ظهور دم في البراز عند الأطفال: الأسباب، التشخيص، والعلاج

تُعدّ مشكلة ظهور دم في البراز عند الأطفال من الأعراض التي تستدعي اهتماماً طبياً دقيقاً، نظراً لما قد تحمله من مؤشرات على وجود اضطرابات صحية متنوعة، تتراوح بين حالات بسيطة وعابرة إلى حالات أكثر تعقيداً تتطلب علاجاً فورياً. يتسبب الدم في البراز بمخاوف كبيرة للأهل، خاصةً عند الأطفال الصغار الذين لا يستطيعون التعبير بدقة عن الأعراض المصاحبة. لذلك، يعدّ فهم أسباب ظهور الدم، وأساليب التشخيص الحديثة، وخيارات العلاج المتاحة أمراً ضرورياً لضمان التعامل الصحيح مع هذه المشكلة الصحية.

مفهوم ظهور دم في البراز عند الأطفال

يُعرّف ظهور دم في البراز عند الأطفال بأنه وجود كمية من الدم تتراوح بين القليل جداً إلى واضح وملحوظ في البراز. قد يكون الدم أحمر فاتحاً، وهو ما يشير عادة إلى نزيف في الجزء السفلي من الجهاز الهضمي، مثل المستقيم أو الشرج، أو يكون دم متغير اللون مع البراز أو أسود اللون، دلالة على نزيف في الجزء العلوي من الجهاز الهضمي. وتختلف الكميات والصفات حسب سبب النزيف وموضعه في الجهاز الهضمي.

قد يلاحظ الأهل الدم على سطح البراز، أو في المرحاض، أو في حفاضة الطفل. تختلف الأعراض المصاحبة حسب السبب، وقد تتضمن ألم البطن، تغيرات في حركة الأمعاء، الإسهال أو الإمساك، والحمى في بعض الحالات.

الأسباب الشائعة لظهور دم في البراز عند الأطفال

ظهور دم في البراز عند الأطفال له أسباب متعددة، بعضها بسيط مؤقت وبعضها قد يكون دليلاً على مرض مزمن أو حالة طبية طارئة. يمكن تقسيم هذه الأسباب إلى عدة فئات رئيسية:

1. أسباب بسيطة ومؤقتة

• الشق الشرجي (Anal fissure):
  
  يُعدّ الشق الشرجي السبب الأكثر شيوعاً لوجود دم في براز الأطفال، خاصة الرضع والأطفال الصغار. يحدث الشق نتيجة مرور براز صلب وكبير الحجم، مما يؤدي إلى تمزق الجلد حول فتحة الشرج. يكون الدم أحمر فاتحاً، وغالباً ما يظهر على سطح البراز أو على ورق التواليت بعد التبرز. يصاحب الشق الشرجي ألم عند التبرز، مما قد يجعل الطفل يبكي أو يظهر علامات توتر.

• الإمساك المزمن:
  
  الإمساك يؤدي إلى تراكم براز صلب وجاف في الأمعاء، مما يسبب تمزقات صغيرة في المستقيم أو فتحة الشرج، وبالتالي ظهور دم في البراز. هذا الدم يكون أحمر فاتح ويظهر غالباً في نهاية التبرز.

• التهيج أو الالتهاب الخفيف في المستقيم:
  
  يمكن أن يحدث نتيجة الإصابة بفيروسات أو بكتيريا تسبب التهاباً بسيطاً في جدار المستقيم، مما يؤدي إلى ظهور دم مع البراز.

2. أسباب التهابات الجهاز الهضمي

• التهاب القولون التقرحي (Ulcerative colitis) ومرض كرون (Crohn’s disease):
  
  هذه الأمراض تمثل أنواعاً من الأمراض الالتهابية المزمنة في الأمعاء، تؤدي إلى تقرحات ونزيف في جدار القولون والمستقيم. تظهر الأعراض بشكل تدريجي، وتشمل إسهالاً مدمماً، ألم بطن، وفقدان وزن.

• التهابات بكتيرية أو فيروسية:
  
  بعض أنواع العدوى المعوية تسبب التهاب الأمعاء مع وجود دم في البراز، مثل السالمونيلا، الشيغيلا، أو الإشريكية القولونية (E. coli). تكون الأعراض عادة شديدة، تشمل إسهال دموي، حمى، وتقلصات بطنية.

3. أسباب أخرى مرتبطة بأمراض الجهاز الهضمي

• البواسير (Hemorrhoids):
  
  على الرغم من ندرتها عند الأطفال مقارنة بالبالغين، إلا أن البواسير يمكن أن تظهر عند الأطفال خاصةً الذين يعانون من الإمساك المزمن. تسبب البواسير نزيفاً أحمر فاتحاً على سطح البراز.

• داء الزوائد اللحمية في المستقيم (Rectal polyps):
  
  تعتبر الزوائد اللحمية أحد الأسباب الشائعة لنزيف المستقيم عند الأطفال، خاصة في الفئة العمرية من 2 إلى 10 سنوات. تظهر ككتل صغيرة داخل المستقيم ويمكن أن تنزف أثناء التبرز.

• متلازمة الحساسية الغذائية:
  
  بعض الأطفال الرضع يعانون من حساسية تجاه بروتينات الحليب أو غيرها من الأطعمة، مما يسبب التهاباً في الأمعاء ونزيفاً بسيطاً.

