المياه محور الصراع القادم

تعد المياه من أثمن الموارد الطبيعية على كوكب الأرض، فهي العنصر الأساسي للحياة، وعماد الزراعة والصناعة، وركيزة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. مع تزايد النمو السكاني والتغيرات المناخية المتسارعة، بالإضافة إلى التلوث والإدارة غير المستدامة للموارد المائية، برزت المياه كأحد أهم أسباب النزاعات والصراعات المحتملة في المستقبل القريب. يُتوقع أن تتحول المياه إلى محور الصراع القادم على المستوى الدولي والإقليمي، بسبب تناقص مواردها وتزايد الطلب عليها في مختلف مناطق العالم.

أهمية المياه في الحياة البشرية

المياه هي أساس وجود الحياة على الأرض، فهي تدخل في جميع العمليات الحيوية سواء على مستوى الإنسان أو النباتات أو الحيوانات. تعتمد الزراعة بشكل رئيسي على توفر المياه، حيث تستهلك الزراعة أكثر من 70% من المياه العذبة المتاحة على مستوى العالم. كما تستخدم المياه في الصناعة، وتوليد الطاقة، وفي الاستخدامات المنزلية اليومية. لذا فإن أي نقص أو تلوث في مصادر المياه يؤثر سلباً على الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي للدول.

عوامل تصاعد الصراع على المياه

تتعدد العوامل التي تجعل من المياه موضوعاً للصراع المحتمل، نذكر منها:

1. النمو السكاني والتوسع العمراني: مع ازدياد سكان العالم بشكل مستمر، تزداد الحاجة إلى المياه الصالحة للشرب والري والاستخدامات الصناعية. يؤدي هذا النمو إلى استنزاف الموارد المائية المحدودة، خصوصاً في المناطق الجافة وشبه الجافة.

2. التغير المناخي: تسبب التغيرات المناخية في تغير أنماط هطول الأمطار، وزيادة وتيرة الجفاف والفيضانات، ما يؤثر بشكل مباشر على توفر المياه العذبة وجودتها. في بعض المناطق، تقلصت الأنهار والبحيرات، وارتفعت نسبة تبخر المياه، مما يعزز فرص الصراع بين الدول والمجتمعات.

3. التلوث البيئي: تلوث المياه نتيجة تصريف المخلفات الصناعية والزراعية والمخلفات المنزلية بشكل غير منظم يجعل من المياه غير صالحة للاستخدام، مما يزيد من حدة التنافس عليها.

4. الإدارة غير العادلة للمياه المشتركة: تتقاسم العديد من الدول أنهاراً وبحيرات مشتركة، وكثيراً ما تثار النزاعات بسبب المشاريع الإنشائية مثل السدود وتحويل مجاري المياه، التي تؤثر على حصة كل دولة من المياه.

مناطق النزاع المحتملة بسبب المياه

تتركز الصراعات المستقبلية على المياه بشكل خاص في المناطق التي تعاني من ندرة المياه وتشارك فيها عدة دول:

• حوض نهر النيل: يمثل نهر النيل شريان الحياة لأكثر من 300 مليون نسمة في دول شرق وشمال شرق أفريقيا. النزاع حول سد النهضة الإثيوبي يعد نموذجاً صارخاً للصراع المائي، حيث تخشى مصر والسودان على حصتهما من مياه النهر نتيجة تعبئة السد وتشغيله.

• الشرق الأوسط: منطقة صحراوية ذات موارد مائية محدودة للغاية، يعيش فيها عدد كبير من السكان الذين يعتمدون على مصادر مائية مشتركة مثل نهر الأردن ونهر الفرات ودجلة. الخلافات بين دول مثل سوريا، العراق، تركيا، الأردن، وفلسطين حول حصص المياه مستمرة ومتجددة.

• حوض نهر الأمازون: رغم أن حوض الأمازون يمتلك أكبر مخزون مائي في العالم، إلا أن التوسع الصناعي والزراعي وتدهور الغابات يهددان استدامة هذا المورد الحيوي.

• وسط آسيا: دول مثل كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان تعتمد على أنهار مثل أمو داريا وسير داريا التي بدأت تشهد نقصاً حاداً في المياه، ما يزيد من التوترات بين هذه الدول.

تأثير الصراع على المياه على الأمن العالمي

ينذر الصراع حول المياه بأزمات إنسانية وأمنية قد تتطور إلى حروب بين الدول أو بين مجتمعات داخل الدولة نفسها. يعتمد استقرار الدول بشكل مباشر على توفر المياه الكافية، وأي نقص حاد أو تعمد السيطرة على مصادر المياه يمكن أن يؤدي إلى توترات اجتماعية، نزوح جماعي، أزمات صحية، وتدهور اقتصادي.

أثبتت الدراسات أن ما يقارب من 40% من النزاعات المسلحة في العالم كانت لها جذور مرتبطة بنزاعات على الموارد الطبيعية، وتحديداً المياه. لذلك، فإن إدارة الموارد المائية بطريقة عادلة ومستدامة تمثل تحدياً استراتيجياً للأمن الدولي.

استراتيجيات إدارة المياه للحد من النزاعات

لمواجهة التحديات المائية، هناك ضرورة ملحة لتبني استراتيجيات شاملة وعادلة لإدارة الموارد المائية، من أبرزها:

• التعاون الإقليمي والدولي: يجب على الدول المتشاطئة على الأنهار والبحيرات المشتركة تبني آليات مشتركة لإدارة المياه، تضمن توزيعاً عادلاً وتحقيق مصالح الجميع دون الإضرار بأي طرف.

• تطوير التكنولوجيا: الاستثمار في تقنيات تحلية المياه، إعادة التدوير، وتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة والصناعة، يمكن أن يقلل الضغط على الموارد المائية العذبة.

• الحفاظ على البيئة: تقليل التلوث والحفاظ على الأحواض المائية والغابات المحيطة يساهم في زيادة المخزون المائي وتحسين جودته.

• التوعية والتعليم: نشر الوعي حول أهمية ترشيد استهلاك المياه داخل المجتمعات يساهم في تقليل الهدر وتحسين استدامة الموارد.

• التخطيط المستدام: اعتماد سياسات تنموية تأخذ بعين الاعتبار الموارد المائية وتضمن استخدامها بمسؤولية على المدى الطويل.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين بعض مناطق النزاع على المياه وأسباب النزاع وتأثيراتها:

مستقبل المياه والصراعات

من المؤكد أن المياه ستكون من أهم الأسباب التي ستشكل ملامح الصراعات في المستقبل، سواء على المستوى الدولي أو الداخلي. التحديات التي تواجهها المياه نابعة من عدم توازن بين العرض والطلب، بالإضافة إلى تدني جودة المياه والتغير المناخي، ما يجعل الحاجة ملحة إلى حلول جذرية.

يبرز دور الحكومات، المنظمات الدولية، والمجتمع المدني في التعاون لضمان الاستخدام العادل والمستدام للمياه، وخلق بيئة تتيح تحقيق التنمية المستدامة دون التسبب في نزاعات أو أزمات. تظل المياه محوراً أساسياً لأي خطة تنموية شاملة، ويجب التعامل معها كحق إنساني قبل أن تكون موردًا اقتصاديًا أو سياسياً.

المصادر والمراجع

• كتاب “المياه والصراعات الدولية”، تأليف الدكتور عبد الله محمد، دار النهضة العربية، 2021.

• تقرير الأمم المتحدة عن التنمية المستدامة لعام 2023: “المياه وأمن المستقبل”.