أكبر الأديان في المملكة المتحدة
تعد المملكة المتحدة من أكثر الدول تنوعًا دينيًا في العالم، حيث يشهد المجتمع البريطاني انفتاحًا دينيًا واسعًا يعكس التعددية الثقافية التي تتميز بها. الأديان في المملكة المتحدة تمثل مجموعة متنوعة من المعتقدات التي تنبع من التاريخ الطويل لهذه الأمة. تتراوح الأديان في المملكة المتحدة بين المسيحية التي تعتبر الديانة السائدة، مرورًا بالديانات الأخرى مثل الإسلام والديانات الهندية والبوذية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأشخاص الذين يعرفون أنفسهم كـ “لادينيين”. يتناول هذا المقال أكبر الأديان في المملكة المتحدة، مع التركيز على تاريخها، تأثرها بالمجتمع البريطاني، ونسبة انتشارها.
المسيحية في المملكة المتحدة
المسيحية هي الديانة الأكثر شيوعًا في المملكة المتحدة، وتشكل الجزء الأكبر من المشهد الديني في البلاد. ترجع جذور المسيحية في المملكة المتحدة إلى العصور المبكرة عندما وصلت المسيحية إلى بريطانيا عبر القديس أوغسطين في القرن السادس الميلادي، مما أدى إلى تبنيها كدين رئيسي في المملكة.
في الوقت الحالي، يشمل المسيحيون في المملكة المتحدة مجموعة متنوعة من الطوائف والكنائس، أبرزها الكنيسة الأنجليكانية، الكاثوليكية، والطوائف البروتستانتية الأخرى. الكنيسة الأنجليكانية، التي يترأسها الملك أو الملكة في المملكة المتحدة، تمثل أغلب المسيحيين في إنجلترا. في اسكتلندا، تكون الكنيسة الأسكتلندية هي الكنيسة الرسمية في حين أن في ويلز وأيرلندا الشمالية توجد أيضًا طوائف متنوعة.
الإسلام في المملكة المتحدة
الإسلام يعد الدين الثاني في المملكة المتحدة من حيث عدد الأتباع بعد المسيحية. بدأ الإسلام بالانتشار في المملكة المتحدة بشكل تدريجي منذ القرن السابع عشر، إلا أن الوجود الإسلامي الحديث في المملكة المتحدة يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر عندما بدأت الهجرة من المستعمرات البريطانية السابقة مثل الهند وباكستان. نتيجة للهجرة الكبيرة في القرن العشرين من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، أصبح الإسلام يشكل جزءًا كبيرًا من المجتمع البريطاني.
تُعد المجتمعات المسلمة في المملكة المتحدة أكثر تنوعًا من الناحية العرقية، حيث تضم أتباعًا من خلفيات متعددة مثل البنغاليين، الباكستانيين، والعرب. اليوم، يشكل المسلمون في المملكة المتحدة حوالي 5% من إجمالي السكان. ينتشر المسلمون بشكل خاص في المدن الكبرى مثل لندن، برمنغهام، مانشستر، وليفربول.
الهندوسية في المملكة المتحدة
الهندوسية هي ديانة أخرى تمثل جزءًا مهمًا من النسيج الديني في المملكة المتحدة، ويعود حضور الهندوس في المملكة المتحدة إلى فترة الاستعمار البريطاني في الهند. بدأت الهجرة الهندوسية إلى المملكة المتحدة بشكل مكثف في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين بعد الاستقلال الهندي، وتزايد عددهم في العقود التالية.
تُقدر أعداد الهندوس في المملكة المتحدة بحوالي 1.5% من إجمالي السكان، ويعيش معظمهم في المدن الكبرى مثل لندن، ليدز، ومانشستر. وتعتبر الهندوسية في المملكة المتحدة مصدرًا كبيرًا للثقافة والتنوع الديني، حيث يتميز المجتمع الهندوسي بتقاليده وعاداته المميزة التي تتضمن المهرجانات مثل ديوالي (عيد الأنوار) ونافاري. يُعَتَبر المركز الثقافي الهندوسي في المملكة المتحدة أحد أبرز معالم الثقافة الهندية.
السيخية في المملكة المتحدة
تعد السيخية إحدى الديانات التي لها وجود بارز في المملكة المتحدة، ويعود أول هجرة جماعية للمجتمع السيخي إلى المملكة المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، عندما استقر عدد كبير من السيخ في مدينة “لندن” والمناطق المحيطة بها. ومع ازدياد عدد السيخ في المملكة المتحدة في منتصف القرن العشرين، أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المجتمع البريطاني.
