أكبر دولة إسلامية بالعالم

أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان

تُعد إندونيسيا اليوم أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان المسلمين، وهي مكانة لم تأتِ من فراغ، بل تعكس تراكماً تاريخياً وثقافياً واجتماعياً امتد لقرون من الزمن. على الرغم من أن الإسلام لم يولد في هذه البلاد البعيدة عن شبه الجزيرة العربية، فإن حضوره في إندونيسيا اليوم ليس فقط واضحًا بل راسخًا ومؤثرًا في كافة مناحي الحياة. يستعرض هذا المقال العوامل التي جعلت من إندونيسيا الدولة الإسلامية الأكبر، ويمتد ليتناول البنية السكانية والدينية فيها، إلى جانب الأثر الذي يلعبه الإسلام في السياسة، والمجتمع، والتعليم، والثقافة العامة.

التعداد السكاني للمسلمين في إندونيسيا

وفقاً لتقديرات عام 2024، يبلغ عدد سكان إندونيسيا حوالي 280 مليون نسمة، يشكّل المسلمون ما نسبته حوالي 87% إلى 88% من إجمالي السكان، أي ما يزيد عن 240 مليون مسلم، مما يجعلها الدولة الأولى عالمياً من حيث عدد المسلمين، متفوقة على دول أخرى ذات طابع إسلامي واضح كـ باكستان، الهند (من حيث عدد المسلمين فقط)، بنغلاديش، وتركيا. هذا العدد يمثل ما يقرب من 13% من مجموع المسلمين في العالم، وهي نسبة هائلة بالنظر إلى أن الإسلام ليس الدين الرسمي في دستور البلاد.

الخلفية التاريخية لانتشار الإسلام في إندونيسيا

دخل الإسلام إلى إندونيسيا في القرن الثالث عشر الميلادي تقريباً، وذلك بوسائل سلمية تجارية ودعوية، وليس عن طريق الفتوحات العسكرية كما هو الحال في مناطق أخرى. كان التجار العرب والفرس والهنود المسلمون يقومون برحلات تجارية إلى أرخبيل الملايو الذي يشكّل النواة الجغرافية لإندونيسيا الحديثة. هذه الاتصالات التجارية حملت معها تعاليم الإسلام، وبدأ السكان المحليون في تبني الدين الجديد، أولاً في المدن الساحلية ثم انتشر تدريجياً إلى الداخل.

وقد ساعد في انتشار الإسلام عدد من العوامل، أهمها:

• الطابع السلمي للتبشير الإسلامي.

• اندماج الدعاة مع السكان المحليين من خلال الزواج والعلاقات الاجتماعية.

• التفاعل الثقافي والديني مع الديانات السابقة (البوذية والهندوسية).

• الدعم الذي تلقاه الإسلام من بعض الممالك المحلية كـ مملكة “ديماك” في جاوة.

الجغرافيا والديموغرافيا الدينية

إندونيسيا دولة أرخبيلية مكونة من أكثر من 17,000 جزيرة، أكبرها جاوة وسومطرة وكاليمانتان وسولاويزي وبابوا. وتنتشر الكثافة السكانية بشكل غير متوازن، حيث تستحوذ جزيرة جاوة وحدها على ما يقرب من 60% من سكان البلاد، وتُعدّ معقلًا للإسلام الإندونيسي، وموطنًا لأهم المؤسسات الإسلامية والمدارس الدينية.

الديانات في إندونيسيا لا تقتصر على الإسلام فقط، إذ يعتنق جزء من السكان المسيحية، الهندوسية، والبوذية، بالإضافة إلى ديانات محلية تقليدية. إلا أن الإسلام يبقى الدين الغالب، وله تأثير كبير في المجال العام.

الإسلام والدولة: بين الهوية والدستور

رغم أن إندونيسيا ليست دولة دينية رسمياً، فإن الإسلام يحظى بمكانة مركزية في الثقافة والسياسة. الدستور الإندونيسي لا ينص على دين رسمي للدولة، ولكنه يعترف بست ديانات رئيسية، منها الإسلام الذي يتمتع بأغلبية ساحقة. وتمثَّل العلاقة بين الإسلام والدولة في إندونيسيا نوعاً من التوازن الدقيق، حيث تُحترم التعددية الدينية من جهة، لكن القوانين والتشريعات العامة تتأثر بشدة بالقيم الإسلامية.

تظهر هذه العلاقة في مجالات عدة:

• القوانين المدنية: هناك تطبيق جزئي للشريعة الإسلامية، خاصة في قوانين الأحوال الشخصية (الزواج، الطلاق، الإرث).

• التعليم: تدرس المواد الدينية الإسلامية في المدارس الحكومية، ويُتاح التعليم الديني في مدارس خاصة تُعرف بـ “المدارس الإسلامية الداخلية” (Pesantren).

• السياسة: هناك أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية قوية مثل “حزب العدالة والرفاه” و”حزب نهضة العلماء”.

التعليم الديني ودور المؤسسات الإسلامية

يُشكّل التعليم الإسلامي حجر الزاوية في المجتمع الإندونيسي، ويتجلى ذلك في انتشار “المدارس الإسلامية” و”الجامعات الدينية” و”المعاهد الشرعية” في مختلف أنحاء البلاد. وتقوم هذه المؤسسات بتعليم العقيدة، والفقه، والحديث، والتفسير، إلى جانب العلوم الحديثة، مما يجعلها بمثابة مراكز لصناعة النخبة الدينية والعلمية.

