أكبر بركان في العالم

أكبر بركان في العالم: بركان مونا لوا في هاواي

يُعد بركان مونا لوا (Mauna Loa) في جزر هاواي أكبر بركان في العالم من حيث الحجم والمساحة، ويُعتبر من أكثر البراكين نشاطاً على سطح الأرض. هذا الجبل البركاني الهائل ليس مجرد معلم جيولوجي مذهل، بل يمثل أيضاً ظاهرة طبيعية تتشابك فيها عناصر الجغرافيا والبيئة والمخاطر الطبيعية، وتُثير اهتمام العلماء والباحثين منذ قرون. في هذا المقال الموسع، سيتم استعراض كل ما يتعلق ببركان مونا لوا من حيث تكوينه الجيولوجي، تاريخه البركاني، خصائصه الفريدة، أهميته البيئية، وتأثيره على السكان والبيئة.

التكوين الجيولوجي لبركان مونا لوا

ينتمي بركان مونا لوا إلى فئة البراكين الدرعية (Shield Volcanoes)، وهي نوع من البراكين يتميز بانحداره البسيط وانسياب الحمم البركانية على مدى مسافات شاسعة. يتكون مونا لوا من تدفقات متراكمة من الحمم البازلتية التي انبثقت من أعماق الأرض عبر ملايين السنين، وتراكمت لتُشكّل جبلًا يرتفع تدريجياً حتى يصل إلى ارتفاع مذهل يبلغ حوالي 4170 متراً فوق مستوى سطح البحر، لكنه يمتد إلى أكثر من 10,000 متر من قاعدته الواقعة في قاع المحيط الهادئ، مما يجعله أعلى جبل على وجه الأرض من القاعدة إلى القمة، متفوقًا بذلك على جبل إيفرست من هذه الزاوية.

تُظهر الطبقات المتعاقبة من الصخور البركانية البازلتية مراحل متعددة من النشاط البركاني التي بدأت قبل أكثر من 700,000 سنة، حيث تكونت هاواي نتيجة لنقطة ساخنة ثابتة في باطن الأرض تُعرف باسم “hot spot”، تقع تحت الصفيحة المحيطية الباسيفيكية التي تتحرك ببطء باتجاه الشمال الغربي.

المساحة والامتداد

يغطي مونا لوا ما يقارب 5,271 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل حوالي 50% من المساحة الكلية لجزيرة هاواي الكبرى (الجزيرة الكبيرة). ويبلغ عرضه نحو 120 كيلومتراً من الشرق إلى الغرب، و90 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، مع قمة شبه مسطحة تشكلت بفعل العديد من الانفجارات والانهيارات الجيولوجية. بهذا الامتداد الهائل، يُعد مونا لوا البركان الأكبر حجماً من بين جميع البراكين على سطح الكوكب.

النشاط البركاني والانفجارات السابقة

رُصدت أكثر من 33 ثورة بركانية لمونا لوا منذ عام 1843، وهو عام بدأ فيه تسجيل النشاطات البركانية بشكل منهجي. تتفاوت شدة الانفجارات من بسيطة إلى ضخمة، بعضها شكّل تهديدًا مباشرًا للمجتمعات القريبة من البركان، خاصة مدينة هيلُو الواقعة إلى الشمال الشرقي من الجزيرة. من بين هذه الانفجارات، كانت ثورته عام 1950 من أعنفها، حيث غطّت الحمم مساحة كبيرة خلال ساعات، ووصلت إلى المحيط في أقل من 3 ساعات، مسجلةً واحدة من أسرع تدفقات الحمم البركانية في التاريخ الحديث.

أما آخر ثوران حدث فكان في نوفمبر 2022، حيث تدفقت الحمم من فتحات جديدة على الجهة الشمالية الشرقية من القمة، وقد استمر النشاط لعدة أيام دون أن يتسبب في خسائر بشرية أو أضرار مباشرة على البنى التحتية، وذلك بفضل نظام الإنذار المبكر وتخطيط الطوارئ الذي تطوره السلطات المحلية بشكل مستمر.

الخصائص الفيزيائية والجيوكيميائية

الحمم البركانية التي يقذفها مونا لوا تتميز بتركيبتها البازلتية الفقيرة بالغازات، وهي ذات لزوجة منخفضة مقارنة بأنواع الحمم الأخرى مثل الأنديزيت أو الريوليت. هذا يجعلها تنساب بسهولة على الأرض، وتنتشر لمسافات بعيدة قبل أن تبرد وتتصلب. درجات الحرارة لهذه الحمم تتراوح بين 1100 إلى 1200 درجة مئوية.

