أنواع الأعاصير وأثرها البيئي

أنواع الأعاصير

تُعد الأعاصير من أخطر الظواهر الطبيعية التي تواجه الإنسان، لما تحمله من قوة تدميرية هائلة تؤثر على البنية التحتية، وتُخلّف خسائر بشرية واقتصادية جسيمة. تمتد جذور دراسة الأعاصير إلى قرون طويلة من الرصد والتحليل المناخي، وتُصنّف الأعاصير إلى أنواع متعددة تختلف من حيث نشأتها، سرعتها، شكلها، ومدى تأثيرها على البيئة والإنسان. وتكمن أهمية التمييز بين أنواع الأعاصير في تحسين سبل التنبؤ بها، ورفع كفاءة التدخل الوقائي وتقليل المخاطر.

هذا المقال يُقدّم دراسة موسعة لأهم أنواع الأعاصير، ويشرح خصائصها الديناميكية والفيزيائية، وسياقات تشكلها، وتأثيراتها البيئية والإنسانية، مع اعتماد تصنيفات معتمدة في الأوساط العلمية والمناخية.

أولاً: مفهوم الإعصار

الإعصار هو اضطراب جوي يتميز بوجود نظام مغلق من الرياح الدوارة حول مركز منخفض الضغط. تختلف الأعاصير من حيث شدتها وأماكن ظهورها ومسبباتها، وتُرافقها ظواهر طبيعية أخرى مثل الأمطار الغزيرة، الرعد، البرق، والفيضانات المفاجئة. تنشأ الأعاصير نتيجة تفاعل معقد بين حرارة سطح الأرض، والرطوبة الجوية، وحركة الرياح في طبقات الغلاف الجوي العليا.

ثانياً: التصنيف الرئيسي لأنواع الأعاصير

تُصنّف الأعاصير إلى عدة أنواع رئيسية وفقاً للخصائص البنيوية والديناميكية لها، وهي:

1. الأعاصير المدارية (Tropical Cyclones)

هي أعاصير تتكون فوق المحيطات المدارية الدافئة، وتُعرف بأسماء مختلفة حسب المنطقة الجغرافية:

• الإعصار (Cyclone): يُستخدم المصطلح في المحيط الهندي وجنوب غرب المحيط الهادئ.

• الهاريكين (Hurricane): في المحيط الأطلسي وشمال شرق المحيط الهادئ.

• التيفون (Typhoon): في شمال غرب المحيط الهادئ.

تتسم هذه الأعاصير بقوة رياحها التي قد تتجاوز 250 كم/ساعة، وتترافق مع أمطار غزيرة وعواصف مدمّرة. تعتمد شدتها على تصنيف “سافير–سمبسون” الذي يُقسّمها إلى خمس درجات.

جدول تصنيف الأعاصير المدارية وفق مقياس سافير–سمبسون:

2. الأعاصير القمعية (Tornadoes)

الأعاصير القمعية هي دوامات هوائية عنيفة تتشكل غالباً خلال العواصف الرعدية القوية، وتتميز بعمود دوّار من الهواء يمتد من قاعدة السحب إلى سطح الأرض. تُعد من أكثر الأعاصير خطورة على الإطلاق بسبب سرعتها المفاجئة ومسارها غير المتوقع.

• تتراوح سرعة الرياح فيها من 100 إلى 500 كم/ساعة.

• قطر الإعصار القمعي يمكن أن يتراوح بين عشرات الأمتار إلى أكثر من كيلومتر.

• تدوم في الغالب بضع دقائق، لكنها تُسبب دماراً بالغاً في وقت قصير.

تُقاس شدتها بمقياس فوجيتا المحسن (Enhanced Fujita Scale) الذي يتدرج من EF0 (أضعف) إلى EF5 (أعنف).

3. الأعاصير القطبية (Polar Lows)

تتشكل هذه الأعاصير في المناطق القطبية، خصوصاً فوق المياه المفتوحة في القطب الشمالي والمحيط الجنوبي. وهي صغيرة الحجم نسبياً، لكنها شديدة من حيث الرياح والثلوج.

• تُعرف أحياناً باسم “إعصار القطب الشمالي الصغير”.

• تتشكل عند تقاطع الكتل الهوائية الباردة والجافة مع كتل أكثر دفئاً ورطوبة نسبياً.

• تؤثر على الملاحة البحرية وصيد الأسماك في المناطق القطبية.

4. الأعاصير تحت المدارية (Subtropical Cyclones)

تقع هذه الأعاصير بين المدارية والمعتدلة من حيث الخصائص المناخية. تتشكل عادة في مناطق وسط المحيط، وتتميز بأن لها صفات من الأعاصير المدارية مثل المركز الدافئ، لكنها تفتقر أحياناً إلى تنظيم الرياح الحلزونية الواضحة.

• تمتد دائرة تأثيرها لمسافات واسعة.

• تؤثر بشكل أقل مباشرة من الأعاصير المدارية الكاملة، لكنها قد تتحول إلى أعاصير مدارية مع الوقت.

