أكثر الأمراض النفسية شيوعاً

تعرّف على أكثر الأمراض النفسية انتشاراً في عصرنا الحالي

في العقود الأخيرة، شهدت المجتمعات تطوراً تكنولوجياً وازدهاراً اقتصادياً لافتاً، إلا أن هذا التقدم لم يخلُ من تبعاته النفسية والاجتماعية التي ألقت بظلالها على صحة الأفراد. فقد ظهرت العديد من الأمراض النفسية التي كانت في الماضي تُعتبر من المحرمات أو القضايا التي لا يُتحدث عنها، لكن مع الوعي المتزايد حول الصحة النفسية وتفشي الأزمات النفسية بشكل ملحوظ، أصبح الحديث عن هذه الأمراض أكثر انفتاحاً. في هذا المقال، سنتناول أبرز الأمراض النفسية التي تنتشر بشكل واسع في عصرنا الحالي، مع تسليط الضوء على أسبابها، أعراضها، وسبل علاجها.

1. الاكتئاب

الاكتئاب هو واحد من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً في العصر الحديث، ويعتبر من أكبر التحديات الصحية التي تواجه العالم في الوقت الراهن. وهو لا يقتصر على مجرد الحزن أو الكآبة، بل هو حالة مزمنة تؤثر بشكل كبير على التفكير والمشاعر والنشاطات اليومية.

الأسباب:

تتعدد أسباب الاكتئاب وتشمل العوامل الوراثية، الكيميائية الحيوية في الدماغ، التوترات النفسية والمواقف الحياتية الصعبة مثل فقدان الأحباء أو الفشل المهني أو العلاقات العاطفية المتوترة. بالإضافة إلى ذلك، قد تسهم بعض العوامل البيئية مثل العزلة الاجتماعية والضغوط المالية في تحفيز الاكتئاب.

الأعراض:

تتنوع أعراض الاكتئاب من شخص لآخر، ولكن من أبرزها:

• الشعور بالحزن المستمر أو الفراغ العاطفي.

• فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة سابقاً.

• التعب الشديد وصعوبة في الاستيقاظ من النوم.

• الشعور بالذنب أو اليأس.

• صعوبة في التركيز واتخاذ القرارات.

• الأفكار الانتحارية.

العلاج:

يشمل علاج الاكتئاب عادة مزيجاً من العلاج النفسي، مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، والعلاج الدوائي باستخدام مضادات الاكتئاب. كما يُعتبر الدعم الاجتماعي والأنشطة البدنية جزءاً مهماً في التحسن. في الحالات الشديدة، قد يُستخدم العلاج بالصدمات الكهربائية.

2. القلق العام

يُعد القلق العام من الاضطرابات النفسية التي تُعاني منها فئات كبيرة من الناس في العصر الحالي. يُصاب الأفراد الذين يعانون من القلق العام بشعور مستمر من القلق والتوتر دون وجود سبب مادي واضح لهذا القلق.

الأسباب:

من بين العوامل التي قد تساهم في ظهور القلق العام: العوامل الوراثية، تجارب الطفولة الصعبة، والتعرض للإجهاد المستمر. كما قد تلعب الاضطرابات الكيميائية في الدماغ دوراً مهماً في تطور هذا الاضطراب.

الأعراض:

تشمل أعراض القلق العام:

• الشعور الدائم بالتوتر والقلق حول الأمور اليومية.

• صعوبة في الاسترخاء أو النوم.

• التعرق الزائد وتسارع ضربات القلب.

• الشعور بالدوار أو ضيق التنفس.

• الإرهاق المستمر وعدم القدرة على التركيز.

العلاج:

يمكن أن يشمل العلاج استخدام الأدوية المضادة للقلق، مثل البنزوديازيبينات أو مضادات الاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، يُعد العلاج المعرفي السلوكي فعالاً في مساعدة الأشخاص على التعامل مع مشاعر القلق.

3. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

يحدث اضطراب ما بعد الصدمة نتيجة لتجربة حدث مروع، مثل الحرب، الحوادث الكبرى، الاعتداءات الجسدية أو العاطفية، أو الكوارث الطبيعية. يُعتبر PTSD من الاضطرابات النفسية المعقدة التي تؤثر بشكل بالغ على الأفراد.

الأسباب:

السبب الرئيسي لهذا الاضطراب هو التعرض لحدث صادم يؤدي إلى تعطيل التكيف النفسي للفرد. تساهم العوامل الوراثية والبيئية في تسريع أو إبطاء تطور هذا الاضطراب.

الأعراض:

من أبرز أعراض اضطراب ما بعد الصدمة:

• إعادة تجربة الحدث المروع من خلال الذكريات المتكررة أو الكوابيس.

• تجنب الأماكن أو الأشخاص المرتبطين بالحادثة.

• الشعور بالعجز العاطفي وصعوبة في الحفاظ على العلاقات.

