أكبر عدد سكان في العالم

أكبر عدد سكان في العالم

تُعد قضية الكثافة السكانية والتعداد البشري من أبرز المواضيع التي تشغل المجتمعات الدولية والعلماء وصنّاع السياسات حول العالم، نظراً لتأثيراتها العميقة على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وفي قلب هذا المشهد، تتبوأ بعض الدول مكانة متقدمة باعتبارها صاحبة أكبر عدد سكان في العالم، مما يفرض تحديات وفرصاً على حد سواء. وتحتل الصين والهند الصدارة في هذا السياق، إذ لطالما شهدتا معدلات نمو سكاني هائلة شكلت ملامح اقتصادهما ومجتمعهما وثقافتهما الداخلية. ورغم التقلبات التي تشهدها بعض المناطق، تبقى مسألة التعداد السكاني معياراً أساسياً لفهم التحولات السكانية الكبرى عبر التاريخ المعاصر.

التعداد السكاني العالمي: لمحة عامة

حتى منتصف عام 2024، بلغ عدد سكان العالم حوالي 8.1 مليار نسمة وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. وقد استغرق وصول عدد السكان إلى هذا الرقم الضخم قروناً طويلة من التحولات الاقتصادية والصحية والسياسية. ففي عام 1800، لم يتجاوز عدد سكان العالم مليار نسمة، لكن التقدم العلمي في مجال الطب، وتحسن التغذية، وتراجع معدلات الوفيات، لا سيما وفيات الأطفال، ساهم بشكل ملحوظ في تسريع وتيرة النمو السكاني.

يمثل سكان قارة آسيا ما يزيد عن 60٪ من التعداد العالمي، إذ تستأثر وحدها بكل من الصين والهند، اللتين تتجاوز أعداد سكان كل منهما حاجز المليار نسمة. وفي حين أن قارتي أفريقيا وآسيا تشهدان معدلات نمو سكاني مرتفعة، فإن بعض الدول في أوروبا الشرقية واليابان وكوريا الجنوبية، بل وأجزاء من أمريكا اللاتينية، تعاني من تراجع في معدلات النمو أو حتى انخفاض في عدد السكان.

الدول الأكثر سكانًا في العالم

1. الهند

بلغ عدد سكان الهند في أوائل عام 2024 ما يزيد عن 1.43 مليار نسمة، متجاوزة بذلك الصين لتصبح الدولة الأكثر سكاناً على مستوى العالم. ويُعزى هذا النمو إلى عدة عوامل من أبرزها انخفاض معدلات الوفيات، ومستوى الخصوبة المرتفع في بعض المناطق، بالإضافة إلى التحسن في الخدمات الصحية والتعليمية.

يمثل الشباب نسبة كبيرة من سكان الهند، إذ يُقدَّر أن أكثر من 50% من السكان دون سن 25 عاماً، وهذا يخلق قاعدة بشرية ضخمة يمكن أن تمثل قوة دافعة للاقتصاد، ولكن في الوقت نفسه تفرض تحديات ضخمة فيما يتعلق بتوفير الوظائف والخدمات الأساسية.

2. الصين

كانت الصين الدولة الأكبر من حيث عدد السكان على مدى عقود، ولكنها تراجعت إلى المرتبة الثانية بعد الهند. وبلغ عدد سكانها في عام 2024 حوالي 1.41 مليار نسمة. شهدت الصين تحولاً ديموغرافياً واضحاً بعد عقود من تطبيق سياسة الطفل الواحد، والتي أدت إلى شيخوخة سكانية متزايدة وانخفاض معدل الخصوبة.

يواجه المجتمع الصيني اليوم تحديات ضخمة بسبب الفجوة المتزايدة بين الأجيال، ونقص القوى العاملة، وارتفاع كلفة الرعاية الصحية للمسنين. وتسعى الحكومة الصينية حالياً لتشجيع الولادات عبر حوافز مالية وسياسات دعم للأسرة.

3. الولايات المتحدة الأمريكية

تمثل الولايات المتحدة ثالث أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، إذ بلغ عدد سكانها حوالي 340 مليون نسمة. على الرغم من أن معدل الخصوبة فيها منخفض مقارنة بدول مثل الهند، فإنها تستفيد من موجات الهجرة المستمرة التي تعزز النمو السكاني وتساهم في تنويع البنية الديموغرافية للمجتمع.

وتُعد الولايات المتحدة حالة فريدة من نوعها بين الدول المتقدمة، حيث لا تزال تحتفظ بمعدل نمو سكاني إيجابي مقارنة بالدول الأوروبية أو شرق آسيا.

4. إندونيسيا

بلغ عدد سكان إندونيسيا ما يزيد عن 280 مليون نسمة، ما يجعلها أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، ورابع أكبر دولة في العالم. ويتميز سكان إندونيسيا بالتنوع العرقي والديني، فضلاً عن التوزيع الجغرافي الواسع في أكثر من 17 ألف جزيرة.

النمو السكاني في إندونيسيا معتدل، وقد استطاعت الدولة تحقيق تقدم كبير في مجال التعليم والرعاية الصحية، مما ساهم في رفع متوسط عمر الفرد وتخفيض نسب الفقر.

