أمثلة على صغائر الذنوب
في الشريعة الإسلامية، تُقسم الذنوب إلى كبائر وصغائر، وهذا التقسيم مستند إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وتختلف آثار كلٍ منهما في حياة الإنسان وفي ميزان الله تعالى. الصغائر، وإن كانت أخف من الكبائر، إلا أنها ليست هيّنة، فالإصرار عليها أو الاستهانة بها قد يحولها إلى كبائر، كما أن تراكمها دون توبة أو استغفار يؤدي إلى قسوة القلب والابتعاد عن الله. من هنا تنبع أهمية الحديث عن صغائر الذنوب، وبيان أمثلتها وأثرها، مع التوعية بعدم التهاون بها، فإن الذنب وإن صغُر فعين الله لا يغفل.
مفهوم صغائر الذنوب
صغائر الذنوب هي المعاصي التي لم يرد فيها وعيد بنار أو لعنة أو غضب أو حد في الدنيا، وهي تقع من كثير من الناس من غير عمد أحيانًا أو مع شيء من التهاون. وقد تختلف من شخص لآخر بحسب حاله، فقد تكون صغيرة عند أحد، وكبيرة عند آخر إذا كانت مترافقة مع الاستهانة أو التكرار أو استخفاف بحرمة الله.
قال الإمام النووي: “الصغائر هي ما لم يقترن بها حدّ ولا وعيد ولا لعن”، ويقول العلماء إنها تُكفر باجتناب الكبائر، وبالأعمال الصالحة من صلاة وصيام واستغفار وغيرها. لكن التهاون بها يجعل القلب مظلمًا والنية فاسدة، كما أشار النبي ﷺ بقوله: «إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه» [رواه أحمد].
أمثلة على صغائر الذنوب
فيما يلي عرض لأمثلة واضحة على صغائر الذنوب، بناء على ما ورد في السنة النبوية وآثار الصحابة والعلماء، مع شرح مختصر لكل منها:
1. النظرة المحرّمة العابرة
النظرة الأولى التي تقع من غير قصد لا إثم فيها، لكن إن تعمد الإنسان النظر المحرم، فهي من صغائر الذنوب إذا لم يُتبعها فعل آخر. قال رسول الله ﷺ: «العينان تزنيان، وزناهما النظر…» [رواه البخاري ومسلم].
2. الكلمة السيئة التي لا تقال بقصد الأذية
قد يتلفظ المسلم بكلمة فيها غيبة أو سخرية أو تعبير غير لائق من غير قصد الإيذاء أو الفتنة، وهي من الصغائر، لكن الاستمرار فيها يرقى بها إلى الكبائر.
3. تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر
من يُصلي بعد خروج الوقت من غير عذر شرعي فقد ارتكب ذنبًا، وإذا لم يتكرر الأمر ولم يكن فيه استهانة بوقت الصلاة، يُعد من صغائر الذنوب.
4. الغفلة عن الذكر لفترة طويلة
ترك الأذكار اليومية، أو الانشغال التام بالدنيا دون تذكر الله لفترة طويلة، يُعد من الغفلة، وهي من صغائر الذنوب التي تميت القلب.
5. الاستماع إلى الغيبة دون مشاركة
الاستماع إلى من يغتاب المسلمين دون إنكار أو مغادرة المجلس يعد إثمًا، وإن لم يكن بقدر الغيبة نفسها، لكنه من الصغائر التي ينبغي الحذر منها.
6. النظر إلى ما لا يحل من صور أو مشاهد
مشاهدة شيء محرم لفترة قصيرة، كصور النساء أو مشاهد لا تليق بالمسلم، ولو لم يتبع ذلك فعل آخر، يُعد من صغائر الذنوب.
7. تقديم الرجل اليسرى عند دخول المسجد أو اليمين عند الخروج
وإن كان هذا العمل لا يؤدي إلى إثم صريح، إلا أن مخالفة السنة في الأمور المأمورة بها، ولو كانت بسيطة، يُعد من صور عدم كمال الاتباع، ويشار إليها أحيانًا ضمن صغائر المخالفات.
8. الكذب الصغير الذي لا يترتب عليه أذى
كقول الإنسان شيئًا غير صحيح من باب المجاملة أو المزاح دون أن يُقصد به ضرر أو خداع كبير، يُعد من الكذب المحرم، لكنه من صغائر الذنوب إذا لم يكن فيه ضرر واضح.
9. التبذير القليل في الطعام أو الماء
هدر الموارد مثل الطعام أو الماء، وإن كان يسيرًا، يُعد مخالفة شرعية، خصوصًا إذا اعتاد الإنسان هذا الفعل بلا تقدير لنعم الله.
