أمراض تصيب الرجال أكثر

تشير الإحصاءات الطبية إلى وجود فروقات واضحة بين الجنسين في معدلات الإصابة ببعض الأمراض، حيث يظهر الرجال عُرضة أكبر للإصابة بأنواع معينة من المشكلات الصحية مقارنة بالنساء، وذلك لأسباب بيولوجية، هرمونية، سلوكية، ونمط الحياة. هذه الفروقات تُحتّم على الأنظمة الصحية والمجتمعات تكثيف التوعية والوقاية والفحص المبكر لدى الذكور، خاصة وأن كثيراً من هذه الأمراض قد تكون مميتة أو مزمنة في حال عدم التعامل معها بجدية في مراحلها الأولى.

الأمراض القلبية الوعائية: العدو الأول للرجال

تُعد أمراض القلب والشرايين من أكثر الأمراض شيوعاً وخطورة بين الرجال، حيث ترتفع معدلات الإصابة والوفاة بها مقارنة بالنساء، خاصة في الفئة العمرية من 40 إلى 60 سنة. وتشمل هذه الأمراض النوبات القلبية، الذبحة الصدرية، السكتات الدماغية، وتصلب الشرايين.

الرجال أكثر عرضة للإصابة بتصلب الشرايين في وقت مبكر من حياتهم نتيجة انخفاض مستويات هرمون الإستروجين الذي يُعتبر عامل حماية لدى النساء. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخين، ارتفاع ضغط الدم، السكري، وارتفاع الكولسترول تلعب دوراً محورياً في رفع المخاطر.

أظهرت دراسة نُشرت في Journal of the American College of Cardiology أن الرجال لديهم ميل فطري لتخزين الدهون في منطقة البطن، وهو ما يُعرف بالسمنة الحشوية، والتي تُعد عاملاً مباشراً لأمراض القلب.

سرطان البروستاتا: السرطان الأكثر شيوعاً بين الذكور

سرطان البروستاتا هو ثاني أكثر السرطانات شيوعاً بين الرجال على مستوى العالم بعد سرطان الرئة، ويُعد من أبرز الأمراض التي تصيب الجهاز التناسلي الذكري.

يبدأ غالباً بعد سن الخمسين، وتتزايد فرص الإصابة به مع التقدم في العمر، ويُعتقد أن العوامل الوراثية والتغذية الغنية بالدهون الحيوانية تلعب دوراً في ارتفاع معدلاته.

تتسم أعراض سرطان البروستاتا بالبطء في الظهور، مثل صعوبة التبول أو الحاجة المتكررة للتبول ليلاً، إلا أن الاكتشاف المبكر عبر فحوصات الـ PSA (مستضد البروستاتا النوعي) يساعد على التشخيص والعلاج الفعّال في المراحل المبكرة.

سرطان الرئة: ضريبة التدخين الثقيلة

يُسجل الرجال نسب إصابة بسرطان الرئة تفوق النساء بشكل ملحوظ، ويُعزى ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع معدلات التدخين بين الذكور على مستوى العالم.

يُعد هذا السرطان من أكثر أنواع السرطان فتكاً بسبب تأخر التشخيص في الغالب، وعدم ظهور الأعراض إلا في مراحل متقدمة. وتشمل الأعراض السعال المزمن، ضيق التنفس، ونقص الوزن غير المبرر.

أظهرت تقارير منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 80% من حالات سرطان الرئة ناتجة عن التدخين، مما يجعل الإقلاع عنه من أقوى أدوات الوقاية.

الأمراض النفسية والانتحار: خطر صامت

رغم أن النساء يُصبن بالاكتئاب بمعدلات أعلى، إلا أن معدلات الانتحار بين الرجال تفوق نظيراتها لدى النساء بثلاثة أضعاف في بعض البلدان.

الرجال غالباً لا يطلبون المساعدة النفسية في الوقت المناسب، ويكبتون مشاعرهم نتيجة عوامل ثقافية واجتماعية.

اضطرابات مثل الاكتئاب المقنّع، اضطراب الشخصية الحدية، والإدمان على الكحول والمخدرات، تُسجل انتشاراً واسعاً بين الرجال الذين يعانون من ضغوطات العمل، والبطالة، وانعدام الدعم النفسي.

داء السكري من النوع الثاني: شيوع أعلى بين الرجال

رغم أن مرض السكري يصيب الجنسين، فإن الدراسات تشير إلى شيوع أعلى نسبياً للإصابة بالنوع الثاني من السكري لدى الرجال في فئات عمرية أصغر مقارنة بالنساء.

ترتبط هذه الزيادة بعوامل مثل زيادة الوزن، نمط الحياة الخامل، والإجهاد المزمن. كما أن الرجال أقل التزاماً بتعديل أنماط حياتهم الغذائية والصحية بعد التشخيص.

السكري لا يهدد الصحة فقط بحد ذاته، بل يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، السكتات الدماغية، ومشاكل الكلى.

أمراض الكبد المرتبطة بالكحول

تُظهر الإحصاءات أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بأمراض الكبد الكحولية مثل تشمّع الكبد والتهاب الكبد الكحولي.