5. باكستان

تحتل باكستان المرتبة الخامسة عالمياً من حيث عدد السكان، بعدد يتجاوز 240 مليون نسمة. ويعتبر معدل الخصوبة في باكستان من الأعلى بين الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ويُعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

تعاني باكستان من تحديات تنموية كبيرة تتمثل في محدودية الموارد، وضعف البنية التحتية، وتفاوتات كبيرة في توزيع الخدمات بين المدن والمناطق الريفية.

6. نيجيريا

تأتي نيجيريا في المرتبة السادسة عالمياً، والأولى على مستوى القارة الإفريقية، بعدد سكان يزيد عن 230 مليون نسمة. وتمتاز نيجيريا بتركيبة سكانية شابة ونمو سكاني سريع للغاية، ويتوقع أن تتجاوز الولايات المتحدة في عدد السكان خلال العقود المقبلة.

رغم التحديات الأمنية والاقتصادية، فإن نيجيريا تُعد من الأسواق الواعدة، إلا أن نمو السكان يفوق أحياناً قدرة الحكومة على توفير التعليم، والخدمات الصحية، والبنية التحتية.

جدول يوضح أكبر 10 دول من حيث عدد السكان (تقديرات 2024):

الانعكاسات الاقتصادية للنمو السكاني

يمثل التعداد السكاني الكبير سلاحاً ذا حدين من الناحية الاقتصادية. فمن جهة، يُمكن أن يكون دافعاً للنمو عبر توسيع سوق الاستهلاك وتوفير يد عاملة ضخمة، كما هو الحال في الهند وإندونيسيا. ومن جهة أخرى، فإن النمو السكاني السريع دون تنمية موازية في البنية التحتية والخدمات يؤدي إلى تآكل الموارد الطبيعية وتفاقم الفقر والبطالة.

في الصين، مثلاً، ساهم النمو السكاني في خلق سوق داخلية عملاقة، ولكن مع انخفاض معدلات الخصوبة، تواجه الصين تحدياً في الحفاظ على معدل نمو اقتصادي مستدام بسبب تراجع القوى العاملة. وفي المقابل، تعتمد دول مثل نيجيريا وباكستان على التحول الديموغرافي من خلال توجيه الاستثمار في التعليم والصحة لتوظيف الطاقات البشرية الهائلة.

التحديات البيئية والاجتماعية

النمو السكاني الكثيف يُفاقم من الضغوط البيئية، حيث تزداد الحاجة إلى المياه والغذاء والطاقة، وتتضاعف الانبعاثات الكربونية، وتزيد معدلات إزالة الغابات. ففي دول مثل الهند وبنغلاديش، يُشكّل التلوث الهوائي وتلوث الأنهار تهديداً مباشراً على صحة السكان.

أما من الناحية الاجتماعية، فإن الاكتظاظ السكاني يؤدي إلى نقص في المساكن، وازدحام في وسائل النقل، وارتفاع معدلات الجريمة، خصوصاً في المدن الكبرى. كما تؤدي الفجوات في توزيع الثروة والخدمات إلى توترات اجتماعية وسياسية حادة، خاصة في الدول ذات الموارد المحدودة.

دور السياسات الحكومية في إدارة النمو السكاني

تقوم الحكومات بوضع استراتيجيات لتنظيم السكان بحسب ظروف كل دولة. ففي الصين، أدى تطبيق سياسة الطفل الواحد ثم الطفلين ولاحقاً الثلاثة إلى محاولة تحقيق التوازن بين النمو السكاني والاقتصاد. أما في الهند، فترتكز السياسة السكانية على التوعية وتنظيم الأسرة دون إجراءات إلزامية.

في المقابل، تعتمد بعض الدول الأوروبية على سياسات تشجيع الإنجاب، مثل فرنسا والسويد، لمواجهة شيخوخة السكان. بينما تحاول دول أخرى مثل إثيوبيا وبنغلاديش تحقيق التوازن من خلال الاستثمار في برامج الصحة الإنجابية والتعليمية.

التوقعات المستقبلية للسكان

تشير التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم سيصل إلى حوالي 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، ومن المتوقع أن تحتل الهند ونيجيريا مراكز متقدمة ضمن أكبر الدول من حيث عدد السكان، بينما قد تتراجع الصين تدريجياً بسبب انخفاض معدل الخصوبة.

ومن المرجح أن يكون النمو السكاني الأكبر في القارة الإفريقية، التي يُتوقع أن تضاعف عدد سكانها في غضون العقود القادمة. وهذا يتطلب سياسات تنموية مستدامة تستثمر في رأس المال البشري وتقلل من التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية.

خاتمة تحليلية

يمثل التعداد السكاني أحد أهم محركات التغيير في العالم الحديث. فالدول ذات الكثافة السكانية العالية لا تواجه فقط تحديات ديموغرافية، بل تمتلك أيضاً فرصاً استثنائية للنمو والابتكار والتوسع الاقتصادي إذا ما تم استغلال الموارد البشرية بشكل فعال. ويبقى التوازن بين السكان والتنمية عاملاً حاسماً في تشكيل مستقبل الدول والمجتمعات، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية، والتقلبات الاقتصادية، والتحديات الجيوسياسية المستجدة.

المراجع:

• تقرير الأمم المتحدة حول توقعات السكان العالميين 2022 – UN DESA

• قاعدة بيانات البنك الدولي الخاصة بالتعداد السكاني والتنمية