحة النفسية والجسدية: من الأمور الأساسية في مواجهة الإيجابية السامة أن تعتني بصحتك النفسية والجسدية. خصص وقتًا للراحة، وابحث عن الأنشطة التي تساعدك على تخفيف التوتر والضغوط النفسية.
الخلاصة
إن الإيجابية السامة في بيئة العمل ليست مجرد ظاهرة سطحية بل هي مشكلة عميقة قد تؤثر بشكل كبير على رفاهية الموظفين وجودة أدائهم. من خلال التعرف على علامات هذه الظاهرة واتخاذ خطوات للتعامل معها، يمكن للموظفين إنشاء بيئة عمل أكثر صحة وإيجابية.