• الأرق والمشاكل النوم.

• الانفعالات المفاجئة مثل الغضب المفرط.

العلاج:

يشمل العلاج النفسي مثل العلاج المعرفي السلوكي، والذي يساعد المرضى على التعامل مع الذكريات المزعجة. كما يمكن أن يُستخدم العلاج بالتعرض أو العلاج الجماعي للمساعدة في الشفاء من آثار الصدمة.

4. اضطراب الشخصية الحدية

يُعرف اضطراب الشخصية الحدية (BPD) أيضاً باضطراب الشخصية الانفعالية، وهو يتميز بالتقلبات الشديدة في المزاج، والعلاقات الشخصية المتوترة، وسلوكيات الاندفاع. يعد هذا الاضطراب من أكثر الاضطرابات النفسية صعوبة في التشخيص والعلاج.

الأسباب:

تتراوح الأسباب بين العوامل الوراثية، بيئية، وتجريبية. غالباً ما يكون لدى الأشخاص المصابين بالـ BPD تاريخ من سوء المعاملة أو الإهمال خلال مرحلة الطفولة.

الأعراض:

تشمل الأعراض:

• تقلبات مزاجية حادة، حيث قد ينتقل الشخص من الشعور بالسعادة إلى الحزن أو الغضب في فترة زمنية قصيرة.

• صعوبة في الحفاظ على العلاقات الشخصية بسبب الخوف من الهجر أو الرفض.

• اندفاع في السلوكيات مثل القيادة المتهورة أو تعاطي المخدرات.

• شعور قوي بعدم الاستقرار في الهوية.

• سلوكيات انتحارية أو إيذاء النفس.

العلاج:

يتم العلاج باستخدام العلاج السلوكي الجدلي (DBT)، الذي يساعد الأفراد على إدارة مشاعرهم وتنظيم سلوكهم. يمكن أن يشمل العلاج أيضًا الأدوية المضادة للاكتئاب أو مضادات الذهان إذا لزم الأمر.

5. الوسواس القهري

الوسواس القهري (OCD) هو اضطراب نفسي يتميز بالأفكار المزعجة المتكررة (الوساوس) والسلوكيات القهرية التي يتم تنفيذها لتخفيف القلق الناتج عن هذه الأفكار.

الأسباب:

تعد العوامل الوراثية والاختلالات الكيميائية في الدماغ من الأسباب المحتملة لهذا الاضطراب. كما يمكن أن تسهم الصدمات النفسية أو الضغوط الحياتية في تفاقم الحالة.

الأعراض:

تتمثل الأعراض في:

• أفكار وسواسية متكررة، مثل الخوف المبالغ فيه من الجراثيم أو الضرر.

• القيام بأفعال قهرية مثل غسل اليدين بشكل متكرر أو التحقق المستمر من الأبواب والنوافذ.

• مشاعر قهرية وصعوبة في التوقف عن السلوكيات المزعجة رغم إدراك الشخص أنها غير منطقية.

العلاج:

يشمل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والذي يركز على تحدي الأفكار الوسواسية، بالإضافة إلى الأدوية مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs).

6. اضطرابات الأكل

تشمل اضطرابات الأكل مجموعة من السلوكيات غير الطبيعية التي ترتبط بتناول الطعام، مثل فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) والشراهة العصبية (Bulimia Nervosa). هذه الاضطرابات تؤثر بشكل كبير على الصحة الجسدية والنفسية.

الأسباب:

تتعدد الأسباب بين العوامل الوراثية، العوامل البيئية مثل ضغوط وسائل الإعلام أو التنمر حول الجسم، وكذلك الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب.

الأعراض:

تتمثل الأعراض في:

• فقدان الوزن بشكل مفرط أو تناول كميات كبيرة من الطعام تليها محاولات للتخلص من الطعام مثل التقيؤ.

• قلق مفرط بشأن الشكل أو الوزن.

• شعور بالذنب أو الخجل بعد تناول الطعام.

العلاج:

يشمل العلاج النفسي مثل العلاج السلوكي المعرفي، بالإضافة إلى الدعم الطبي والتغذوي. في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر العلاج بالأدوية لمعالجة الاكتئاب أو القلق المصاحب لهذه الاضطرابات.

الختام

إن الأمراض النفسية ليست مجرد حالات عابرة يمكن التغلب عليها بسهولة، بل هي تحديات حقيقية تتطلب فهماً عميقاً، وعلاجاً مناسباً، ودعماً متواصلاً. إن المجتمع الحالي بحاجة إلى توعية أكبر بشأن هذه الأمراض، وكذلك إلى المزيد من الدعم للمصابين بها للتغلب على وصمة العار التي تحيط بالصحة النفسية. من المهم أن نولي هذا الجانب من الصحة الاهتمام الذي يستحقه من أجل بناء مجتمعات صحية وأكثر مرونة.