متى يبدأ تسنين الأطفال: دليل شامل لفهم مراحل التسنين ومظاهره

يُعد التسنين أحد أبرز المعالم الحيوية في النمو الطبيعي للطفل، ويُشكّل علامة فارقة في تطوّر الجهاز الفموي والعضلي والعصبي لديه. هذه المرحلة لا تقتصر على مجرد بروز الأسنان في الفم، بل تشمل سلسلة معقدة من التغيرات الفسيولوجية والسلوكية التي تتطلب فهماً دقيقاً من قبل الوالدين ومقدّمي الرعاية. تبدأ رحلة التسنين عادةً خلال السنة الأولى من حياة الطفل، إلا أن توقيت ظهور الأسنان وعددها ومظاهرها قد تختلف من طفل إلى آخر تبعًا لعوامل وراثية وصحية وبيئية.

يشكل هذا المقال مرجعاً علمياً شاملاً يغطي جميع جوانب التسنين لدى الأطفال بدءًا من وقت بدايته، مرورا بمراحله ومظاهره الشائعة، ووصولاً إلى نصائح طبية لرعاية صحة فم الطفل خلال هذه الفترة، مع مراعاة أحدث الدراسات والمراجع الطبية المتخصصة في طب الأطفال وطب الأسنان.

الجدول الزمني لظهور الأسنان اللبنية

يبدأ التسنين عند معظم الأطفال في الفترة ما بين عمر 4 إلى 7 أشهر، إلا أن هذا التوقيت لا يُعد قاعدة صارمة، حيث يمكن أن يبدأ لدى البعض في عمر 3 أشهر أو يتأخر حتى 12 شهراً. ويتفاوت ترتيب ظهور الأسنان من طفل لآخر، غير أن الجدول التالي يعرض الترتيب الزمني النموذجي لظهور الأسنان اللبنية:

بحلول عمر 3 سنوات، يكون لدى معظم الأطفال 20 سنًا لبنيًا موزعة بشكل متساوٍ على الفكين العلوي والسفلي.

المظاهر الفسيولوجية والسلوكية المصاحبة للتسنين

لا يقتصر التسنين على ظهور الأسنان فقط، بل يرافقه عدد من العلامات والأعراض الفسيولوجية التي تنعكس على سلوك الطفل ونمط حياته اليومية. ومن أبرز هذه الأعراض:

زيادة إفراز اللعاب

تُعتبر زيادة إفراز اللعاب من أولى العلامات الدالة على بدء مرحلة التسنين. وقد يلاحظ الأهل تدفق اللعاب بشكل مفرط من فم الطفل، ما قد يؤدي إلى حدوث تهيج في الجلد المحيط بالفم نتيجة الرطوبة المستمرة.

العض والمضغ المستمر

غالباً ما يلجأ الطفل إلى عضّ الأصابع أو الألعاب أو حتى حلمات الرضاعة كوسيلة لتخفيف الضغط والاحتكاك الناجمين عن بروز الأسنان من تحت اللثة. ويُعتبر هذا التصرف استجابة طبيعية للشعور بالحكة أو الانزعاج في اللثة.

التهيج والانزعاج

يميل العديد من الأطفال إلى التهيج المفرط والبكاء المتكرر أثناء مرحلة التسنين، لا سيّما عند بداية بروز الأسنان الأولى. ويعود ذلك إلى الالتهاب الموضعي في اللثة والألم الناتج عن تمزق نسيجها لتسمح بظهور الأسنان.

اضطرابات النوم

من الأعراض الشائعة أيضًا تقطع النوم أو صعوبته أثناء الليل بسبب الألم أو الانزعاج في اللثة، ما يؤثر سلبًا على نمط النوم العام للطفل.

فقدان الشهية المؤقت

قد يرفض الطفل تناول الطعام أو الرضاعة نتيجة للألم أو الضغط الناتج عن التسنين، لا سيّما في حال ظهور الأسنان الخلفية التي تؤثر على حركة الفم أثناء المضغ أو المص.

عوامل تؤثر على توقيت التسنين

تختلف بداية التسنين ومراحله بين الأطفال تبعًا لعدة عوامل بيولوجية وبيئية، أبرزها:

العامل الوراثي

يلعب العامل الوراثي دورًا محوريًا في تحديد موعد التسنين، حيث يُلاحظ غالبًا أن الأطفال يتبعون نمطًا مشابهًا لما حصل مع والديهم عند مرحلة التسنين.

الجنس

تشير بعض الدراسات إلى أن الفتيات غالبًا ما يبدأن التسنين في وقت أبكر من الذكور، على الرغم من أن هذا الاختلاف ليس قاطعًا.

الحالة التغذوية

تؤثر التغذية بشكل مباشر على النمو العام للطفل، بما في ذلك تطور الأسنان. النقص في بعض العناصر مثل الكالسيوم وفيتامين D قد يؤدي إلى تأخر التسنين أو تشوه في بنية الأسنان.

