أنواع التحيزات المعرفية وتأثيرها

9 أنواع للتحيزات المعرفية التي تؤثر في أحكامنا اليومية

في عالم مليء بالمعلومات والتحديات المستمرة، نحن كبشر نواجه بشكل دائم قرارات وأحكامًا يجب أن نتخذها في حياتنا اليومية. ولكن، للأسف، تلك الأحكام لا تتم دائمًا استنادًا إلى عقلانية بحتة أو منطق سليم. في الواقع، يتأثر الكثير منها بتحيزات معرفية تجعلنا نخطئ في تقدير الواقع أو نأخذ قرارات غير متوازنة. في هذا المقال، سنتناول تسعة أنواع من التحيزات المعرفية التي تؤثر بشكل كبير في أحكامنا اليومية وتحدد كيفية تفاعلنا مع العالم من حولنا.

1. تحيز التأكيد (Confirmation Bias)

من أبسط التحيزات المعرفية وأكثرها شيوعًا هو “تحيز التأكيد”. هذا التحيز يحدث عندما يقوم الفرد بالبحث عن معلومات تدعم معتقداته أو آراءه الحالية، متجاهلاً أو تقليص أهمية المعلومات التي قد تتناقض معها. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يؤمن بأن تناول نوع معين من الطعام ضار بالصحة، فإنه سيكون أكثر عرضة للبحث عن دراسات تؤكد هذا الرأي وتجاهل أي دراسة تظهر فوائد هذا الطعام. هذه الظاهرة تمنع الشخص من الوصول إلى أحكام دقيقة ومتوازنة.

2. تحيز الأحدث (Recency Bias)

تحيز الأحدث هو ميل الأفراد إلى إعطاء قيمة أكبر للأحداث أو المعلومات الحديثة أو الأخيرة التي مروا بها أو تعرضوا لها. هذه الظاهرة تؤثر على أحكامنا اليومية بشكل كبير، خاصة عندما نقوم بتقييم تجاربنا أو الأشخاص من خلال آخر شيء حدث. على سبيل المثال، إذا كان شخص قد عانى من تجربة سيئة في مطعم معين، فقد يظل يتذكر هذه التجربة ويعطيها وزنًا أكبر عند اتخاذ قرار بشأن زيارة هذا المطعم مرة أخرى، بغض النظر عن تجاربه السابقة.

3. تحيز الصواب (Anchoring Bias)

يشير “تحيز الصواب” إلى اعتماد الشخص بشكل مفرط على المعلومة الأولى التي يحصل عليها (والمعروفة بالمعلومة الأساسية أو “المرساة”) عند اتخاذ قرار. على سبيل المثال، إذا كنت قد شاهدت لأول مرة سعر منتج معين في متجر ما وكان السعر 100 دولار، فإنك سترتبط ذهنيًا بهذا السعر، حتى إذا تم تخفيض السعر لاحقًا إلى 70 دولارًا. بالرغم من أن السعر الجديد يعد صفقة جيدة، فإن المعلومة الأولى تظل “مرساة” في ذهنك، مما يؤثر في تقييمك النهائي.

4. تحيز التفاؤل (Optimism Bias)

تحيز التفاؤل هو الميل إلى الاعتقاد أن الأمور ستسير دائمًا بشكل جيد أو أكثر إيجابية مما هي عليه في الواقع. في حين أن التفاؤل له فوائد في تعزيز الصحة النفسية وتحفيز الأفراد، إلا أنه قد يؤدي أيضًا إلى تجاهل المخاطر أو اتخاذ قرارات غير مدروسة. على سبيل المثال، قد يعتقد شخص أنه سيكون قادرًا على إنهاء عمله في الوقت المحدد على الرغم من أنه يعرف أن هناك الكثير من العقبات التي قد تواجهه. هذا التحيز قد يؤدي إلى الفشل في التخطيط بشكل كافٍ أو تحضير أنفسنا لتحديات قد تطرأ.

5. تحيز الهوية الاجتماعية (In-group Bias)

تحيز الهوية الاجتماعية هو ميل الأفراد إلى تفضيل المجموعة التي ينتمون إليها على المجموعات الأخرى. هذا التحيز يتجلى في الانحياز تجاه أفراد المجموعة الخاصة بنا – سواء كانت جماعة عرقية، دينية، سياسية أو حتى رياضية. نتيجة لهذا التحيز، يصبح الشخص أكثر ميلًا لتبرير أفعال أو قرارات المجموعة التي ينتمي إليها، حتى إذا كانت تلك الأفعال غير عادلة أو غير منطقية. هذا التحيز يمكن أن يؤدي إلى تحقير المجموعات الأخرى أو فرض أحكام ظالمة بناءً على الانتماءات الشخصية.