5. الأعاصير غير المدارية (Extratropical Cyclones)

تحدث في العروض العليا من الأرض (المناطق المعتدلة)، وتنجم غالباً عن تصادم كتل هوائية مختلفة في درجة الحرارة والرطوبة.

• تمتد هذه الأعاصير لمسافات شاسعة قد تصل إلى آلاف الكيلومترات.

• تسبب تغييرات جوية حادة تشمل انخفاضًا كبيرًا في درجات الحرارة، وسرعة رياح عالية، وهطولًا غزيرًا.

• تُعد مسؤولة عن معظم حالات الطقس القاسي في أوروبا وأمريكا الشمالية خلال فصل الشتاء.

ثالثاً: خصائص مشتركة بين الأعاصير

رغم تنوعها، إلا أن جميع أنواع الأعاصير تتشارك بعض الخصائص الفيزيائية والجوية، من أبرزها:

• الضغط الجوي المنخفض: مركز الإعصار دائماً هو منطقة ذات ضغط جوي أقل من المحيط المحيط به.

• الرياح الدورانية: تدور الرياح حول المركز في نمط حلزوني، بعكس اتجاه عقارب الساعة في النصف الشمالي، وباتجاه عقارب الساعة في النصف الجنوبي.

• مركز الهدوء (العين): في الأعاصير المدارية، يتوسط الإعصار منطقة هادئة تُعرف باسم “العين”، تكون خالية نسبياً من الرياح والأمطار.

• مراحل التشكل والتطور: تمر الأعاصير بمراحل تبدأ بالاضطراب الجوي، ثم تتطور إلى منخفض مداري، ثم إعصار استوائي أو قمعي.

رابعاً: العوامل المؤثرة في تكوين الأعاصير

تُعد الأعاصير نتاجًا لتفاعل عدد من العوامل الطبيعية المتداخلة، والتي تشمل:

• درجة حرارة سطح البحر: إذ تساهم الحرارة المرتفعة في تبخير كميات كبيرة من المياه، ما يوفر طاقة للإعصار.

• الرطوبة الجوية العالية: ضرورية لتغذية نظام الإعصار عبر التكاثف وتحرير الحرارة الكامنة.

• القصّ الريحي: يلعب دورًا مزدوجًا؛ إذ يُمكن أن يُساعد على نمو الإعصار أو على تدميره حسب شدته.

• الكتل الهوائية المتعارضة: التصادم بين كتل هوائية دافئة وأخرى باردة يُنتج مناطق اضطراب تؤسس لنواة الإعصار.

خامساً: التأثيرات البيئية للأعاصير

تمتد آثار الأعاصير لتشمل نطاقات واسعة من النظم البيئية والبشرية، منها:

• الفيضانات الساحلية: نتيجة لارتفاع مستوى البحر المفاجئ المصاحب للإعصار.

• تآكل السواحل: بفعل العواصف العنيفة التي تُغيّر من تضاريس الشواطئ.

• تدمير الغابات والمحاصيل: خاصة الأعاصير القمعية والمدارية التي تُقتلع فيها الأشجار والغطاء النباتي.

• تلوّث مصادر المياه: عبر امتزاج مياه البحر بالمياه العذبة أو عبر فيض المجاري ومخلفات المصانع.

• تشريد السكان وانهيار المساكن: خاصة في المناطق العشوائية أو ذات البنية الضعيفة.

سادساً: الأعاصير في سياق التغير المناخي

ازدادت حدة وتكرار الأعاصير في العقود الأخيرة نتيجة التغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب. فارتفاع درجات حرارة المحيطات، وذوبان الجليد القطبي، وتغيّر أنماط دوران الغلاف الجوي، كلها عوامل تسهم في:

• زيادة طاقة الأعاصير.

• توسع نطاقات تشكل الأعاصير إلى مناطق كانت سابقاً خارج النطاق التقليدي.

• تأخير نهاية مواسم الأعاصير وزيادة مدتها.

• ظهور أعاصير غير معتادة مثل الأعاصير الشديدة في البحر الأبيض المتوسط (Medicanes).

سابعاً: التقنيات الحديثة في رصد الأعاصير

شهد مجال الأرصاد الجوية تطوراً ملحوظاً في أدوات رصد الأعاصير وتتبعها، مما ساهم في تقليل الخسائر البشرية من خلال الإنذار المبكر. ومن أبرز التقنيات المستخدمة:

• الأقمار الصناعية: توفر صوراً لحظية عن حركة السحب وتشكّل مراكز الضغط المنخفض.

• الرادارات الأرضية: تُستخدم في رصد حركة الرياح داخل الأعاصير، خاصة القمعية.

• الطائرات المخصصة: تُحلّق داخل الأعاصير لجمع البيانات من قلب العاصفة.

• النماذج العددية: تستخدم الحواسيب العملاقة لمحاكاة سلوك الأعاصير والتنبؤ بمساراتها وتأثيرها.

المراجع

1. National Oceanic and Atmospheric Administration (NOAA), Hurricane Research Division: https://www.aoml.noaa.gov/hrd/

2. World Meteorological Organization (WMO), Tropical Cyclone Operational Planning and Forecasting Manual.