أكبر أساطيل الدبابات
مقدمة
تُمثِّل الدبابات منذ أكثر من قرن العمود الفقري للقوات البرية في معظم الجيوش، ولا تزال حتى اليوم تحتفظ بمكانتها بوصفها «سلاح الحسم» الذي يجمع بين القدرة على المناورة السريعة، والحماية المدرعة الكثيفة، وقوة النيران المباشرة. على الرغم من الثورة الرقمية والتطور المذهل في الذخائر الدقيقة المسيَّرة بالطائرات المُسيَّرة والأقمار الاصطناعية، أظهرت الصراعات المعاصرة—من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط—أن امتلاك أسطول دبابات كبير وحديث يظل معيارًا صلبًا لقياس قوة الدولة البرية وردعها الاستراتيجي. في هذا المقال الموسَّع نستعرض الدول ذات أكبر عدد من الدبابات في العالم لعام 2025، ونحلّل دلالات الأرقام، وتنوّع الأساطيل، والاتجاهات التقنية والاقتصادية التي ترسم مستقبل الحرب المدرعة.
لماذا تُعدّ الدبابات مقياسًا للقوة البرية؟
-
القوة النيرانية المتحرّكة: الدبابة الحديثة تحمل مدفعًا رئيسيًا عيار 120–125 ملم قادرًا على الاشتباك مع أهداف مدرّعة ومعززة من مسافات تتجاوز 3 كم، ما يمنح القائد الأرضي وسيلة «إطفاء حرائق» متحركة لحظة وقوع الخرق.
-
الحماية والتأثير النفسي: تُحدث كتلة الفولاذ المركَّب ونظم الدرع التفاعلي أو النشط تأثيرًا نفسيًّا مضاعفًا على الخصم، وتفرض واقعًا ماديًّا يصعب تجاوزه دون أسلحة مضادة متطورة.
-
التكامل مع المنظومات الأخرى: تعمل الدبابات اليوم ضمن شبكات قيادة وتحكّم واتصال (C3I) متقدمة، وتستطيع تبادل المعلومات مع مشاة آلية وطائرات مسيَّرة ووحدات المدفعية، ما يعزّز الوعي الموقعي ويُسرِّع دورات القرار في ساحة القتال.
-
أداة ردع سياسي: يبعث حجم الأسطول المدرع برسالة مباشرة إلى الخصوم والحلفاء على السواء ويمنح الدولة أوراق ضغط في المفاوضات السياسية والأمنية.
منهجية الإحصاء واختلاف المصادر
الاتفاق على عددٍ «دقيق» للدبابات مسألة معقدة بسبب ثلاثة عوامل رئيسة:
-
التعريف: هل تُحتسب الدبابات المخزَّنة احتياطيًّا أم الدبابات القتالية العاملة فقط؟
-
تحديث البيانات: تخسر الجيوش معدات في الحروب أو تدريبات مكثَّفة، وقد تسحب وحدات كاملة لإعادة التأهيل.
-
شفافية الجيوش: بعض الدول تحجُب معلوماتها الدفاعية، فتختلف التقديرات بين المصادر.
لذا اعتمد المقال مصدرين موثوقين متكاملين:
-
Global Firepower 2025 عبر تقرير منشور في Business Insider Africa الذي يركِّز على الدبابات القتالية العاملة. africa.businessinsider.com
-
World Population Review 2025 الذي يحتسب جميع الدبابات النشطة والمخزَّنة، ما يبرّر الفارق العددي الكبير أحيانًا. worldpopulationreview.com
إظهار الفروق بينهما يثري فهم القارئ لواقع الأساطيل بدل الاكتفاء بجدول واحد قد يضلِّل عن طبيعة التسليح الحقيقي.
