أكبر مسجد في أوقيانوسيا

يُعد “مسجد لاكمبا” (Lakemba Mosque) في مدينة سيدني الأسترالية أكبر مسجد في قارة أوقيانوسيا، وهو رمزٌ ديني وثقافي مهم للمسلمين في أستراليا والمنطقة بأكملها. تمثّل هذه البنية المعمارية الضخمة مركزًا حيويًا للمجتمع الإسلامي، ليس فقط في أداء الصلوات، بل كمؤسسة تعليمية واجتماعية وثقافية تؤدي دورًا محوريًا في الحفاظ على هوية المسلمين في بيئة غربية. يتميز مسجد لاكمبا بمساحته الواسعة التي تتسع لآلاف المصلين، وتاريخه العريق الذي يمتد لعقود، وموقعه الاستراتيجي في إحدى أكثر الضواحي تنوعًا في مدينة سيدني.

الموقع والبنية المعمارية

يقع مسجد لاكمبا في ضاحية لاكمبا التابعة لمدينة سيدني في ولاية نيو ساوث ويلز، وتعد هذه الضاحية من أكثر المناطق التي يسكنها مسلمون في أستراليا. تم بناء المسجد في أوائل الستينيات من قبل الجمعية الإسلامية اللبنانية (Lebanese Muslim Association)، ليكون أول مسجد كبير في البلاد يخدم المجتمع المسلم الذي بدأ يتوسع بشكل ملحوظ بعد الحرب العالمية الثانية.

يتسم المسجد بهندسته المعمارية المستوحاة من الطراز العثماني، حيث يضم قبة رئيسية كبيرة ومئذنتين بارزتين، بالإضافة إلى ساحة واسعة وحدائق محيطة به. المساحة الداخلية للمسجد تتسع لما يزيد عن 5,000 مصلٍّ، ما يجعله الأكبر في قارة أوقيانوسيا من حيث القدرة الاستيعابية. كما يحتوي على قاعات متعددة للاجتماعات والمحاضرات، ومدارس لتحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية، ومرافق خاصة للنساء.

التاريخ والتأسيس

تأسس المسجد رسمياً في عام 1977 بعد أن تم تطويره وتوسعته عدة مرات استجابة للزيادة الكبيرة في عدد المسلمين في المنطقة. تعود جذور المسجد إلى الخمسينيات عندما بدأ المجتمع المسلم اللبناني، ومعظمهم من المهاجرين الأوائل، بتجميع الأموال لبناء مركز ديني يمثلهم. ومع مرور السنوات، تطور المسجد من مبنى صغير إلى مجمع إسلامي متكامل يستقبل عشرات الآلاف من الزوار سنويًا، خاصة خلال شهر رمضان والعيدين.

الدور الديني والاجتماعي

لا يقتصر دور مسجد لاكمبا على الجانب الديني فقط، بل يتعداه إلى مجالات التعليم والرعاية الاجتماعية. المسجد يُعد مركزًا لإقامة دورات تعليمية للأطفال والكبار، تشمل تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم اللغة العربية، والعلوم الإسلامية، إلى جانب توفير برامج توعوية تتناول القضايا الأسرية والاجتماعية والصحية.

يلعب المسجد دورًا كبيرًا في تقديم الدعم للمهاجرين الجدد عبر برامج الاندماج المجتمعي التي تشمل ورش العمل، والخدمات الاستشارية، والمساعدة في التوظيف والتعليم. كما ينظم المسجد حملات طبية مجانية، وفعاليات ثقافية تعزز من التفاهم بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الأسترالي.

التأثير الثقافي والسياسي

نظرًا لحجمه ومكانته، أصبح مسجد لاكمبا منصة رئيسية للمجتمع المسلم في أستراليا للتعبير عن قضاياه، ويُعتبر صوتًا مسموعًا في الحوارات الوطنية المتعلقة بالهوية والتعددية الثقافية والدين. كما يحظى المسجد بزيارات منتظمة من قبل سياسيين أستراليين، ويشارك في المؤتمرات والأنشطة بين الأديان، مما يعزز من دوره كمؤسسة تربط بين المسلمين وغير المسلمين.

