أقوال ملهمة عن الموسيقى

أقوال عن الموسيقى

تُعد الموسيقى من أرقى أشكال التعبير الإنساني، وقد رافقت الإنسان منذ فجر التاريخ، متغلغلة في طقوسه الدينية، احتفالاته، آلامه وأفراحه. لم تكن الموسيقى مجرد أصوات متناغمة تتردد في الآذان، بل أصبحت وسيلة سامية لترجمة العواطف، وجسرًا يربط بين الشعوب والثقافات على اختلاف لغاتها وتقاليدها. لهذا السبب، لم تخلُ كتب الحكماء والفلاسفة والعلماء من أقوال خالدة عن الموسيقى، عكست مدى تأثيرها العميق على النفس الإنسانية وعلى حضارات البشرية عبر العصور.

الموسيقى في الفكر الفلسفي والأدبي

الفلاسفة اليونان القدماء كانوا من أوائل من قدّسوا الموسيقى وجعلوها جزءًا لا يتجزأ من الفلسفة والتعليم، فـأفلاطون اعتبر الموسيقى وسيلة لتربية الروح، حيث قال: “الموسيقى تمنح الكون روحًا، والعقل أجنحة، وتطلق الخيال وتحفز الحياة وتمنح كل شيء طعمًا.” أما أرسطو فقد رآها عنصرًا محوريًا في تربية المواطن الصالح، حيث أشار إلى قدرتها على تهذيب النفس وتنمية الحس الأخلاقي.

في العصور الوسطى، استمر اعتبار الموسيقى علمًا ضمن منظومة الفنون السبعة الحرة، وربط العلماء مثل بوئيثيوس والقديس أوغسطين بينها وبين النظام الكوني، معتبرين أن الألحان ما هي إلا صدى لـ”انسجام الأفلاك”.

وفي الأدب العالمي، لا يخلو تراث الأمم من تمجيد الموسيقى. كتب ويليام شكسبير يقول: “إن الذي لا تحركه الموسيقى، يصلح للخيانة والمكائد.” بينما اعتبر فيكتور هوغو أن الموسيقى “تعبير عن ما لا يمكن قوله وما لا يمكن أن يظل صامتًا.”

أقوال خالدة في الموسيقى

من بين الأقوال التي خلّدها الزمان، تبرز عبارات عبقرية تختصر قيمة الموسيقى وتأثيرها الروحي والعاطفي:

• لودفيغ فان بيتهوفن: “الموسيقى وحي يدخل إلى النفس فيمنحها السكينة والطمأنينة.”

• فريدريك نيتشه: “بدون الموسيقى، تصبح الحياة خطأ.”

• جورج برنارد شو: “الموسيقى هي لغة العاطفة، والعاطفة هي جوهر الإنسانية.”

• ألبرت أينشتاين: “لو لم أكن فيزيائيًا، لربما كنت موسيقيًا. غالبًا ما أفكر في الموسيقى، وأعيش أحلامي في الموسيقى.”

• ليونارد برنشتاين: “الموسيقى تستطيع أن تسهم في صناعة الإنسان السليم، لأنها تحرك وجدانه وتثير أحاسيسه وتدفعه إلى التأمل والتسامي.”

الموسيقى كأداة شفاء وتعبير

في العصور الحديثة، اتجه العديد من الباحثين لدراسة العلاقة بين الموسيقى والصحة النفسية والعقلية. وقد أكد علم النفس الموسيقي أن الاستماع إلى أنواع معينة من الموسيقى يؤدي إلى انخفاض مستويات التوتر والقلق، وتنشيط مراكز المكافأة في الدماغ، وتحسين المزاج بشكل عام. كما تدخل الموسيقى في برامج العلاج بالموسيقى (Music Therapy) التي تُستخدم في معالجة اضطرابات القلق، التوحد، الاكتئاب، وحتى حالات ما بعد الصدمة.

وقد قال الطبيب والعالم العربي ابن سينا: “الغناء يُفرح النفس ويزيل الغم ويعين على الهضم.” بينما يرى الأطباء المعاصرون أن الموسيقى ليست ترفًا فنيًا، بل ضرورة حياتية تساهم في دعم الجهاز العصبي وإعادة التوازن الداخلي للجسم.

الموسيقى وعلاقتها بالهوية والثقافة

تشكل الموسيقى أحد أبرز أعمدة الهوية الثقافية لأي شعب، فهي مرآة تعكس التاريخ، والتراث، والوجدان الجمعي. تتنوع أنماط الموسيقى بين المقامات الشرقية، والسيمفونيات الغربية، والإيقاعات الإفريقية، والترانيم الدينية، وغيرها من الأشكال التي تمثل كل منها ذاكرة جماعية وقيمًا اجتماعية.