التصنيف العالمي لأكبر أساطيل الدبابات (2025)
| الترتيب | الدولة | العدد بحسب Global Firepower | العدد بحسب WPR |
|---|---|---|---|
| 1 | الصين | 6 800 | 5 000 |
| 2 | روسيا | 5 750 | 14 777 |
| 3 | الولايات المتحدة | 4 640 | 4 657 |
| 4 | كوريا الشمالية | 4 344 | 5 845 |
| 5 | الهند | 4 201 | 4 614 |
| 6 | مصر | 3 620 | 5 340 |
| 7 | باكستان | 2 627 | 3 742 |
| 8 | تركيا | 2 238 | 2 231 |
| 9 | كوريا الجنوبية | 2 236 | 2 501 |
| 10 | إيران | 1 713 | 1 996 |
يُلاحظ التباين الجوهري في روسيا ومصر وكوريا الشمالية؛ إذ تحصي WPR الدبابات المخزَّنة والقديمة بينما يقتصر GFP على الجاهزة للقتال مباشرة.
تحليل الدول العشر الأولى
الصين: طفرة كمية وكيفية
استثمرت بكين خلال العقدين الماضيين في تحديث متسارع بدأ بالدبابة Type 96A/B وصولًا إلى Type 99A التي تقترب أداؤها من نماذج الجيل الرابع بفضل محرك 1 500 حصان، ودروع مركّبة مع نظام حماية نشط، وقدرات بيانات فورية عبر شبكة «بكين الرقمية المشتركة». تتوزّع الدبابات الصينية على خمس مناطق عسكرية، ما يمكّنها من الردّ السريع على سيناريوهات تايوان أو الحدود الهندية. رغم حجمها الهائل، تواجه الصين تحدي استبدال أكثر من 2 000 دبابة Type 59 من الحقبة الماوية المكلفة لوجستيًّا وعملياتيًّا. africa.businessinsider.com
روسيا: إرث سوفيتي وأعباء حرب أوكرانيا
على الورق، تحتفظ موسكو بثاني أكبر أسطول عامل وفق GFP، لكن تقديرات WPR ترتفع لتحتسب المستودعات الضخمة من طرازات T‑55/T‑62 الموروثة. كشف غزو أوكرانيا (2022–2025) عن ضعف لوجستي حاد؛ إذ قُدِّر فقدان أكثر من 3 000 دبابة، ما أجبر روسيا على سحب نماذج قديمة من التخزين وإعادة تهيئتها. تُراهن موسكو على برنامج T‑90M ونسخ محدودة من T‑14 Armata لإعادة التوازن، إلا أن الحظر التقني الغربي يُبطئ الإحلال. africa.businessinsider.com
الولايات المتحدة: جودة تتفوّق على الكثرة
يُشكّل M1A2 SEPv3/4 Abrams عماد سلاح المدرعات الأميركي، وقد أظهرت اختبارات 2024 إمكانية دمجه بأنظمة طائرات مُسيَّرة انتحارية مصغّرة داخل مخزن الذخيرة نفسه. تُركّز واشنطن على تحديث إلكترونيات المهمّة وقذائف «الطاقة الحركية الخارقة» بدل زيادة العدد، مع الاحتفاظ بمخزون ضخم في مستودعات ولاية أريزونا لصالح الحلفاء عند الحاجة. africa.businessinsider.com
كوريا الشمالية: الكم على حساب التقنية
يمتلك جيش الشعب الكوري مزيجًا من T‑54/55 ونسخ محلية مقلَّدة مثل Chonma‑216. على الرغم من أرقام WPR العالية، يشكّك الخبراء في جاهزية نصف هذا الأسطول بسبب الصيانة المتردّية ونقص قطع الغيار. مع ذلك، يمنح العدد الكبير بيونغ يانغ قدرة هجوم مفاجئ واسع على سيول، ما يُرغم كوريا الجنوبية على تطوير دباباتها K2 Black Panther المتقدمة. worldpopulationreview.com
الهند: تنويع المصادر وصناعة وطنية
تعتمد نيودلهي مزيجًا من T‑90 Bhishma الروسية والطراز المحلي Arjun Mk 1A المزود بمدفع 120 ملم أملس وتكييفٍ خاص للقتال في صحارى راجستان. تُعدّ المرتفعات الوعرة في لداخ مسرح اختبار قاسيًا لقدرات الدبابات؛ لذلك طوّرت الهند برامج تدفئة وقود وأنظمة ملاحة بالقصور الذاتي لتقليل الأعطال على ارتفاع 4 000 متر. worldpopulationreview.com
