الدول مع أكبر عدد من حاملات الطائرات: تفوق بحري واستراتيجيات هيمنة عالمية

تمثل حاملات الطائرات أحد أكثر رموز القوة العسكرية والاستراتيجية أهمية في العالم المعاصر، فهي ليست مجرد منصات لإطلاق الطائرات الحربية، بل أدوات متقدمة لفرض النفوذ الجغرافي السياسي، والتحكم في المساحات البحرية، والتدخل العسكري السريع في النزاعات الدولية. لا تمتلك جميع الدول القدرة على تصنيع أو تشغيل حاملات الطائرات، إذ إن الأمر يتطلب مزيجاً من التكنولوجيا الفائقة، والتمويل الضخم، والبنية التحتية العسكرية واللوجستية المتطورة. في هذا المقال الموسع، نعرض نظرة شاملة حول الدول التي تمتلك أكبر عدد من حاملات الطائرات، ونحلل قدراتها، وتوجهاتها الاستراتيجية، ونستعرض تفاصيل الأساطيل البحرية التي تشغل هذه السفن العملاقة.

أولاً: الولايات المتحدة الأمريكية – الهيمنة البحرية المطلقة

عدد حاملات الطائرات: 11 حاملة طائرات من الفئة النووية

الولايات المتحدة تحتل الصدارة العالمية دون منازع في مجال حاملات الطائرات، سواء من حيث العدد، أو القدرات القتالية، أو النطاق التشغيلي العالمي. جميع حاملات الطائرات الأمريكية العاملة حالياً تنتمي إلى فئة “نيميتز” (Nimitz-class) أو الفئة الأحدث “فورد” (Ford-class)، وهي حاملات تعمل بالطاقة النووية، قادرة على الإبحار لسنوات دون الحاجة إلى التزود بالوقود.

أبرز حاملات الطائرات الأمريكية:

• USS Gerald R. Ford (CVN-78): أحدث حاملة طائرات دخلت الخدمة عام 2017، مزودة بتقنيات متقدمة لإطلاق الطائرات وصيانتها.

• USS Nimitz (CVN-68): أقدم حاملة في الأسطول النشط، دخلت الخدمة في السبعينيات ولا تزال فعالة.

• USS Ronald Reagan، USS Carl Vinson، USS George H.W. Bush وغيرها.

القدرات القتالية:

تستطيع الحاملة الواحدة حمل أكثر من 75 طائرة حربية، بما في ذلك مقاتلات F/A-18 Super Hornet، وطائرات الإنذار المبكر، وطائرات الحرب الإلكترونية. كما تصحبها مجموعات قتالية تتكون من مدمرات، وغواصات نووية، وسفن دعم.

الانتشار العالمي:

تمتلك البحرية الأمريكية قواعد بحرية في المحيط الهادئ، والمحيط الأطلسي، والخليج العربي، وتنتشر حاملاتها في مواقع استراتيجية مثل بحر الصين الجنوبي، ومضيق هرمز، والبحر المتوسط.

ثانياً: الصين – صعود بحري متسارع

عدد حاملات الطائرات: 3 (اثنتان فعالتان وواحدة قيد التجريب)

تسير الصين بخطى حثيثة نحو توسيع قدراتها البحرية، وقد شهد العقد الأخير نمواً غير مسبوق في قدراتها الصناعية والعسكرية، من بينها تصنيع حاملات الطائرات. تعتمد بكين على استراتيجيات التطوير التدريجي، وبدأت أولاً بإعادة تجهيز حاملة سوفيتية قديمة، ثم انتقلت إلى بناء حاملات محلية أكثر تطوراً.

أبرز حاملات الطائرات الصينية:

• Liaoning (CV-16): الحاملة الأولى، تم شراؤها من أوكرانيا وأُعيد تجهيزها.

• Shandong (CV-17): الحاملة الأولى المصنوعة بالكامل محلياً.

• Fujian (CV-18): حاملة متطورة ذات تقنيات جديدة، من المتوقع دخولها الخدمة قريباً.

القدرات والتوجهات:

لا تزال حاملات الطائرات الصينية تعمل بالوقود التقليدي، ولا تتمتع بنفس قدرات الحاملات الأمريكية، لكنها خطوة مهمة نحو تطوير قوة بحرية عالمية قادرة على حماية مصالح بكين في المحيطين الهندي والهادئ.

ثالثاً: المملكة المتحدة – استعادة الدور العالمي

عدد حاملات الطائرات: 2

رغم تقليص القوة البحرية البريطانية بعد الحرب الباردة، عادت المملكة المتحدة إلى تطوير حاملات طائرات حديثة في إطار رؤيتها لاستعادة نفوذها العالمي، خاصة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

أبرز الحاملات:

• HMS Queen Elizabeth

• HMS Prince of Wales

هاتان الحاملتان تمثلان طفرة نوعية في القدرات البحرية البريطانية، وتعملان بتقنية الدفع الكهربائي، وتستطيعان تشغيل طائرات F-35B ذات الإقلاع العمودي.