وقد عبّر مارسيل بروست عن هذه العلاقة بقوله: “الموسيقى هي ذاكرتنا الثانية، تحتفظ بما لا تسجله الكلمات.” وهذا ما يفسّر كيف أن أغنية واحدة قادرة على استدعاء مشهد من الماضي بكل ما فيه من مشاعر وصور.

مقارنة بين أقوال الفلاسفة والعلماء عن الموسيقى

الموسيقى في الديانات والثقافات

على امتداد الديانات السماوية والثقافات المختلفة، كانت الموسيقى حاضرة في الطقوس الدينية والاحتفالات الروحية. ففي التقاليد المسيحية، تحتل الترانيم والغناء الكنسي مكانة مركزية في العبادة، بينما نجد في الثقافة الإسلامية اهتمامًا بالمقامات الصوتية في التلاوة القرآنية والمدائح النبوية، وإن كانت الموسيقى في بعض الفقه موضع نقاش وتباين.

وفي الثقافات الآسيوية، تُستخدم الموسيقى للتأمل والتطهير الداخلي، كما هو الحال في الأناشيد البوذية والهندوسية التي ترافق طقوس اليوغا والتأمل. وفي أفريقيا، تؤدي الإيقاعات الموسيقية دورًا محوريًا في الطقوس الجماعية، المرتبطة بالزراعة أو الطقوس الانتقالية كالولادة والموت.

الموسيقى والطفولة: تشكيل الذوق منذ الصغر

من الحقائق المؤكدة علميًا أن الموسيقى تسهم في تنمية ذكاء الطفل منذ الأشهر الأولى من عمره. وقد أظهرت دراسات متعددة أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة موسيقية يظهرون قدرات لغوية ومهارات إدراكية أعلى من أقرانهم. كما تسهم الموسيقى في تعزيز التركيز، وتنمية الخيال، وتعلّم الانضباط من خلال الاستماع أو تعلم العزف.

لهذا كان كبار المربين مثل ماريا مونتيسوري ورودولف شتاينر يولون أهمية كبيرة للموسيقى في العملية التربوية، ويدمجونها في المناهج التعليمية منذ السنوات الأولى.

الموسيقى لغة عالمية تتجاوز الحدود

على الرغم من اختلاف اللغات والثقافات، تبقى الموسيقى لغة عالمية يفهمها الجميع. الألحان الحزينة، والأنغام الفرِحة، والإيقاعات الراقصة، تنقل المشاعر بلا ترجمة. هذه الخاصية جعلت من الموسيقى جسرًا للحوار الحضاري، وأداة للتقارب بين الشعوب.

وقد عبّر عن ذلك هنري وادزورث لونغفيلو بقوله: “الموسيقى هي اللغة العالمية للبشرية.”

من هنا، فإن تأثير الموسيقى لا يقف عند حدود الفن، بل يتعداه إلى بناء السلام، وتوثيق التفاهم بين الأمم. وهو ما يفسر استخدامها في الحملات الدبلوماسية، والبرامج الإنسانية، والاحتفالات الدولية الكبرى.

الموسيقى في زمن الأزمات

حتى في أحلك الأوقات، كانت الموسيقى صمام الأمان الذي يحافظ على الروح الإنسانية من الانهيار. في الحروب، وفي السجون، وفي الملاجئ، ظل الإنسان يبتكر الأغاني ويلحن الأمل وسط الرماد. ومن أبرز الشواهد التاريخية، حفلات الأوركسترا التي كانت تُقام في معسكرات الاعتقال النازية رغم فظاعة الظروف، وكأن الإنسان يصرّ على التمسك بجذور الجمال.

الخلاصة الفكرية من الأقوال عن الموسيقى

إن التأمل في الأقوال التي خُلّدت عبر التاريخ حول الموسيقى يفضي إلى نتيجة واحدة مفادها أن هذا الفن العريق ليس ترفًا ولا تسلية عابرة، بل ضرورة إنسانية متجذرة في كينونة البشر. إنه عنصر لا غنى عنه لتغذية الروح، وشفاء العقل، وتحقيق الانسجام الداخلي والخارجي.

الموسيقى ليست أصواتًا فقط، بل هي أفكار ومشاعر وأحلام تتناغم في قالب صوتي يسكن القلب قبل أن يسمعه الأذن. ولذا سيبقى تأثيرها خالدًا، ما دام هناك إنسان ينبض بالحياة.

المراجع:

1. Duckworth, William. A Creative Approach to Music Fundamentals, Cengage Learning, 2012.

2. Sachs, Curt. The Rise of Music in the Ancient World, W. W. Norton & Company, 1943.