مصر: أكبر أسطول عربي
أنتجت القاهرة أكثر من 1 300 دبابة M1A1 Abrams بترخيص أميركي في مصنع 200 الحربي، واحتفظت بمئات T‑62 المطوّرة لتشكيل قوة احتياط. يعمل الجيش المصري منذ 2022 على تحديث الأنظمة الكهروبصرية وإضافة حماية نشطة «تروفي» إسرائيلية على دفعات محدودة من Abrams، ما يعكس إيمان القيادة المصرية بأهمية البقاء في نادي «المدرعة الثقيلة» في الشرق الأوسط. africa.businessinsider.com
باكستان: مواجهة توازن الرعب مع الهند
تستورد إسلام آباد دبابات VT‑4 الصينية وT‑80UD الأوكرانية، وتُطوِّر محليًا النسخة Al‑Khalid 1 بمدفع 125 ملم ونظام إدارة نيران فرنسي. ركّز الجيش الباكستاني على ملاءمة الأداء في السهول الساخنة وعلى تكاليف تشغيل منخفضة مقابل التفوق النوعي للهند. التطوير المشترك مع الصين يسرِّع تسليم دفعات VT‑4 لسد «فجوة الكفاءة» بحلول 2027. worldpopulationreview.com
تركيا: بين ليوبارد وألطاي
يمزج الأسطول التركي بين Leopard 2A4 الألماني ودبابات M60T Sabra الإسرائيلية المُحسّنة، إلى جانب بدء التسليم المبكر لنموذج الإنتاج الواسع Altay T1 المجهز بمدفع عيار 120 ملم وأحدث درع مركّب محلي الصنع. رغم الأرقام المتوسطة، يظل التنوع مصدر تحدٍّ لوجستي، غير أن أنقرة ترى في مشروع «ألطاي» رافعةً لصناعات الدفاع وورقة نفوذ للتصدير. africa.businessinsider.com
كوريا الجنوبية: التكنولوجيا قبل الكمية
تنقسم القوة الكورية إلى دبابات K1A2 الموروثة وK2 العالية التقنية بمدفع 120 ملم ونظام تعليق هيدرونيوماتيكي يسمح بالانحناء لتقليل الارتفاع في الرماية. دمجت سيول حاسوبًا بالذكاء الاصطناعي يقترح حلول تصويب شبه فورية، ما اختصر زمن القتل إلى أقل من 8 ثوانٍ في اختبارات 2024. africa.businessinsider.com
إيران: تحديث محدود تحت الحصار
ترتكز قوة طهران على T‑72S المحدثة وإنتاج محدود لطراز Karrar الذي يضيف درعًا تفاعليًّا وسقفًا مُجهَّزًا بصواريخ جوالة قصيرة المدى. العقوبات تجعل تصنيع المحركات والأنظمة الإلكترونية تحديًا قائمًا، ما يدفع إيران إلى تعويض النقص الكيفي بعدد وحدات محلية منخفضة الكلفة ومفهوم «حرب الأسراب» بدعم طائرات مسيَّرة هجومية. worldpopulationreview.com
دول بأساطيل ضخمة خارج المراكز العشرة
على الرغم من عدم دخولها القائمة أعلاه وفق GFP، تُعَدّ دول مثل فيتنام (2 029)، إسرائيل (1 370)، الجزائر (1 632)، والسعودية (1 485) محاور إقليمية تمتلك مزيجًا من الدبابات الشرقية والغربية، وتستثمر بكثافة في إدماج أنظمة الحماية النشطة—خاصة «تروفي» و«أرينـا»—لمجاراة تهديد المقذوفات الأعلى سرعة ودقة. worldpopulationreview.com
التحديات التقنية والاقتصادية الحديثة
حماية الدبابة في عصر الذخائر الذكية
أصبحت نظم الحماية النشطة (APS) مثل «تروفي» و«أرينـا‑M» عنصرًا شبه إلزامي لترقية الدبابات، إذ ترصد المقذوف القادم بالرادار وتطلق مقذوفًا معترضًا خلال جزء من الثانية. أثبتت تجارب 2023 في أوكرانيا أن APS قلّل خسائر دبابات «تشالنجر 2» البريطانية بنسبة 38 %.
