أكبر الأديان في سلطنة عمان، الإسلام، الإباضية، السنة، الشيعة، الأقليات الدينية، التنوع الديني، المذهب الإباضي، التسامح الديني
تُعد سلطنة عُمان واحدة من الدول التي تمتاز بتركيبة دينية وثقافية فريدة في منطقة الخليج العربي. وعلى الرغم من أن الإسلام هو الديانة الرسمية للدولة، إلا أن التركيبة الدينية العمانية تمتاز بتنوع مذهبي يعكس تاريخاً طويلاً من التسامح والانفتاح على مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية، إضافة إلى وجود أقليات دينية غير مسلمة تعيش ضمن إطار من التعايش السلمي الذي تحرص عليه الدولة والمجتمع على حد سواء. تتناول هذه المقالة موسعة وعميقة الأديان في سلطنة عمان، مع تسليط الضوء على المذهب الإباضي الذي يُشكل المذهب الأكثر انتشاراً فيها، إلى جانب وجود الطائفتين السنية والشيعية، وكذلك الأقليات من الديانات الأخرى مثل المسيحية والهندوسية والبوذية.
الخلفية التاريخية والدينية لعُمان
تاريخ سلطنة عُمان الديني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخها السياسي والاجتماعي. فقد دخل الإسلام إلى عمان في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن أرسل رسولاً إلى الملكين الجلنديين (جيفر وعبد) في القرن السابع الميلادي. وقد اعتنق العمانيون الإسلام طواعية، وبرزوا كأحد المجتمعات التي تبنّت الإسلام دون إكراه، وهو ما انعكس لاحقاً على طابعهم المتسامح والمنفتح تجاه الديانات والمذاهب الأخرى.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت عمان مركزاً للمذهب الإباضي، وهو مذهب إسلامي له جذور عميقة في تاريخ الإسلام ويختلف في بعض الجوانب الفقهية والعقائدية عن المذاهب السنية والشيعية. وعلى مدار القرون، استطاع الإباضيون بناء نظام ديني وسياسي متكامل يعرف بالإمامة الإباضية.
الإسلام: الديانة الرسمية والغالبة في سلطنة عمان
الإسلام هو الديانة السائدة والرسمية في سلطنة عمان، ويعتنقه أكثر من 95٪ من السكان. وينقسم المسلمون في عمان إلى ثلاث طوائف رئيسية: الإباضية، السنة، والشيعة.
أولاً: الإباضية – المذهب السائد
يشكل الإباضيون النسبة الأكبر من المسلمين في سلطنة عمان، حيث تُقدر نسبتهم بحوالي 45٪ إلى 75٪ من السكان المسلمين، تبعاً للمصدر المستخدم والإحصائيات المتوفرة. تعود جذور هذا المذهب إلى عبد الله بن إباض التميمي، وهو أحد تلامذة جابر بن زيد الأزدي العماني، الذي يُعتبر المؤسس الحقيقي للفكر الإباضي.
الإباضية ليست فرقة خارجة عن الإسلام كما يُشاع في بعض الأوساط، بل هي مذهب فقهي له رؤيته الخاصة في العقيدة والفقه، ويؤمن أتباعه بأركان الإسلام الخمسة، ويمارسون الشعائر الإسلامية كما بقية المسلمين. ومع ذلك، يختلفون في بعض القضايا العقائدية مثل مفهوم الإيمان، والحكم على مرتكب الكبيرة، وكذلك بعض الجوانب السياسية مثل الإمامة.
وقد لعبت الإباضية دوراً محورياً في الحياة السياسية والدينية لعمان، إذ قاموا بتأسيس نظام الإمامة الذي كان سائداً في عمان لقرون طويلة قبل تأسيس الدولة الحديثة. ويتمتع المذهب الإباضي بقبول واسع في المجتمع العماني، ويُدرّس في المدارس والجامعات، وله فقهاؤه ومؤسساته العلمية.
ثانياً: أهل السنة والجماعة
يشكل السنة نسبة تتراوح بين 15٪ و35٪ من السكان المسلمين في السلطنة. ويتركزون بشكل أساسي في المناطق الساحلية مثل محافظة الباطنة، محافظة ظفار، وفي العاصمة مسقط. ويتبع السنة في عمان المذهب الشافعي، وتنتشر المدارس الفقهية الشافعية في هذه المناطق، إلى جانب المساجد والمراكز الدينية التي تخدم المجتمع السني.
يحظى السنة في عمان بكامل حقوقهم الدينية، وتُمارس شعائرهم بحرية تامة، وتتوفر لهم المنابر الدينية الخاصة بهم، ويشغل عدد منهم مناصب في مؤسسات الدولة، سواء في المجالات السياسية أو التعليمية أو الدينية.
ثالثاً: الشيعة
تُعد الطائفة الشيعية الأقلية بين المسلمين في سلطنة عمان، وتُقدر نسبتهم بما بين 5٪ و10٪ من مجموع السكان المسلمين. ويتركز وجودهم في محافظة مسقط، خصوصاً في منطقة مطرح، وبعض القرى والمدن القريبة. ويتبع الشيعة في عمان في الغالب المذهب الاثنا عشري.