ومن بين أبرز المؤسسات:

• جامعة شريف هداية الله الإسلامية في جاكرتا.

• جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية في مالانغ.

• مجلس علماء إندونيسيا (MUI)، وهو المرجعية الدينية الرسمية التي تصدر الفتاوى وتُنسّق الشأن الديني على المستوى الوطني.

دور المنظمات الإسلامية الكبرى

الواقع الإسلامي في إندونيسيا لا يقتصر على الجانب الفردي أو الرسمي فقط، بل يتجلى كذلك في النشاط المؤسسي الواسع من خلال منظمات مجتمع مدني ضخمة لها أدوار دينية وتعليمية واجتماعية. أبرز هذه المنظمات:

1. نهضة العلماء (Nahdlatul Ulama):
   
   أكبر منظمة إسلامية في العالم، يتجاوز عدد أعضائها 90 مليونًا. تعتمد على مذهب الشافعي والعقيدة الأشعرية، وتُركّز على التعليم الديني والتسامح الاجتماعي.

2. المحمدية (Muhammadiyah):
   
   منظمة إصلاحية تُركّز على تنقية العقيدة وتحديث التعليم، وتشرف على آلاف المدارس والمستشفيات، ولها دور كبير في الحياة الاجتماعية.

هاتان المنظمتان تتجاوزان مجرد العمل الدعوي أو الخيري، إذ تشاركان في النقاش السياسي، وتؤثران على السياسات التعليمية والدينية، وتملكان وسائل إعلام قوية، وتمويلًا ذاتيًا كبيرًا.

الإسلام والهوية الثقافية

يشكّل الإسلام جوهر الهوية الثقافية لمعظم الإندونيسيين، لكنه يمتزج بالعادات المحلية والتقاليد، مما يُنتج نموذجًا فريدًا يُعرف بـ “الإسلام الإندونيسي”. هذا النموذج يتسم بالاعتدال، والتسامح، والانفتاح، ما يجعله موضع اهتمام في العالم الإسلامي، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها الخطاب الإسلامي في بعض البلدان.

من الأمثلة على هذا الامتزاج:

• الاحتفالات الدينية مثل “المولد النبوي” و”رأس السنة الهجرية” تُقام بأجواء فولكلورية.

• الزواج الإسلامي يتم ضمن طقوس تشمل عناصر من الثقافة الجاوية أو السوندية.

• المساجد تُبنى غالبًا بأسلوب معماري هجين يجمع بين الطراز الإسلامي والهندوسي القديم.

دور الإعلام الإسلامي في إندونيسيا

تلعب وسائل الإعلام الدينية دورًا مهمًا في نشر الثقافة الإسلامية وتعزيز الوعي الديني. هناك العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية، والمواقع الإلكترونية، والمجلات التي تُركّز على الشأن الإسلامي، ومنها:

• قناة TV9 المرتبطة بجماعة نهضة العلماء.

• قناة Rodja TV ذات التوجه السلفي.

• العديد من الإذاعات القرآنية المنتشرة في جاوة وسومطرة.

يسهم الإعلام في توجيه النقاشات الدينية، وتوفير المنصات للعلماء والدعاة، وإيصال المحتوى التربوي والديني للجمهور العام، وهو ما يعزز مكانة الإسلام في الحياة اليومية.

تأثير إندونيسيا الإسلامي العالمي

بفضل عدد سكانها الكبير ومكانتها الثقافية، تمثل إندونيسيا صوتًا مهمًا في العالم الإسلامي، خصوصًا في المحافل الدولية مثل منظمة التعاون الإسلامي، ومؤتمر العالم الإسلامي، ومبادرات الحوار بين الأديان. وغالبًا ما تطرح الدولة نفسها كنموذج لـ “الإسلام المعتدل والديمقراطي”، وتسعى لتصدير هذا النموذج إلى الخارج.

كما أن بعثات الحج من إندونيسيا تُعتبر الأكبر سنويًا، ويبلغ عدد الحجاج الإندونيسيين حوالي 250 ألف حاج سنويًا، وهو رقم ضخم تنظمه الحكومة الإندونيسية عبر وزارة الشؤون الدينية.

الجدول: مقارنة عدد المسلمين في أكبر الدول الإسلامية

الخاتمة

إندونيسيا ليست فقط أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، بل تمثل نموذجًا فريدًا للإسلام المتجانس مع الحداثة والتعددية. يتجلّى الحضور الإسلامي في نسيج المجتمع والسياسة والثقافة والتعليم، دون أن يفرض نمطًا واحدًا أو يضحي بالتنوع الغني الذي يميز الأرخبيل. من خلال مؤسساتها القوية، ونخبها الدينية المعتدلة، ومجتمعها المدني النشط، تسهم إندونيسيا في صياغة خطاب إسلامي عالمي يُراهن على التعددية والاعتدال.

المراجع:

1. Pew Research Center, “The Future of World Religions: Population Growth Projections, 2010–2050.”

2. Badan Pusat Statistik Indonesia – “Population Census 2024.”