ويرتبط ذلك بالاستهلاك المرتفع للكحول بين الذكور، حيث يتحمل الرجال كميات أكبر لفترات أطول مقارنة بالنساء.

كما أن تكرار المناسبات الاجتماعية التي تتضمن الكحول، وغياب الوعي الصحي، يؤديان إلى ارتفاع هذه الحالات، خاصة في الفئات العمرية بين 30 إلى 50 سنة.

توقف التنفس أثناء النوم: أكثر شيوعاً عند الرجال

يُعد انقطاع النفس الانسدادي النومي (OSA) أحد أكثر اضطرابات النوم شيوعاً، وتُظهر الدراسات أن الرجال أكثر عرضة للإصابة به بثلاثة أضعاف مقارنة بالنساء.

ترتبط هذه الحالة بزيادة الوزن، تضيق المجاري التنفسية، وشكل الفك والحنجرة. وتؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم، النوبات القلبية، والتعب المزمن.

تشمل أعراض الحالة الشخير المرتفع، انقطاع النفس أثناء النوم، النعاس المفرط في النهار، واضطرابات التركيز.

النقرس: مرض المفاصل المرتبط بالذكورة

النقرس هو أحد أنواع التهابات المفاصل الناتجة عن تراكم حمض اليوريك في الجسم، ويصيب الرجال بنسبة أعلى بكثير من النساء، خاصة بعد سن الأربعين.

ترتبط هذه الحالة بالنظام الغذائي الغني بالبروتينات الحيوانية، اللحوم الحمراء، المشروبات الكحولية، والمأكولات البحرية.

النقرس يؤدي إلى نوبات ألم حادة، تورم في المفاصل (غالباً الإصبع الكبير في القدم)، ويحتاج إلى تعديل جذري في نمط الحياة للسيطرة عليه.

العقم عند الذكور

تُعد مشكلات العقم من القضايا الصحية الشائعة لدى الرجال، وتشمل انخفاض عدد الحيوانات المنوية، ضعف حركتها، وتشوه أشكالها.

تتداخل في هذا الخلل عدة عوامل، منها الوراثية، البيئية، السلوكية، مثل التعرض للحرارة العالية، التدخين، التوتر، وتناول بعض الأدوية والمنشطات.

العقم الذكوري هو السبب الرئيسي في حوالي 40-50% من حالات تأخر الإنجاب، وقد يكون دليلاً على مشاكل صحية أعمق مثل نقص الهرمونات الذكرية أو انسداد في القنوات المنوية.

الأمراض المنقولة جنسياً: الرجال في دائرة الخطر

تُظهر الإحصاءات أن الرجال، وخاصة من فئة الشباب، معرضون أكثر للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً مثل السيلان، الزهري، الكلاميديا، وفيروس الورم الحليمي البشري (HPV).

ويرجع ذلك غالباً إلى السلوكيات الجنسية غير الآمنة، قلة استخدام وسائل الوقاية، وتعدد الشركاء.

كما أن الرجال أقل إقبالاً على الفحص الدوري أو التبليغ عن الأعراض، ما يؤدي إلى تأخر في التشخيص والعلاج، وبالتالي انتقال العدوى إلى الشريك أو تطورها إلى مضاعفات.

الأمراض المهنية والعضلية الهيكلية

بحكم طبيعة بعض الأعمال التي يُمارسها الرجال بشكل أكبر، مثل البناء، المناجم، والصناعات الثقيلة، فإنهم أكثر عرضة للإصابات العضلية، الانزلاق الغضروفي، آلام الظهر المزمنة، ومشاكل المفاصل.

العمل لساعات طويلة، حمل الأوزان، والتعرض للاهتزازات، كلها عوامل تساهم في ظهور هذه الإصابات بشكل مبكر.

كما يُصاب الرجال بشكل أكبر بأمراض مهنية مثل السُحار السيليسي (مرض الرئة الناجم عن استنشاق الغبار الصناعي) بسبب كثافة عملهم في بيئات خطرة مقارنة بالنساء.

جدول يوضح أبرز الأمراض التي تصيب الرجال أكثر من النساء

الخلاصة

الصحة الجسدية والنفسية للرجال تواجه تحديات متعددة تتطلب وعياً مجتمعياً وتدخلاً وقائياً وعلاجياً مبكراً. من المهم التركيز على تغيير نمط الحياة الذكوري النمطي الذي يُهمش الفحص الدوري والاعتراف بالأعراض، والانتقال إلى ثقافة صحية تضمن الاكتشاف المبكر، الوقاية، والرعاية المستمرة.

إن دمج الصحة الذكورية ضمن استراتيجيات الرعاية الصحية العامة، مع تخصيص حملات توعوية دورية، يُعد حجر الأساس في خفض نسب الإصابة والوفيات بين الرجال.

المراجع:

• World Health Organization (WHO) – Noncommunicable Diseases Fact Sheet

• American Heart Association (AHA) – Cardiovascular Disease in Men

• Centers for Disease Control and Prevention (CDC)

• Mayo Clinic – Men’s Health

• National Institutes of Health (NIH) – Prostate Cancer Facts

• Journal of the American College of Cardiology (JACC)

• Global Burden of Disease Study, Lancet