المناسبات الدينية الكبرى

من أبرز ما يميز مسجد لاكمبا هو استضافته لفعاليات شهر رمضان المبارك، حيث يجتمع الآلاف يوميًا لصلاة التراويح، ويفتح أبوابه للمجتمع الأوسع من غير المسلمين لحضور وجبات الإفطار الجماعية، في خطوة تعزز من التفاهم بين الأديان والثقافات. أما في عيد الفطر وعيد الأضحى، فيشهد المسجد أكبر التجمعات الدينية في أستراليا، حيث يقصده المصلون من جميع أنحاء سيدني.

التعليم والإعلام

يرتبط المسجد بالعديد من المدارس والمراكز التعليمية التي تُشرف عليها الجمعية الإسلامية اللبنانية. كما يدير مركزًا إعلاميًا خاصًا به يُسهم في إنتاج محتوى تعليمي وإسلامي يخدم الجاليات الإسلامية في أستراليا، ويعزز من نشر القيم الإسلامية المعتدلة. ويُنشر عن طريق هذا المركز عدد من الإصدارات الدورية التي تتناول القضايا الإسلامية والتحديات التي يواجهها المسلمون في الغرب.

التحديات والانتقادات

ورغم الأدوار المهمة التي يؤديها المسجد، إلا أنه لم يسلم من الانتقادات، خاصة من وسائل الإعلام الأسترالية التي تراقب عن كثب أي نشاط ديني في المجتمع الإسلامي. تعرض المسجد في بعض الفترات لهجمات إعلامية مرتبطة بقضايا سياسية أو تصريحات لأئمة سابقين، مما خلق ضغطًا على إدارته لتبني خطاب متزن ومعتدل يعكس الصورة الحقيقية للمجتمع الإسلامي.

وقد واجه المسجد أيضًا تحديات مالية وتنظيمية في بعض المراحل، خصوصًا في ظل محاولاته لتوسيع برامجه وخدماته. إلا أن الدعم المجتمعي الكبير الذي يحظى به المسجد من قبل الجالية الإسلامية كان عاملًا أساسيًا في استمرار نشاطه وتوسعه.

علاقة المسجد بالمجتمعات غير المسلمة

يسعى مسجد لاكمبا إلى بناء جسور من التفاهم والتعاون مع المجتمعات الدينية والثقافية الأخرى. ينظم المسجد فعاليات حوار بين الأديان، ويستضيف زوارًا من خلفيات ثقافية ودينية متنوعة. ويُعتبر من أبرز الأمثلة على الانفتاح الإسلامي في البيئة الغربية، حيث يُقدم نموذجًا للتعايش السلمي والتكامل المجتمعي.

وقد أشاد العديد من قادة الأديان الأخرى في أستراليا، كرجال الدين المسيحيين واليهود، بدور مسجد لاكمبا في دعم الاستقرار المجتمعي، ومساهمته في نشر قيم التسامح والاحترام المتبادل.

الجدول: معلومات رئيسية عن مسجد لاكمبا

الخلاصة

يمثل مسجد لاكمبا أكبر مسجد في أوقيانوسيا من حيث الحجم والدور المجتمعي، ويُعد شاهدًا حيًا على حضور الإسلام في أستراليا وتعايشه مع المجتمع المتعدد الثقافات. من خلال أنشطته الدينية والتعليمية والاجتماعية، يقدم المسجد نموذجًا للمؤسسة الإسلامية المتكاملة التي تلعب دورًا فعّالًا في بناء مجتمع متماسك، منفتح، ومتعدد الأبعاد، ما يجعله ليس فقط معلمًا دينيًا، بل مؤسسة محورية في قلب المجتمع الأسترالي.

المراجع

1. Lebanese Muslim Association – Official Website

2. “Islam in Australia: A History.” Australian National University Press, 2016.

3. “Multicultural Sydney.” City of Canterbury-Bankstown, Local Government Report, 2022.

4. Saeed, Abdullah. Muslims in the West: A New Perspective. Oxford University Press, 2019.

5. “Mosques and Muslim Communities in Oceania.” Journal of Islamic Studies, Vol. 28, No. 2, 2021.