أكبر دول العالم سكاناً

أكبر الدول سكاناً

تشهد الكثافة السكانية العالمية تبايناً كبيراً بين مختلف دول العالم، حيث تسكن بعض الدول أعداداً ضخمة من البشر تتجاوز مئات الملايين، وتُعد هذه الدول الفاعل الرئيسي في السياسات العالمية، والاقتصاد الكوكبي، وحتى في التأثير البيئي والمناخي. وتُقاس هذه الأرقام من خلال التعدادات السكانية التي تجريها الدول بصفة دورية، إضافة إلى التقديرات الصادرة عن مؤسسات دولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي. سنقدم في هذا المقال تحليلاً شاملاً للدول الأكبر من حيث عدد السكان، مع تفصيل العوامل الديمغرافية، الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية التي تؤثر في هذه الظاهرة، وتقديم جداول توضيحية حديثة.

الصين: عملاق سكاني يتجه إلى التراجع

حتى وقتٍ قريب، كانت الصين الدولة الأكبر سكاناً على مستوى العالم، حيث تجاوز عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. يرجع هذا الرقم الهائل إلى سياسات الدولة القديمة التي كانت تشجع الإنجاب حتى سبعينيات القرن الماضي، إضافة إلى استقرار اقتصادي وسياسي ساعد على زيادة متوسط العمر وتحسين الظروف الصحية.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت تغيّراً كبيراً في هذا الاتجاه، حيث بدأت الصين تعاني من تراجع معدل المواليد، وارتفاع نسبة كبار السن، ما دفع الحكومة إلى إلغاء سياسة الطفل الواحد والسماح بإنجاب ثلاثة أطفال، بل وتشجيع ذلك. لكن رغم هذه التغيرات، يواجه المجتمع الصيني تحديات ديموغرافية خطيرة تتمثل في نقص حاد بالقوى العاملة وارتفاع تكاليف رعاية المسنين، ما يضع ضغطاً هائلاً على النظام الاجتماعي.

الهند: الدولة الأكثر سكاناً في العالم حالياً

تجاوزت الهند الصين في عدد السكان حسب تقديرات الأمم المتحدة لعام 2023، لتحتل المرتبة الأولى عالمياً بأكثر من 1.4 مليار نسمة. تختلف الديناميكيات الديمغرافية في الهند عن الصين، حيث ما زالت الدولة تسجل معدلات مواليد مرتفعة مقارنةً بالصين، إضافة إلى شريحة شبابية كبيرة تمثل القوة الدافعة للاقتصاد.

ورغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية كالفقر، البطالة، وضعف البنية التحتية في بعض المناطق، فإن الهند تُعد من أبرز الدول التي تستثمر في قطاع التعليم والتكنولوجيا، وتملك طموحات هائلة في التحول إلى قوة اقتصادية عالمية. وتُعد الكثافة السكانية عاملاً مزدوج الأثر: مصدر قوة من جهة، وتحدٍ تنموي من جهة أخرى.

الولايات المتحدة الأمريكية: مزيج سكاني متنوع

تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة عالمياً بعدد سكان يفوق 340 مليون نسمة. وتتميز أمريكا بتنوعها السكاني الواسع نتيجة للهجرة من مختلف دول العالم، ما خلق مجتمعاً متعدد الأعراق والثقافات. وعلى الرغم من معدلات الخصوبة المنخفضة نسبياً، فإن النمو السكاني مستمر بفضل الهجرة واللجوء.

ويُشكل هذا التعدد أحد الأعمدة الرئيسية في الديناميكية الأمريكية، حيث يسهم في الابتكار والتنمية الاقتصادية، ولكنه أيضاً يطرح تحديات تتعلق بالاندماج والسياسات الاجتماعية. كما تشهد البلاد تفاوتاً واضحاً في النمو السكاني بين الولايات، حيث تنمو ولايات الجنوب والغرب بوتيرة أسرع مقارنة بالشمال الشرقي.

إندونيسيا: القوة الصاعدة في جنوب شرق آسيا

تحتل إندونيسيا المرتبة الرابعة في العالم من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها حوالي 280 مليون نسمة. وتعتبر هذه الدولة الأرخبيلية ذات الأغلبية المسلمة من أبرز القوى الديموغرافية في آسيا. وتنتشر الكثافة السكانية بشكل غير متساوٍ، حيث تتركز النسبة الأكبر في جزيرة جاوة، التي تعد من أكثر المناطق ازدحاماً في العالم.

يُعد النمو السكاني في إندونيسيا عامل دعم للاقتصاد، إذ توفر الدولة قوة عمل شابة واسعة. وتواجه الحكومة تحديات في تقديم الخدمات الأساسية كالتعليم، والصحة، والمواصلات لسكانها المنتشرين عبر آلاف الجزر.