10. النوم عن قيام الليل بعد التعوّد عليه
من اعتاد الطاعة ثم فتر عنها بلا عذر معتبر، فذلك يُعد من قلة الهمّة في الطاعة، وقد يُحسب من الصغائر عند بعض العلماء لما فيه من التراجع الروحي.
11. عدم إجابة السلام أو رده بشكل غير لائق
الرد على السلام فرض، والتهاون فيه أو الرد بلا احترام أو تجاهل السلام يُعد من صغائر الذنوب التي قد تُظهر ضعف التزام المسلم بالآداب الإسلامية.
12. تكرار النظر إلى ما في يد الآخرين
النظر إلى ما في أيدي الناس، سواء ممتلكات أو طعام، بطريقة توحي بالرغبة أو الطمع، دون الاعتداء الفعلي، يُعد من السلوكيات المذمومة شرعًا.
13. ترك التبسم في وجه المسلم
قال النبي ﷺ: «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، فترك هذا الخلق الطيب، خاصة في العلاقات القريبة، يُعد من قصور في حسن الخلق.
14. ترك السنن الرواتب بغير عذر دائم
السنن الرواتب قبل وبعد الصلوات من المؤكدات، والتهاون بها مع القدرة على أدائها دون سبب، من صغائر الذنوب.
15. الاستماع للموسيقى بشكل عابر
اختلف العلماء في حكم الموسيقى، لكن بعضهم عَدّ الاستماع إليها دون إدمان أو إلهاء عن الصلاة من الصغائر، بخلاف من جعلها عادة ملازمة.
الفرق بين الصغيرة والكبيرة في الذنوب
| المعيار | الصغيرة | الكبيرة |
|---|---|---|
| مدى الوعيد | لا يتضمن وعيدًا مباشرًا | ورد فيها وعيد أو لعنة أو حد |
| الأثر في القلب | مع التوبة تُكفَّر | تحتاج لتوبة خاصة |
| التكرار | يُخشى أن تتحول إلى كبيرة | تكرارها يزيد الإثم والخطر |
| الاستهانة بها | يحوّلها إلى كبيرة | مؤشر على فساد القلب |
| التكفير | تُكفر باجتناب الكبائر والصلوات | تحتاج توبة نصوح |
خطر الاستهانة بصغائر الذنوب
من أعظم ما يجب التنبيه إليه هو الاستهانة بصغائر الذنوب، فإن كثرة التهاون بها تُميت القلب وتبعد الإنسان عن حلاوة الإيمان. وقد شبهها السلف بالنار التي تشتعل من الحطب الصغير، فإن الحطب الصغير إذا تراكم قد أشعل نارًا عظيمة.
قال ابن الجوزي: “اعلم أن الذنوب كالسّموم، القليل منها قاتل”، وقال الإمام أحمد: “من استهان بالصغائر ابتُلي بالكبائر”.
ومن الآثار العملية لهذا المفهوم أن يسارع المسلم إلى الاستغفار بعد كل زلة، ويُجدد التوبة دومًا، ويحاسب نفسه على ما يراه في كلامه وأفعاله من سلوك قد لا يرقى للكبائر لكنه يبقى في سجل السيئات.
الأعمال التي تكفّر صغائر الذنوب
من رحمة الله عز وجل أن جعل لصغائر الذنوب مكفّرات عديدة، من أبرزها:
-
الصلوات الخمس: قال النبي ﷺ: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» [رواه مسلم].
-
الوضوء بإتقان: قال رسول الله ﷺ: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره» [رواه مسلم].
-
الاستغفار المتكرر: قال ﷺ: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» [رواه البخاري].
-
الصدقات: فإنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
-
الصيام: وخاصة صيام الإثنين والخميس، أو الأيام البيض، فهي تكفر الذنوب كما ورد في فضائلها.
-
الذكر الدائم: وخاصة قول “سبحان الله وبحمده” و”أستغفر الله العظيم”، فهي ممحيات للذنوب الصغائر.
خاتمة
صغائر الذنوب، وإن كانت خفيفة في ميزان التشريع مقارنة بالكبائر، إلا أن التهاون بها يجعلها خطيرة. ويجب على المسلم أن يكون على وعي دائم بسلوكه، وأن يجدد التوبة ويكثر من الأعمال التي تكفّر الذنوب. الصالحون من عباد الله لم يكونوا يخافون الكبائر فقط، بل كانوا يفرّون من الصغائر كفرارهم من الكبائر، وذلك لعلمهم أن القلب الذي تفسده الصغيرة قد لا يصمد أمام الكبرى.
المراجع
-
ابن تيمية، الفتاوى الكبرى
-
النووي، شرح صحيح مسلم