• داء الارتجاع المعدي المريئي (Gastroesophageal reflux disease – GERD):
  
  في حالات نادرة، يمكن أن يؤدي الارتجاع الحاد إلى تهيج جدار المريء والمعدة مما قد ينتج نزيفاً يظهر في البراز.

• الأمراض الخلقية:
  
  مثل عيوب الأوعية الدموية أو تشوهات في الجهاز الهضمي التي قد تسبب نزيفاً داخلياً.

التشخيص الطبي لظهور دم في البراز عند الأطفال

تبدأ عملية التشخيص بجمع تاريخ طبي دقيق يشمل مدة ظهور الدم، كمية الدم، لونه، وجود أعراض أخرى مثل الألم أو الحمى، وعادات الأمعاء. ثم يتم إجراء الفحص السريري الذي يركز على البطن، فتحة الشرج، وتقييم علامات سوء التغذية أو فقر الدم.

الفحوصات المعملية

• فحص الدم الكامل (CBC): لتقييم وجود فقر الدم أو علامات التهاب.

• اختبار البراز: للكشف عن وجود دم خفي أو بكتيريا أو طفيليات.

• اختبارات حساسية الغذاء: في حال الاشتباه بالحساسية أو متلازمة تسرب البروتينات.

الفحوصات التصويرية والتنظيرية

• تنظير القولون والمستقيم:
  
  يستخدم هذا الإجراء لتقييم بطانة الأمعاء، ويتيح أخذ عينات من الأنسجة (خزعات) لتشخيص الأمراض الالتهابية، الزوائد اللحمية، أو الأورام.

• التصوير بالأشعة السينية أو الرنين المغناطيسي:
  
  تستخدم هذه الأساليب في الحالات المعقدة لتقييم التشوهات أو لتحديد موقع النزيف.

العلاج والرعاية الطبية

يعتمد العلاج على السبب الكامن وراء نزول الدم في البراز، ومدى خطورة الحالة. يمكن تقسيم العلاج إلى:

1. علاج الأسباب البسيطة والمؤقتة

• علاج الإمساك:
  
  يتضمن زيادة شرب السوائل، تناول الألياف الغذائية، وتعديل النظام الغذائي. يمكن استخدام أدوية ملينة تحت إشراف طبي.

• معالجة الشق الشرجي:
  
  تستخدم مراهم مرطبة ومخدرة موضعية لتقليل الألم وتسريع التئام الشق. في بعض الحالات يوصى بتناول ملينات لمنع تفاقم الشق.

2. علاج الالتهابات وأمراض الأمعاء المزمنة

• المضادات الحيوية:
  
  تستخدم لعلاج الالتهابات البكتيرية فقط، بعد التأكد من التشخيص المخبري.

• العلاج الدوائي لأمراض الأمعاء الالتهابية:
  
  يشمل استخدام الأدوية المضادة للالتهاب مثل الستيرويدات، والمثبطات المناعية في الحالات المزمنة.

• الجراحة:
  
  تكون ضرورية في حالات الزوائد اللحمية الكبيرة أو التقرحات التي لا تستجيب للعلاج الدوائي.

الوقاية والتوجيهات الغذائية

تجنب الإمساك يعد من أهم طرق الوقاية من ظهور دم في البراز. ينصح بإتباع نظام غذائي غني بالألياف مثل الفواكه، الخضروات، والحبوب الكاملة. الحفاظ على ترطيب الجسم بشرب كميات كافية من الماء يساهم في تليين البراز وتسهيل خروجه.

بالإضافة إلى ذلك، تشجيع الأطفال على ممارسة النشاط البدني المنتظم يساعد في تعزيز حركة الأمعاء والوقاية من مشاكل الجهاز الهضمي.

مضاعفات ظهور دم في البراز عند الأطفال

عدم معالجة النزيف في البراز عند الأطفال قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل:

• فقر الدم الناجم عن النزيف المزمن، مما يؤثر على نمو الطفل وطاقة نشاطه.

• التهاب الأمعاء المزمن، مما قد يسبب تدهور حالة الجهاز الهضمي وصعوبة في الامتصاص.

• العدوى الثانوية في حالة وجود تقرحات أو تمزقات في جدار الأمعاء.

مقارنة بين أسباب دم البراز عند الأطفال في جدول توضيحي

الخلاصة

ظهور دم في البراز عند الأطفال من العلامات التي تتطلب تقييمًا دقيقًا وسريعًا لتحديد السبب والعلاج المناسب. تبدأ أسباب الدم من مشكلات بسيطة كالإمساك والشقوق الشرجية، وتصل إلى أمراض التهابية أو التهابات معدية، وحتى التشوهات أو الأورام. التشخيص المبكر باستخدام الفحوصات السريرية والمخبرية والتنظيرية يساهم في تجنب المضاعفات الخطيرة ويضمن علاجاً فعالاً.

إن الاهتمام بتغذية الطفل ونمط حياته، بالإضافة إلى المتابعة الطبية المنتظمة، يحد من احتمالية تكرار ظهور الدم في البراز ويحافظ على صحة الجهاز الهضمي للأطفال بشكل عام.

المراجع

1. Pediatric Gastroenterology, Hepatology and Nutrition – Springer, 2020.

2. Nelson Textbook of Pediatrics, 21st Edition – Elsevier, 2020.