القدرات:

تستطيع كل حاملة حمل حوالي 40 طائرة، وتشارك بشكل دوري في مناورات بحرية مشتركة مع قوات الناتو والولايات المتحدة، ما يعكس التزام لندن بالحفاظ على قدراتها الدفاعية.

رابعاً: فرنسا – قوة بحرية مستقلة

عدد حاملات الطائرات: 1

تملك فرنسا حاملة طائرات واحدة، لكنها ذات أهمية كبيرة وتعمل بالطاقة النووية، وهي الدولة الأوروبية الوحيدة – بعد المملكة المتحدة – التي تشغل حاملة طائرات تعمل بهذا النظام.

الحاملة:

• Charles de Gaulle (R91): الحاملة الفرنسية الرئيسية، دخلت الخدمة عام 2001.

القدرات:

يمكنها حمل ما يقارب 40 طائرة، بما في ذلك مقاتلات Rafale M، وطائرات الإنذار المبكر، وتشارك بانتظام في عمليات بحرية دولية، خصوصاً في الشرق الأوسط.

خامساً: الهند – طموحات إقليمية واسعة

عدد حاملات الطائرات: 2

تعمل الهند على بناء أسطول بحري قوي لمواجهة التحديات في المحيط الهندي، خصوصاً في ظل التوسع البحري الصيني. تمتلك حالياً حاملتين نشطتين، وتسعى لتوسيع قدراتها في المستقبل القريب.

الحاملات:

• INS Vikramaditya: حاملة روسية سابقة تم تعديلها.

• INS Vikrant: الحاملة الأولى المصنوعة بالكامل محلياً، دخلت الخدمة في 2022.

القدرات:

تستخدم الهند طائرات MiG-29K البحرية، وتخطط لتطوير حاملة ثالثة تعمل بالطاقة النووية.

سادساً: روسيا – إرث الاتحاد السوفيتي

عدد حاملات الطائرات: 1 (قيد الإصلاح)

رغم امتلاك روسيا لترسانة نووية ضخمة وقوة عسكرية كبيرة، إلا أن قدراتها في مجال حاملات الطائرات محدودة. تمتلك حالياً حاملة طائرات واحدة فقط، وهي تعاني من مشاكل تقنية متكررة.

الحاملة:

• Admiral Kuznetsov: دخلت الخدمة عام 1991، وتعاني من أعطال مزمنة.

التحديات:

تعرضت الحاملة لعدة حوادث خلال عمليات الصيانة، وتثير التساؤلات حول قدرة موسكو على تطوير أو تشغيل حاملات مستقبلية في ظل العقوبات الغربية والمشاكل الاقتصادية.

دول أخرى تمتلك حاملات طائرات صغيرة أو سفن هجومية برمائية

أهمية حاملات الطائرات في السياسة العسكرية العالمية

السيطرة على الممرات البحرية:

توفر حاملات الطائرات قدرة على نشر القوة في نقاط التوتر حول العالم، وتمثل أداة فعالة للردع الاستراتيجي، سواء في مناطق الصراع أو لحماية المصالح الاقتصادية.

التدخل السريع:

تسمح الحاملات بتقديم الدعم الجوي دون الحاجة إلى قواعد جوية برية، مما يجعلها مثالية في حالات التدخل السريع أو الكوارث الإنسانية أو النزاعات الإقليمية.

القوة الناعمة والعرض العسكري:

في أوقات السلم، تُستخدم حاملات الطائرات لإبراز القوة الناعمة والتأثير الدبلوماسي، من خلال الزيارات الدولية أو المشاركة في المناورات المشتركة.

مستقبل حاملات الطائرات: تطورات تكنولوجية وتحولات جيوسياسية

تشهد صناعة حاملات الطائرات حالياً تطورات هائلة، من أبرزها:

• التحول نحو الدفع النووي لزيادة الاستقلالية.

• الأنظمة الكهرومغناطيسية لإطلاق الطائرات (EMALS) بدل الأنظمة التقليدية.

• التكامل مع الطائرات بدون طيار.

• تطوير الدرونات القتالية المحمولة جواً من حاملات الطائرات.

كما أن هناك تحولاً ملحوظاً نحو استخدام الحاملات متعددة المهام الصغيرة في بعض الدول، كوسيلة أقل كلفة وأكثر مرونة.

الخلاصة

لا تزال حاملات الطائرات تحتفظ بمكانتها كأداة محورية في هندسة القوة العالمية، ويظل التفوق الأمريكي في هذا المجال بلا منازع، رغم أن الصين والهند والمملكة المتحدة تحاول تقليص الفجوة تدريجياً. إن امتلاك حاملة طائرات لا يرمز فقط إلى التفوق العسكري، بل يعكس أيضاً مستوى التقدم التكنولوجي والقدرة على تنفيذ العمليات المعقدة التي تتطلب تنسيقاً عالياً بين مختلف وحدات الجيش والبحرية والقوات الجوية.

المراجع:

• Naval Technology: www.naval-technology.com

• The Military Balance – International Institute for Strategic Studies (IISS)