6. تحيز التوزيع (Attribution Bias)

تحيز التوزيع يتعلق بكيفية تفسيرنا لأفعالنا وأفعال الآخرين. عندما يحدث شيء سلبي لنا، غالبًا ما نميل إلى إلقاء اللوم على الظروف الخارجية أو على الأشخاص الآخرين. في المقابل، عندما يرتكب شخص آخر نفس الخطأ، فإننا غالبًا ما نميل إلى نسب هذا الخطأ إلى شخصيته أو طبيعته. هذا التحيز يمكن أن يعزز العداء أو الفهم الخاطئ بين الأفراد.

7. تحيز الإشباع (Sunk Cost Fallacy)

تحيز الإشباع يحدث عندما يتخذ الفرد قرارات بناءً على التكاليف السابقة التي لا يمكن استردادها، بدلاً من التركيز على العوائد المستقبلية. ببساطة، عندما ينفق شخص وقتًا أو مالًا كبيرًا على مشروع أو استثمار لم يعد مجديًا، فإنه قد يستمر في المشروع فقط لأنه لا يريد الاعتراف بالخسارة، حتى إذا كانت الاستمرار في هذا المشروع سيزيد من الخسائر. هذا التحيز يمكن أن يؤدي إلى إهدار المزيد من الموارد في مشروع غير مجدي.

8. تحيز التوفر (Availability Bias)

تحيز التوفر هو ميل الإنسان إلى تقدير حدوث شيء بناءً على مدى سهولة تذكر حالات مشابهة له. فكلما كانت الأحداث أو المعلومات أكثر توافرًا في الذاكرة، كلما اعتقد الشخص أنها أكثر احتمالًا. على سبيل المثال، إذا كان شخص قد شاهد الكثير من الأخبار عن حوادث الطائرات في وسائل الإعلام، فإنه قد يعتقد أن السفر بالطائرة أكثر خطورة مما هو عليه في الواقع، حتى إذا كانت الإحصائيات تشير إلى أن السفر بالطائرة هو من أأمن وسائل النقل.

9. تحيز القائد (Authority Bias)

تحيز القائد يحدث عندما نميل إلى قبول أو تصديق آراء الأشخاص الذين يشغلون مناصب السلطة أو الخبرة، حتى عندما تكون تلك الآراء غير دقيقة أو غير مبررة. نرى هذا التحيز بشكل شائع في مجالات مثل السياسة أو التعليم أو العمل، حيث يُعتبر رأي القائد أو الخبير ذا قيمة عالية بغض النظر عن صحته. على سبيل المثال، إذا قال طبيب أن دواءً معينًا مفيد، فإن كثيرًا من المرضى سيقبلون ذلك دون التحقق من الأدلة أو البحث بأنفسهم.

تأثير التحيزات المعرفية في اتخاذ القرارات اليومية

تأثير التحيزات المعرفية يظهر بشكل واضح في الكثير من قراراتنا اليومية. سواء كان ذلك في تقييمنا للأشخاص أو في اتخاذ قرارات مالية أو حتى في طريقة تعاملنا مع الأخبار والمعلومات التي نلتقطها. التحيزات المعرفية قد تؤدي إلى أخطاء في التقدير، مما يؤثر سلبًا على قدرتنا على اتخاذ قرارات مستنيرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعزز هذه التحيزات المواقف السلبية مثل الاستقطاب الاجتماعي أو الحروب النفسية التي تؤثر على مجتمعنا بشكل عام.

من المهم أن نكون على دراية بتلك التحيزات التي تؤثر في تصرفاتنا وأحكامنا اليومية لكي نتمكن من تقليل تأثيرها على قراراتنا. التعرف على هذه التحيزات والعمل على معالجتها يمكن أن يساعدنا في اتخاذ قرارات أكثر عقلانية وتحقيق نتائج أفضل في حياتنا الشخصية والمهنية.

الخاتمة

إن التحيزات المعرفية هي جزء لا يتجزأ من الطريقة التي يعمل بها الدماغ البشري في معالجة المعلومات واتخاذ القرارات. بينما تساهم هذه التحيزات في تسريع عملية التفكير وتقليل العبء المعرفي، فإنها في نفس الوقت قد تؤدي إلى تحريف الحقيقة واتخاذ قرارات غير منطقية. من خلال زيادة الوعي بهذه التحيزات، يمكننا تطوير استراتيجيات للتعامل معها بشكل أفضل وتحقيق قدر أكبر من الموضوعية في قراراتنا اليومية.