أمراض العيون عند الأطفال: الدليل الشامل لأهم المشكلات البصرية في مرحلة الطفولة

تُعتبر صحة العين من الجوانب الحيوية في نمو الطفل وتطوره المعرفي والحسي، إذ أن البصر يلعب دوراً محورياً في تفاعل الطفل مع العالم المحيط به، وفي قدرته على التعلم، الحركة، واستكشاف البيئة. إن الاضطرابات البصرية في مرحلة الطفولة المبكرة قد تمر دون ملاحظة لسنوات، خاصة إذا لم تكن مصحوبة بأعراض واضحة، مما يجعل من الضروري الكشف المبكر والمتابعة الطبية المنتظمة. تتعدد أمراض العيون عند الأطفال، وتتنوع من حيث أسبابها، أعراضها، وطرق علاجها، ومن المهم التعرف على هذه الأمراض والتوعية بها لحماية الرؤية منذ السنوات الأولى للحياة.

أهمية التشخيص المبكر في أمراض العيون عند الأطفال

التشخيص المبكر لحالات العيون عند الأطفال يمكن أن يمنع تطور مشكلات بصرية دائمة قد تؤثر على جودة الحياة مستقبلاً. هناك بعض الأمراض التي يمكن علاجها بسهولة في حال اكتُشفت في الوقت المناسب، بينما قد تؤدي التأخيرات في التشخيص إلى تدهور الرؤية أو حتى فقدان البصر. يشمل الكشف المبكر فحوصات دورية للعين تُجرى في مراحل نمو مختلفة، مثل الفحص بعد الولادة، ثم في عمر 6 أشهر، ثم عند بداية الدراسة، مع إجراء فحوصات إضافية في حال وجود تاريخ عائلي لمشكلات بصرية.

الأمراض الشائعة في العيون عند الأطفال

1. الحول (Strabismus)

الحول هو انحراف في اتجاه العينين بحيث لا تتوجهان إلى نفس النقطة في الوقت ذاته. قد يكون الحول دائمًا أو يظهر فقط في أوقات معينة. ينقسم إلى أنواع رئيسية مثل الحول الداخلي (Esotropia) والحول الخارجي (Exotropia). غالباً ما يُلاحظ الحول في عمر ما قبل المدرسة، وإذا لم يتم علاجه مبكرًا فقد يؤدي إلى كسل العين (الغمش).

أسباب الحول:

• ضعف عضلات العين

• مشكلات في الأعصاب المسؤولة عن حركة العين

• العيوب الانكسارية غير المصححة (مثل طول النظر)

• أسباب وراثية

طرق العلاج:

• استخدام نظارات طبية لتصحيح العيوب الانكسارية

• تمارين العين

• تغطية العين السليمة لتحفيز العين الضعيفة

• التدخل الجراحي في بعض الحالات

2. كسل العين (Amblyopia)

كسل العين هو ضعف في الرؤية في إحدى العينين نتيجة لعدم تطورها الطبيعي في فترة الطفولة. وهو السبب الأكثر شيوعاً لفقدان البصر الدائم عند الأطفال إذا لم يتم اكتشافه ومعالجته في الوقت المناسب.

الأسباب:

• الحول

• تفاوت كبير في العيوب الانكسارية بين العينين (Anisometropia)

• انسداد الرؤية في إحدى العينين (مثل إعتام عدسة العين)

العلاج:

• تغطية العين السليمة لتحفيز العين الكسولة

• علاج السبب الرئيسي (مثل الحول أو الساد)

• استخدام النظارات الطبية

3. التهاب الملتحمة (Conjunctivitis)

هو التهاب في الغشاء الشفاف الذي يغطي الجزء الأبيض من العين. يمكن أن يكون الالتهاب بكتيريًا، فيروسيًا، أو تحسسيًا.

الأعراض:

• احمرار العين

• إفرازات مائية أو مخاطية

• حكة أو حرقة

• تورم الجفون

العلاج:

• في الحالات البكتيرية: قطرات أو مراهم مضادة للبكتيريا

• في الحالات الفيروسية: عادة ما تزول تلقائيًا

• في الحالات التحسسية: مضادات الهيستامين

4. انسداد القناة الدمعية

يُعد من الحالات الشائعة عند حديثي الولادة، وتحدث نتيجة عدم انفتاح القناة الدمعية بشكل كامل.

الأعراض:

• دموع مفرطة

• إفرازات صفراء أو مخاطية

• التهاب متكرر في زاوية العين الداخلية

العلاج:

• تدليك القناة الدمعية

• في حال استمرار الأعراض بعد عمر السنة، قد يُلجأ إلى التدخل الجراحي (توسيع أو فتح القناة الدمعية)

5. قصر وطول النظر واللابؤرية (الاستجماتيزم)

العيوب الانكسارية هي من الأسباب الشائعة لمشكلات الرؤية عند الأطفال.

6. الساد (إعتام عدسة العين عند الأطفال)

يُعد من الحالات النادرة ولكن الخطيرة إذا لم يُعالج. يمكن أن يكون خلقيًا أو مكتسبًا بسبب إصابة أو مرض استقلابي.