العوامل المرضية

بعض الحالات الصحية مثل قصور الغدة الدرقية، متلازمة داون، أو تأخر النمو العام قد تؤدي إلى تأخر ملحوظ في التسنين.

الفروقات بين التسنين الطبيعي وغير الطبيعي

على الرغم من أن تأخر أو تقدم التسنين قد يكون طبيعيًا في معظم الحالات، إلا أن بعض العلامات قد تستدعي الانتباه والتدخل الطبي. من ضمن هذه العلامات:

• غياب تام لأي سن بعد عمر 15 شهرًا.

• ظهور أسنان عند الولادة (أسنان ولادية)، وهي حالات نادرة.

• ظهور الأسنان بترتيب غير تقليدي يرافقه تشوه أو تغير في لون السن.

• ألم شديد مصحوب بارتفاع حرارة الجسم لأكثر من 38.5 درجة مئوية دون سبب واضح.

كيف يمكن التخفيف من أعراض التسنين؟

رعاية الطفل خلال فترة التسنين تتطلب مراعاة مجموعة من الإجراءات التي تساعد في تخفيف الأعراض وتحسين راحته:

تدليك اللثة

يمكن تدليك لثة الطفل بلطف باستخدام إصبع نظيف أو قطعة شاش مبللة لتخفيف الألم وتسهيل بروز السن.

استخدام العضاضات المبردة

توفر العضاضات المبردة راحة موضعية بفضل تأثير البرودة، وينصح باستخدامها بعد تعقيمها جيدًا، دون تجميدها بشكل مفرط لتجنب ضرر الأنسجة الفموية.

العناية الفموية المبكرة

من الضروري تنظيف فم الطفل يوميًا باستخدام قطعة قماش نظيفة أو فرشاة أسنان خاصة بالرضع بمجرد ظهور أول سن، وذلك لمنع تراكم البكتيريا وبداية التسوس المبكر.

أدوية تخفيف الألم

في بعض الحالات الشديدة، يمكن استخدام مسكنات ألم مثل الباراسيتامول بجرعات محددة حسب توصية الطبيب، مع تجنب استخدام جِلّات التسنين المحتوية على “البنزوكائين” لدى الأطفال دون سنتين حسب توصيات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).

التسوس المبكر للأسنان اللبنية

الأسنان اللبنية، رغم أنها مؤقتة، تلعب دورًا حيويًا في تغذية الطفل وتطوّر نطقه وحركة فكه. ويمكن أن تتعرض هذه الأسنان للتسوس بسبب الإفراط في تناول السكريات أو بسبب الرضاعة المستمرة ليلًا. ومن هنا تبرز أهمية الحفاظ على نظافة الفم منذ اللحظة الأولى لظهور الأسنان.

وقد بينت الأبحاث أن تسوس الأسنان اللبنية يُعد من أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا لدى الأطفال حول العالم، وأنه يرتبط بمضاعفات تشمل ألم الفم، فقدان الوزن، صعوبة المضغ، وضعف التركيز والنمو.

الأهمية التطورية للأسنان اللبنية

تمتد أهمية الأسنان اللبنية إلى ما هو أبعد من كونها وسيلة لمضغ الطعام، حيث إنها:

• تُساهم في تشكيل ووضوح الكلام.

• تحافظ على أماكن الأسنان الدائمة القادمة.

• تدعم نمو العظام والعضلات الفكية بشكل سليم.

• تؤثر على مظهر الوجه وبنية الفك السفلي والعلوي.

وفي حال فقدان أي من الأسنان اللبنية مبكرًا بسبب التسوس أو الرضوض، قد يتعرض الطفل لاختلال في ترتيب الأسنان المستقبلية أو مشاكل في نمو الفكين.

متى تبدأ الأسنان الدائمة بالظهور؟

تبدأ عملية استبدال الأسنان اللبنية بالدائمة غالبًا في عمر 6 سنوات، حيث تبدأ القواطع الأمامية العلوية والسفلية بالسقوط لتحل محلها الأسنان الدائمة، وهي عملية تدريجية تستمر حتى عمر 12-13 سنة. وفي سن الـ17 إلى 25 قد تظهر “ضروس العقل” التي تُعتبر جزءاً من المجموعة الدائمة.

الخلاصة

تمثل مرحلة التسنين محطة جوهرية في مسار النمو الطبيعي للطفل، وهي فترة تتطلب وعيًا صحيًا ومتابعة دقيقة من الوالدين والأطباء المختصين. تبدأ عادة بين الشهر الرابع والسابع، وقد تتفاوت مظاهرها حسب العوامل الوراثية والتغذوية. يرافقها العديد من الأعراض الفسيولوجية والسلوكية التي تحتاج إلى تعامل دقيق، ورعاية خاصة لضمان النمو الفموي السليم وصحة الأسنان مستقبلاً.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics. (2022). Caring for Your Baby and Young Child: Birth to Age 5. American Academy of Pediatrics.

2. Mayo Clinic. (2023). “Teething: Symptoms and remedies”. https://www.mayoclinic.org