أكبر شجرة زيتون في العالم

أكبر شجرة زيتون في العالم

تُعد شجرة الزيتون من أقدم الأشجار التي عرفها الإنسان وارتبط بها عبر العصور، ليس فقط بسبب ثمارها المباركة، بل لما ترمز إليه من السلام والصمود والجذور العميقة في الأرض والتاريخ. ومن بين ملايين أشجار الزيتون المنتشرة في العالم، تبرز شجرة واحدة تُلقّب بـ”أكبر شجرة زيتون في العالم”، وهي الشجرة الموجودة في قرية “فوفاس” بجزيرة كريت اليونانية. تتميز هذه الشجرة بعمرها الاستثنائي وضخامتها، وتُعد رمزًا بيئيًا وثقافيًا فريدًا للبشرية جمعاء.

الموقع الجغرافي والبيئة المحيطة

تقع أكبر شجرة زيتون في العالم في منطقة فوفاس (Vouves) التابعة لمحافظة خانيا (Chania) بجزيرة كريت، إحدى أكبر الجزر اليونانية وأكثرها غنى من حيث التاريخ والطبيعة. تتميز هذه المنطقة بمناخ البحر الأبيض المتوسط النموذجي، الذي يجمع بين الاعتدال في درجات الحرارة والرطوبة النسبية العالية في الشتاء، والجفاف في الصيف، وهي ظروف مثالية لنمو أشجار الزيتون المعمرة.

الأرض المحيطة بالشجرة تتكون من تربة طينية مختلطة مع العناصر المعدنية الغنية، وهو ما ساهم في استمرارية نمو الشجرة وبقائها على مدى آلاف السنين. يُقال إن هذه الشجرة لم تتوقف يومًا عن إنتاج الزيتون رغم مرور قرون، وهو ما يجعلها ليست فقط معلمًا بيئيًا وإنما كنزًا حيًا من كنوز الطبيعة المتوسطية.

التقدير العمري للشجرة

تشير تقديرات العلماء إلى أن شجرة الزيتون في فوفاس يتراوح عمرها بين 2000 و3000 سنة، وبعض التقديرات المتفائلة تشير إلى أنها قد تصل إلى 3500 سنة. هذا يجعلها واحدة من أقدم الأشجار الحية في العالم. تم استخدام تقنيات تأريخ متقدمة، من بينها تحليل الحلقات الشجرية والكربون المشع، لتحديد عمرها التقريبي، إلا أن الصعوبة تكمن في أن جذع الشجرة قد فقد أجزاءه المركزية بفعل الزمن، مما يصعب معه التحديد الدقيق.

وقد اعترفت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) والمنظمة الدولية للزيتون (IOC) بأهمية هذه الشجرة، كما تم إعلانها كنصب طبيعي من قِبل السلطات اليونانية، لما تمثله من إرث زراعي وثقافي.

المواصفات المورفولوجية للشجرة

الجذع والقطر:

يبلغ محيط الجذع عند القاعدة أكثر من 12.5 مترًا، أما القطر فهو يتجاوز 4.5 مترًا في بعض الأماكن. هذا الحجم الهائل جعل الشجرة تُصنف كواحدة من أضخم الأشجار من حيث القطر بين جميع أنواع الأشجار المعمرة في العالم.

الارتفاع:

يُقدّر ارتفاع الشجرة بحوالي 8 إلى 10 أمتار، وهي لا تُعد من الأشجار الطويلة، بل تمتاز بعرضها وتفرّعها الأفقي الذي يشبه المظلة الضخمة.

اللحاء والتجويفات:

لحاء الشجرة ملتف وعميق التجاعيد، يكشف عن قرون من التاريخ المتراكم. يحتوي الجذع على تجاويف كبيرة تسمح للزائرين بالدخول من خلالها، وقد استُخدم في بعض الاحتفالات كمكان رمزي.

الإنتاج واستمرارية الحياة

رغم تقدمها في العمر، لا تزال الشجرة تنتج الزيتون حتى اليوم، وتُعد رمزًا للخصوبة والاستمرارية. ويُستخرج من ثمارها زيت زيتون يُباع بأسعار عالية جدًا، ويُعبأ بكميات محدودة نظرًا لقيمته الرمزية والتاريخية.

وتُستخدم أغصانها في بعض المناسبات الرسمية، مثل منح غصن زيتون من هذه الشجرة للفائزين بالميداليات الذهبية في الألعاب الأولمبية التي أُقيمت في أثينا عام 2004، في لمسة رمزية تربط بين التراث الإغريقي القديم والحداثة.

الأهمية التاريخية والثقافية

لطالما كانت شجرة الزيتون رمزًا مقدسًا في الحضارات القديمة، وخاصة في الحضارة اليونانية. وقد ورد ذكرها في الأساطير، حيث قيل إن الإلهة “أثينا” قدّمت شجرة زيتون هدية للمدينة التي سُميت باسمها، لتغدو رمزا للحكمة والسلام.