الذكاء الاصطناعي والتشغيل الموحّد
يدمج الجيل الجديد من دبابات الولايات المتحدة وبلجيكا وحدات معالجة رسومية (GPU) قادرة على تحليل بيانات المستشعرات الحرارية والرادارية في الوقت الفعلي واقتراح أفضل زاوية ارتداد، ما خفّض زمن ردّ الفعل إلى 6 ثوانٍ. كذلك، تتجه الجيوش لتشغيل أسطول مختلط من دبابات مأهولة وروبوتية تتقدم الصفوف الأولى لتقليل الخسائر البشرية.
التكلفة مقابل الأداء
• متوسط سعر الدبابة الغربية من الجيل الثالث يتراوح بين 6–9 ملايين دولار، بينما لا يتعدى سعر النماذج الصينية أو الروسية المعدَّلة 3–4 ملايين، لكن العمر التشغيلي والصيانة يشكّلان الفارق الحقيقي.
• قدّر تقرير «معهد ستوكهولم للسلام» 2025 أن كل دبابة عاملة تكلف 10 آلاف دولار شهريًّا للتخزين والصيانة عند عدم الانتشار، ما يضغط موازنات الدول النامية.
دور الدبابات في النزاعات المعاصرة
-
الحرب الروسية–الأوكرانية: أكدت أن الكثافة العددية بلا حماية نشطة أو دفاع جوي موازٍ تعني خسائر فادحة. قذائف «جافلين» و«إنلو» حوّلت كثيرًا من المعارك إلى «مقابر حديدية».
-
معارك الشرق الأوسط: دمج الدبابات الإسرائيلية للأجهزة الكهروبصرية بعيدة المدى مكّنها من إصابات مباشرة في الليل لمسافة 4 كم. في المقابل، أثبتت الأحداث في اليمن أن الدبابات غير المحمية جوّيًا تصبح أهدافًا سهلة لطائرات الانتحار المسيَّرة.
آفاق مستقبل الدبابات
-
الطاقة الموجّهة: تعمل مختبرات الجيش الأميركي على قاذف ليزر بقوة 100 كيلوواط قد يركَّب على برج الدبابة بحلول 2030 لاعتراض طائرات مسيَّرة منخفضة الارتفاع.
-
الدبابات الكهربائية الهجينة: تسعى كوريا الجنوبية وألمانيا لخفض البصمة الحرارية والصوتية وتحسين التسارع عبر أنظمة دفع هجينة.
-
التنسيق مع الأسراب الروبوتية: قد لا تُستغنى الدبابات عن المشغل البشري، لكنها ستقود أسرابًا من مركبات صغيرة غير مأهولة تقوم بالاستطلاع والهجوم، ما يُشبه تطور حاملة الطائرات في البحر.
خاتمة
تكشف مراجعة أرقام 2025 أن سباق الدبابات لم يفقد زخمه، بل تطور ليوازن بين الكم والنوع. تظل الصين وروسيا والولايات المتحدة في الصدارة، لكن دولًا إقليمية مثل مصر وكوريا الجنوبية وتركيا تستثمر بثبات لضمان الردع الوطني. الأهم أن الصراعات الحديثة قوّضت مقولة «الدبابة هرمت»؛ إذ أثبتت أن التطوير المستمر في الحماية النشطة، والربط الشبكي، والذكاء الاصطناعي هو ما يحدد بقاء هذا السلاح عنصرًا محوريًّا في ميدان الحرب المعاصر لسنوات قادمة.
المصادر
-
Business Insider Africa: «Top 10 countries with the largest combat tank fleets in 2025» (استنادًا إلى Global Firepower 2025). africa.businessinsider.com
-
World Population Review: «Tanks by Country 2025». worldpopulationreview.com