تشير الإحصائيات إلى أن السيخ يشكلون حوالي 0.8% من السكان في المملكة المتحدة. يتميز المجتمع السيخي بتقاليده الخاصة، التي تشمل التزامًا قويًا بالقيم الروحية والاجتماعية، إضافة إلى دورهم البارز في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما في قطاعات مثل التجارة، الطعام، والتعليم.
البوذية في المملكة المتحدة
الديانة البوذية في المملكة المتحدة هي ديانة أقلية تمثل حوالي 0.4% من السكان. تعود بداية البوذية في المملكة المتحدة إلى القرن التاسع عشر، عندما بدأت الأفكار البوذية بالانتشار بفضل تأثير الحركة الاستعمارية البريطانية في الهند وجنوب شرق آسيا. لكن انتشر تأثير البوذية بشكل أكبر في النصف الثاني من القرن العشرين، عندما بدأ البريطانيون في الاهتمام بالثقافة والفلسفة الشرقية.
تتميز المجتمعات البوذية في المملكة المتحدة بالتنوع العرقي، حيث تضم أشخاصًا من خلفيات آسيوية وأوروبية. تمثل البوذية في المملكة المتحدة واحدة من الديانات الروحية الأكثر تأثيرًا على مستوى الفكر والفلسفة.
اللادينيون واللا دينيين
أدى التغير الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته المملكة المتحدة على مر العصور إلى زيادة في عدد الأفراد الذين يعتبرون أنفسهم “لادينيين” أو “غير متدينين”. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 40% من سكان المملكة المتحدة يحددون أنفسهم كـ “لادينيين”، مما يعكس اتجاهًا عامًا في المجتمع البريطاني نحو التحديث والعلمانية.
يشمل هؤلاء الأفراد الذين لا ينتمون إلى أي ديانة معينة أو الذين يرفضون الانتماء الديني التقليدي. يمثل هذا التحول، الذي شهد تصاعدًا في العقود الأخيرة، جانبًا كبيرًا من تنوع المملكة المتحدة الديني.
الديانات الأخرى في المملكة المتحدة
على الرغم من أن الديانات الرئيسية في المملكة المتحدة هي المسيحية والإسلام والهندوسية والسيخية والبوذية، إلا أن هناك أيضًا أتباعًا لعدد من الأديان الأخرى مثل اليهودية، البهائية، والديانات الإفريقية التقليدية.
تستمر المملكة المتحدة في أن تكون مكانًا للتعددية الدينية حيث تشهد الحريات الدينية احترامًا من قبل المجتمع والحكومة. في الوقت نفسه، تُعد المملكة المتحدة من البلدان التي تضمن حرية الدين والمعتقد لكل شخص بغض النظر عن عقيدته أو انتمائه.
التأثير الثقافي والاجتماعي للأديان في المملكة المتحدة
تأثر المجتمع البريطاني بشكل كبير بالأديان المختلفة. على الرغم من أن المسيحية تظل الدين الأكثر تأثيرًا، إلا أن الأديان الأخرى قد ساهمت بشكل كبير في تطوير الثقافة البريطانية. لقد أسهمت الهندوسية، السيخية، والإسلام، على سبيل المثال، في إثراء الحياة الاجتماعية والاقتصادية من خلال مؤسسات مثل المدارس، المؤسسات الخيرية، والمراكز الثقافية.
كما أثرت الديانات المختلفة على الأعياد والمهرجانات في المملكة المتحدة، حيث أصبح لدى المجتمع البريطاني مناسبات دينية متنوعة مثل عيد الأضحى، ديوالي، عيد الميلاد، وموكب غودريش للمسيحيين.
الخاتمة
المملكة المتحدة تتمتع بتنوع ديني غني يعكس تاريخها الطويل في استقبال الثقافات والأديان المختلفة. المسيحية تظل الديانة السائدة، لكن الإسلام، الهندوسية، السيخية، والبوذية تشكل جزءًا مهمًا من المشهد الديني في البلاد. في الوقت نفسه، يشهد المجتمع البريطاني تحولًا نحو العلمنة حيث تزايد عدد اللادينيين في العقود الأخيرة، مما يوضح الاتجاهات الاجتماعية في المملكة المتحدة نحو التعددية والقبول بالتنوع الديني.