الأعراض:

• بياض أو عتامة في بؤبؤ العين

• كسل العين

• ضعف الرؤية

العلاج:

• التدخل الجراحي لإزالة العدسة المعتمة

• استخدام العدسات الصناعية أو النظارات بعد الجراحة

7. الجلوكوما الخِلقية (Congenital Glaucoma)

هي ارتفاع ضغط العين الداخلي منذ الولادة أو في الأشهر الأولى، وتُعد من الحالات الطارئة التي تتطلب تدخلًا سريعًا.

الأعراض:

• تكبير غير طبيعي لحجم العين

• تدميع مستمر

• رهاب الضوء

• ضبابية القرنية

العلاج:

• جراحة لتخفيف الضغط داخل العين

• أحياناً تُستخدم أدوية كعلاج مساعد

8. التهابات الجفن (Blepharitis)

هي حالة التهابية مزمنة تصيب حواف الجفون وقد تترافق مع حالات مثل حب الشباب أو التهابات الجلد.

الأعراض:

• احمرار الجفون

• تقشر الجلد عند جذور الرموش

• حكة أو حرقة

العلاج:

• تنظيف الجفن المنتظم باستخدام محاليل خاصة

• مضادات حيوية موضعية في حال الالتهاب البكتيري

• استخدام كمادات دافئة

الوقاية من أمراض العيون عند الأطفال

الوقاية تبدأ من وعي الأهل بأهمية صحة العين وضرورة المتابعة الدورية، خاصةً في السنوات الأولى. وتكمن أبرز طرق الوقاية في ما يلي:

• إجراء فحص نظر شامل بعد الولادة، ثم عند عمر 6 أشهر، ثم بين 3–5 سنوات

• تغذية الطفل بالأطعمة الغنية بالفيتامينات الأساسية لصحة العين، خصوصًا فيتامين A، C، و E، وكذلك الأوميغا-3

• منع الأطفال من الاقتراب الشديد من الشاشات وتشجيعهم على اللعب في الهواء الطلق

• استخدام نظارات الحماية أثناء ممارسة الرياضات العنيفة أو التعرض للمواد الكيميائية

• التوعية الأسرية بوجود حالات وراثية تستدعي متابعة دقيقة

الأمراض الوراثية وأثرها على العيون عند الأطفال

تلعب العوامل الوراثية دورًا بارزًا في بعض أمراض العيون مثل الحول، كسل العين، والجلوكوما الخِلقية. في العائلات التي تعاني من تاريخ مرضي في العيون، من الضروري أن يُخضع الأطفال لفحوصات دورية دقيقة بدءًا من الأشهر الأولى بعد الولادة. في بعض الحالات، يمكن اللجوء للفحوصات الجينية الاستباقية لتحديد مدى احتمال إصابة الطفل بمرض وراثي معين.

أثر أمراض العيون على التعلم والنمو المعرفي

مشكلات الرؤية، وإن بدت طفيفة، قد تؤثر سلبًا على الأداء الدراسي والتركيز لدى الأطفال. إذ أن الأطفال يعتمدون على البصر بنسبة تصل إلى 80% في تعلمهم، سواء في القراءة أو الكتابة أو التواصل البصري. إن تجاهل تصحيح هذه المشكلات في سن مبكرة قد يؤدي إلى التأخر الأكاديمي والعزلة الاجتماعية وحتى اضطرابات سلوكية، مما يبرز أهمية التنسيق بين أولياء الأمور والمعلمين وأخصائيي البصريات لتقديم الرعاية المثلى.

متى يجب زيارة طبيب العيون؟

هناك علامات معينة يجب أن تدفع الأهل إلى عرض الطفل على طبيب العيون، من أبرزها:

• ملاحظة الحول أو انحراف في العين

• تدميع مستمر دون سبب واضح

• احمرار العين المزمن

• شكوى الطفل من رؤية مشوشة أو صداع متكرر

• تغطية إحدى العينين أثناء التركيز أو القراءة

• فرك العينين بشكل مستمر

التطورات الحديثة في تشخيص وعلاج أمراض العيون عند الأطفال

شهد مجال طب العيون تطوراً كبيراً بفضل التقدم في تقنيات التصوير الطبي، مثل التصوير المقطعي للعين OCT، والذي يسمح بالكشف المبكر عن المشكلات البصرية الدقيقة. كما ساهمت البرمجيات التفاعلية وتطبيقات الواقع المعزز في علاج كسل العين بطرق أكثر جذباً للأطفال. على صعيد العلاج الجراحي، أصبحت التدخلات أكثر دقة وأماناً بفضل استخدام تقنيات الليزر والروبوتات الدقيقة، مما زاد من معدلات النجاح وتقليل المضاعفات.

المصادر والمراجع

• American Academy of Ophthalmology. Pediatric Eye Disease. https://www.aao.org

• Mayo Clinic. Children’s Eye Health. https://www.mayoclinic.org