باكستان: تحديات النمو السكاني السريع

باكستان هي خامس أكبر دولة من حيث عدد السكان، إذ يتجاوز عدد سكانها 245 مليون نسمة، بمعدل نمو مرتفع يُثير القلق من الضغط المتزايد على الموارد. وتعاني البلاد من مشاكل هيكلية في الصحة والتعليم والبنية التحتية، ويُعد النمو السكاني عاملاً مضاعفاً لهذه التحديات.

ويُلاحظ أن أغلب السكان يتركزون في المناطق الحضرية، مما يؤدي إلى تضخم المدن ونشوء أحياء عشوائية، في حين تعاني المناطق الريفية من ضعف الخدمات. وتحاول الحكومة مواجهة هذه التحديات من خلال سياسات تنظيم الأسرة، إلا أن التقدم في هذا المجال لا يزال بطيئاً.

البرازيل: الدولة الأكبر في أمريكا الجنوبية

يبلغ عدد سكان البرازيل نحو 217 مليون نسمة، ما يجعلها سادس دولة من حيث التعداد السكاني. وتعتبر البرازيل مركزاً حضرياً كبيراً، حيث يتركز أكثر من 80% من السكان في المدن الكبرى مثل ساو باولو وريو دي جانيرو.

ويواجه النمو السكاني في البرازيل تحديات اجتماعية ضخمة مثل الفقر، العنف، عدم المساواة، ولكن رغم ذلك تحتفظ البلاد بموقع قوي في الاقتصاد العالمي، وهي من أبرز دول مجموعة البريكس. كما أن التنوع العرقي والثقافي يشكل جزءاً من الهوية البرازيلية، ويمنحها طابعاً فريداً.

نيجيريا: قوة ديموغرافية أفريقية

تُعد نيجيريا أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، حيث يتجاوز عدد سكانها 223 مليون نسمة. وتسجل نيجيريا معدلات نمو سكاني من بين الأعلى في العالم، مما يثير مخاوف بشأن الأمن الغذائي، والصحة، والبنية التحتية. وتُعد لاجوس واحدة من أكبر المدن في أفريقيا وأكثرها اكتظاظاً.

ورغم التحديات الأمنية والاقتصادية، تمثل نيجيريا سوقاً ناشئة ذات إمكانات ضخمة، حيث تمتلك شريحة سكانية شابة تُعد من الأوسع على مستوى العالم، ما قد يجعلها مركزاً للنمو الاقتصادي في المستقبل.

بنغلاديش: كثافة سكانية مرتفعة جداً

تبلغ كثافة السكان في بنغلاديش مستويات مرتفعة للغاية، حيث يعيش أكثر من 170 مليون نسمة في مساحة صغيرة نسبياً. وتُعد العاصمة دكا من أكثر المدن ازدحاماً على وجه الأرض. وتعمل الحكومة على تحسين ظروف المعيشة والبنية التحتية، لكن الازدحام والنمو السكاني السريع لا يزالان يمثلان تحدياً كبيراً.

روسيا: تناقص سكاني رغم المساحة الشاسعة

تمثل روسيا نموذجاً فريداً، فهي أكبر دولة من حيث المساحة، لكنها في المرتبة التاسعة من حيث عدد السكان، بحوالي 145 مليون نسمة. وتعاني روسيا من انخفاض معدل المواليد وارتفاع نسبة الوفيات، خاصة بين الذكور، مما يؤدي إلى تقلص سكاني ملحوظ.

وتحاول الدولة مواجهة هذا التراجع من خلال تقديم حوافز للأسر، ودعم برامج الخصوبة، لكن التحديات لا تزال قائمة، خاصةً في المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية.

المكسيك: دولة ذات نمو مستقر

يتجاوز عدد سكان المكسيك 130 مليون نسمة، وتُعد الدولة العاشرة على مستوى العالم من حيث التعداد. وتسجل المكسيك نمواً سكانياً معتدلاً مقارنة بجيرانها في أمريكا اللاتينية، وتلعب العوامل الاقتصادية والسياسية دوراً كبيراً في توزيع السكان داخل البلاد، وخصوصاً الهجرة نحو الولايات المتحدة.

جدول أكبر الدول من حيث عدد السكان (2024)

الخلاصة الديموغرافية العالمية

تعكس هذه البيانات اختلافاً عميقاً في الاتجاهات السكانية حول العالم. فبينما تنمو بعض الدول بمعدلات متسارعة مثل نيجيريا وباكستان، تعاني دول أخرى من ركود ديموغرافي مثل روسيا والصين. وتُعد العوامل الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والسياسية محوراً أساسياً لفهم هذه التحولات، وهو ما يُبرز أهمية السياسات الوطنية في إدارة النمو السكاني وتوجيهه نحو التنمية المستدامة.

المراجع:

1. United Nations, World Population Prospects 2024 – https://population.un.org

2. World Bank Data – Population by Country – https://data.worldbank.org