من ناحية أخرى، يحتوي البركان على مجموعة من الفوهات الثانوية بالإضافة إلى الفوهة الرئيسة المعروفة باسم Mokuʻāweoweo، وهي حفرة ضخمة بقطر يصل إلى أكثر من 6 كيلومترات، وتعد مركزاً للعديد من الانفجارات التاريخية.

الأهمية البيئية والإيكولوجية

رغم الطبيعة القاسية للبيئة البركانية، فإن مونا لوا يضم أنظمة بيئية نادرة وغنية بالكائنات الحية التي تطورت لتتكيف مع التربة البازلتية الفقيرة بالمواد العضوية. تقع على منحدرات البركان عدة مناطق محمية مثل منتزه مونا لوا الوطني، والذي يعتبر من أكبر المناطق البرية المحمية في الولايات المتحدة.

تُعتبر الأراضي البركانية الخصبة التي خلفتها الانفجارات السابقة بيئة مثالية لنمو نباتات مثل الأوهيا ليهوا (ʻŌhiʻa lehua)، وهي شجرة أصلية تلعب دوراً مهماً في التوازن البيئي، فضلاً عن أنها تشكل موطنًا للعديد من الطيور المستوطنة، مثل طائر Apapane وʻIʻiwi.

التهديدات والمخاطر الجيولوجية

يُمثل بركان مونا لوا تهديدًا محتملاً للمناطق السكنية بسبب قربه من المجتمعات البشرية. تختلف درجة الخطورة من منطقة لأخرى حسب اتجاه تدفق الحمم، وكمية الغاز المنبعث، واحتمالات حدوث زلازل مصاحبة للانفجارات. أبرز التهديدات تشمل:

• الحمم البركانية: بالرغم من بطء تدفقها نسبيًا مقارنة بفيضانات أو أعاصير، فإنها قادرة على تدمير كل ما في طريقها.

• الغازات السامة: كأكسيد الكبريت الذي قد يؤدي إلى ظاهرة “Vog” (ضباب بركاني سام)، مما يسبب مشاكل صحية خطيرة، خصوصًا لمرضى الجهاز التنفسي.

• الزلازل: غالباً ما تُصاحب النشاط البركاني زلازل متوسطة إلى قوية، تنجم عن تحرك الصهارة في باطن الأرض.

• الانهيارات الجيولوجية: في التاريخ الجيولوجي، شهدت هاواي عدة انهيارات أرضية ضخمة، قد تنتج عنها أمواج تسونامي مدمرة.

الجدول التالي يوضح أبرز ثورانات بركان مونا لوا في العصر الحديث:

جهود المراقبة العلمية

تُعد هاواي من أكثر المناطق تطورًا في مجال المراقبة البركانية على مستوى العالم. يشرف المرصد البركاني في هاواي (HVO) على مراقبة النشاط البركاني لمونا لوا وكيلوايا وبراكين أخرى في الأرخبيل، حيث يستخدم تقنيات متقدمة تشمل:

• رصد الزلازل المحلية من خلال شبكة من المجسات.

• قياس انبعاثات الغاز وتحديد نسبة ثاني أكسيد الكبريت.

• استخدام الأقمار الصناعية لرصد تغيرات الحرارة والانبعاج الأرضي.

• نشر مجسات GPS لقياس تمدد سطح البركان كدليل على صعود الصهارة.

كل هذه الإجراءات تهدف إلى التنبؤ المبكر بالانفجارات القادمة وتقليل المخاطر المحتملة.

القيمة الثقافية والتاريخية

يحتل مونا لوا مكانة عميقة في الثقافة الهاوائية التقليدية، حيث يُنظر إليه ككيان مقدس وروح حارسة للأرض. تظهر العديد من الأساطير والقصص الشعبية التي تتحدث عن “بيليه”، إلهة النار والبراكين في الأساطير البولينيزية، والتي تُعتقد بأنها تسكن في فوهات البراكين وخاصة في أعماق مونا لوا. وتُعد الطقوس والاحتفالات التقليدية حول البركان جزءاً لا يتجزأ من هوية السكان الأصليين.

الختام: بين الجمال والخطر

إن بركان مونا لوا ليس مجرد جبل أو تشكيل جيولوجي عظيم، بل هو نظام بيئي نابض بالحياة، وتاريخ طبيعي متحرك يُعيد تشكيل وجه الأرض باستمرار. تكمن عظمته في توازنه بين القوة الكامنة والخطر المحدق، وبين الغنى البيئي والتحديات الجيولوجية. وقد ساهم تطور العلم والتقنية في الحد من آثاره الكارثية، مع الحفاظ على موقعه كأحد أعظم وأهم البراكين على كوكب الأرض.

المراجع:

• U.S. Geological Survey (USGS) – Mauna Loa Volcano Factsheets and Updates

• Global Volcanism Program – Smithsonian Institution – Mauna Loa Eruption History and Data