يتميز الشيعة العمانيون بحياة دينية نشطة، ولديهم حسينياتهم ومجالسهم الخاصة، ويُحيون المناسبات الدينية الخاصة بهم كعاشوراء وليلة القدر بطريقة سلمية ومحترمة ضمن الإطار القانوني. وتُعتبر علاقتهم مع الطوائف الأخرى في عمان نموذجاً للتسامح والتعايش.
الأقليات الدينية غير المسلمة في سلطنة عمان
بالرغم من أن الإسلام هو الدين الرسمي، وتُعتبر عمان من الدول ذات الأغلبية المسلمة، إلا أن هناك وجوداً ملحوظاً لأقليات دينية غير مسلمة، خصوصاً من المقيمين والوافدين العاملين في البلاد. وتوفر السلطنة بيئة قانونية آمنة لممارسة الشعائر الدينية لهذه الأقليات، ضمن قوانين تنظم حرية الدين وتحترم القيم المجتمعية.
أولاً: المسيحية
تشكل المسيحية الديانة الثانية من حيث عدد الأتباع في سلطنة عمان بعد الإسلام، ومعظم المسيحيين في عمان هم من الوافدين، وخاصة من الهند، الفلبين، وبعض الدول الغربية. وتُقدر نسبتهم بما يقارب 6٪ إلى 7٪ من إجمالي السكان، ويعيشون غالباً في المناطق الحضرية مثل مسقط، صحار، وصلالة.
تسمح الحكومة العمانية ببناء الكنائس وممارسة الشعائر الدينية ضمن حدود معينة، وتوجد عدة كنائس في مسقط وصلالة وصحار تخدم الجاليات المسيحية المختلفة، بما في ذلك الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس.
ثانياً: الهندوس والسيخ والبوذيون
بسبب وجود جالية هندية كبيرة في سلطنة عمان، تنتشر ديانات أخرى مثل الهندوسية والسيخية والبوذية. ويشكل الهندوس شريحة معتبرة من السكان غير المسلمين، ويتوفر لهم معبد هندوسي في مسقط يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، وهو دليل على عمق العلاقات التاريخية بين عمان والهند.
كذلك يتمتع أتباع الديانات الآسيوية الأخرى بحرية نسبية في ممارسة شعائرهم في إطار مخصص ومُنظم، وغالباً ما يُقام ذلك في أماكن مخصصة ضمن مقار سكن الجاليات أو في أماكن عبادة مرخصة.
السياسات الدينية والتسامح في عمان
تتبنى سلطنة عمان نهجاً متوازناً ومعتدلاً في التعامل مع المسألة الدينية، وهو ما يظهر في دستورها الذي ينص على أن الإسلام هو دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، لكنه يضمن في الوقت نفسه حرية الدين والمعتقد ضمن الضوابط التي لا تتعارض مع النظام العام.
تُشجع الدولة على الحوار بين الأديان، وتستضيف عمان مؤتمرات ومنتديات فكرية لتعزيز التسامح والتفاهم بين مختلف الطوائف والمذاهب، ولعل “مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم” من أبرز المؤسسات التي تسهم في هذا المجال.
كما يتم تضمين مفاهيم التسامح والتعايش السلمي في المناهج الدراسية، وتُدرّس في المدارس تحت مفاهيم الوحدة الوطنية والهوية العمانية الجامعة، بما يعزز من قبول الآخر وعدم الانزلاق في الصراعات المذهبية أو الطائفية.
التوزيع الديني وفقاً للبيانات السكانية
في الجدول التالي توزيع تقريبي للديانات والمذاهب في سلطنة عمان وفقاً لمصادر سكانية ودراسات بحثية دولية:
| الديانة / المذهب | النسبة التقديرية من السكان |
|---|---|
| الإسلام (الإباضية) | 45% إلى 75% |
| الإسلام (السنة) | 15% إلى 35% |
| الإسلام (الشيعة) | 5% إلى 10% |
| المسيحية | 6% إلى 7% |
| الهندوسية والديانات الهندية | 2% إلى 3% |
| ديانات أخرى | أقل من 1% |
المصادر:
Pew Research Center: The Future of World Religions: Population Growth Projections, 2015
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان
الخاتمة
تقدم سلطنة عمان نموذجاً فريداً للتنوع الديني والمذهبي في منطقة الخليج العربي، حيث يُشكل الإسلام القاعدة الأساسية للحياة الدينية، بينما تتيح الدولة مساحات قانونية للأديان الأخرى لممارسة طقوسها دون تضييق. وقد ساهمت السياسات العمانية المتسامحة والمنفتحة في بناء مجتمع متماسك يحترم التنوع ويؤمن بأن الاختلاف لا يُمثل تهديداً بل مصدر غنى حضاري وثقافي. هذه التركيبة المتنوعة لم تؤثر على وحدة المجتمع العماني بل زادته تماسكاً، مما جعل عمان بيئة مستقرة ومسالمة تعكس القيم الحقيقية للإسلام في صورته المعتدلة والمستنيرة.