وفي هذا السياق، لا تُعتبر شجرة فوفاس مجرد شجرة فحسب، بل شاهدًا على حضارات متعاقبة مرت من الجزيرة: من المينويين إلى الإغريق، فالرومان، فالعثمانيين، إلى يومنا هذا. وهي تُعد عنصرًا أساسيًا في الهوية الثقافية لسكان جزيرة كريت.

السياحة البيئية ومتحف الزيتون

حول الشجرة القديمة، تم إنشاء متحف صغير مخصص لتاريخ الزيتون وزراعته في كريت، حيث يمكن للزوار الاطلاع على الأدوات القديمة التي كانت تُستخدم في جني الزيتون وعصره، بالإضافة إلى التعرف على تطور الزراعة في المنطقة.

كما تحوّل الموقع إلى مزار سياحي بيئي يستقطب الزائرين من مختلف أنحاء العالم، من المهتمين بالبيئة إلى عشاق التاريخ والباحثين في علوم الأشجار والبيئة المستدامة.

ويُشجَّع الزوار على احترام الموقع والتفاعل معه كتراث حي، حيث تُمنع أي أنشطة قد تضر بالشجرة أو تُخلّ بالتوازن البيئي المحيط بها.

الجدول التالي يُلخّص أهم خصائص الشجرة:

الأبعاد العلمية والبيئية

تمثل الشجرة حالة دراسة فريدة للباحثين في علم النبات والبيئة، حيث تتيح إمكانية دراسة آليات التكيّف البيولوجي والاستدامة طويلة المدى. فكيف استطاعت هذه الشجرة، رغم تغيرات المناخ ومرور الزمن، أن تستمر في النمو والإنتاج؟

الإجابات تكمن في البنية الجينية الخاصة بشجرة الزيتون، وقدرتها على تحمل الجفاف والأمراض، إلى جانب الرعاية التقليدية من السكان المحليين. كما يُعتقد أن النُظم البيئية الدقيقة المحيطة بالشجرة، مثل البكتيريا والتربة والميكروبات المفيدة، تلعب دورًا في إطالة عمرها.

أهمية الحفاظ على الأشجار المعمرة

تعد الأشجار المعمرة مثل شجرة الزيتون في فوفاس أصولًا بيئية لا تقدر بثمن، فهي خزائن وراثية، وسجلات مناخية، وشهود صامتون على التاريخ. الحفاظ عليها لا يصب فقط في مصلحة المنطقة التي تقع فيها، بل في مصلحة الإنسانية ككل، خصوصًا في عصر التغير المناخي.

وقد دعت منظمات بيئية عديدة إلى وضع هذه الشجرة وغيرها من الأشجار المعمرة تحت الحماية الدولية، وإنشاء سجل عالمي للأشجار القديمة بهدف تتبعها ودراستها وصونها.

مقارنات مع أشجار زيتون أخرى في العالم

رغم أن شجرة فوفاس تُعد الأكبر من حيث القطر والعمر المؤكد، إلا أن هناك أشجار زيتون أخرى تُنافسها من حيث الشهرة أو الجمال أو الغزارة الإنتاجية، نذكر منها:

• شجرة الزيتون في الجليل الأعلى بفلسطين: يُقال إن عمرها يتجاوز 2000 عام، وهي من الأشجار الرمزية في الثقافة الفلسطينية.

• شجرة الزيتون في مدينة البتراء بالأردن: تعود لأكثر من 1500 سنة وتُعد من الأشجار التاريخية.

• شجرة الزيتون في قرية أوليفي بإيطاليا: محمية طبيعية وتعتبر رمزًا للزراعة التقليدية.

لكن تظل شجرة فوفاس ذات الخصائص الفيزيائية الفريدة والعمر الموثق، هي التي تحظى بلقب “أكبر شجرة زيتون في العالم” من الناحية العلمية والثقافية المعترف بها دوليًا.

الخاتمة

إن أكبر شجرة زيتون في العالم ليست مجرد كائن حي قديم، بل هي ذاكرة حية تسكنها أجيال من الزمن. بمرور القرون، ظلت شامخة كرمز للأمل والحياة، شاهدة على تقلبات التاريخ والتحولات الطبيعية والثقافية في قلب البحر الأبيض المتوسط. تمثل هذه الشجرة جوهر العلاقة الإنسانية بالطبيعة، وتذكرنا بحكمة الاستدامة وجمال الاستمرارية. ولهذا، فإن احترامها وحمايتها ليس ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة بيئية وتاريخية.

المراجع:

1. Olive Tree Museum of Vouves – https://www.olivemuseumvouves.com

2. International Olive Council – https://www.internationaloliveoil.org