أقوال أحمد الشقيري: دروس في الوعي والنهضة والإلهام
يُعد أحمد الشقيري أحد أبرز الشخصيات الفكرية والإعلامية في العالم العربي المعاصر، حيث شكّل حضوره الإعلامي ومحتواه الثقافي والفكري نافذةً جديدةً على مفاهيم التنمية الذاتية، والنهضة الأخلاقية، واستعادة الهوية الحضارية للأمة الإسلامية. عبر برامجه المتنوعة مثل “خواطر”، و”إحسان من المدينة”، و”إحسان من الحرم”، ساهم الشقيري في إحياء روح الوعي والانتماء، من خلال رسائل موجزة ولكنها عميقة المعنى، شكّلت مع الوقت ذخيرة من الأقوال الملهمة التي ألهمت أجيالاً من الشباب العربي.
هذا المقال يتناول أبرز أقوال أحمد الشقيري في محاور متعددة، نحلّل من خلالها أبعاد هذه المقولات الفكرية والأخلاقية، ومدى أثرها على الوعي الجمعي، مستعرضين السياق الذي جاءت فيه، والدروس المستخلصة منها.
أولاً: أقوال في النهضة والتغيير
في إطار حديثه المستمر عن النهضة الحضارية، يركز الشقيري على ضرورة أن يبدأ التغيير من الداخل، من النفس ومن الفرد، قبل أن ينعكس ذلك على المجتمع بأسره. ومن أبرز أقواله في هذا السياق:
“النهضة لا تبدأ من الحكومات، بل من الفرد.”
تعكس هذه المقولة فلسفة الشقيري القائمة على المسؤولية الشخصية كحجر أساس في بناء المجتمعات المتقدمة. فبدلاً من إلقاء اللوم على الظروف الخارجية، يدعو إلى تأمل الذات والسعي لتغييرها، متأثراً في ذلك بالقاعدة القرآنية: “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.”
“التغيير ليس حدثاً، بل رحلة.”
هذه المقولة تسلّط الضوء على ضرورة الصبر والاستمرارية في مشاريع الإصلاح، بعيداً عن التفكير الآني أو النتائج الفورية. التغيير وفق الشقيري يتطلب رؤية بعيدة المدى، ومثابرة يومية.
ثانياً: أقوال في التنمية الذاتية وتحسين النفس
تُعتبر التنمية الذاتية من المحاور المركزية في فكر أحمد الشقيري، ويظهر ذلك جلياً في أقواله التي تهدف إلى تحفيز الفرد على التحسين الذاتي والتحرر من القيود النفسية والفكرية:
“النجاح لا يحتاج إلى كثير من المال، بل إلى كثير من الإصرار.”
مقولة تختصر مفهوم الإرادة القوية والاعتماد على الذات، بعيداً عن الأعذار المرتبطة بالإمكانات المادية. فالشخص الناجح ليس من توفر له كل شيء، بل من اجتهد بما توفر لديه.
“قوّم نفسك قبل أن تطالب الآخرين بتقويمهم.”
في دعوة صريحة إلى محاسبة الذات وممارسة النقد الذاتي، يعيد الشقيري توجيه البوصلة الأخلاقية للفرد نحو التركيز على النفس بدلاً من الانشغال بعيوب الآخرين.
“لا توجد وصفة سحرية، اعمل على نفسك كل يوم.”
بهذه الكلمات الواقعية يبعد الشقيري الناس عن الأوهام السريعة، ويقر بأن التطور الذاتي هو عملية مستمرة تتطلب الصبر والمجاهدة.
ثالثاً: أقوال في القيم الأخلاقية والاجتماعية
في كثير من المناسبات، ركّز الشقيري على ضرورة ترسيخ القيم الأخلاقية في المجتمعات، كونها العماد الحقيقي لأي نهضة حضارية:
“احترامك للناس لا يدل على ضعفك، بل على أخلاقك.”
هذه المقولة تدحض الاعتقاد السائد بأن الطيبة والاحترام ضعف، وتؤكد أن التحلي بالأخلاق يعكس رُقياً داخلياً لا علاقة له بالقوة أو الضعف.
“الناس لا تراك كما أنت، بل كما هم.”
تعبير عميق يدل على أن حكم الناس على الآخرين نابع من تجاربهم الخاصة، مما يتطلب تفهماً وتسامحاً في مواجهة الانتقادات أو سوء الفهم.
“الابتسامة صدقة، فهل تبخل؟”
في دعوة بسيطة لكنها بالغة الأثر، يحث الشقيري على نشر الطاقة الإيجابية عبر أبسط وسائل التواصل الإنساني: الابتسامة.
رابعاً: أقوال في الإسلام المعاصر وفهم الدين
لا ينفصل فكر أحمد الشقيري عن خلفيته الدينية، لكنه في ذات الوقت يقدم الإسلام بلغة معاصرة تستجيب لحاجات العقل الحديث، وتبتعد عن التعقيد أو التلقين:
“ديننا بسيط، نحن من عقدناه.”
تشير هذه العبارة إلى أن جوهر الإسلام قائم على الرحمة واليسر، بينما أدت بعض الممارسات والتفسيرات إلى تعقيده وتشويهه.
“المشكلة ليست في الإسلام، بل في صورة الإسلام التي قدمناها للعالم.”
يعكس هذا القول وعياً عميقاً بدور المسلمين في تقديم نموذج غير مشرف للدين، مما يستدعي مراجعة شاملة للخطاب الدعوي والسلوك اليومي.
“ليس المطلوب أن تحفظ القرآن، بل أن تعيشه.”
في دعوة لتحويل النص الديني إلى سلوك عملي، يوجّه الشقيري انتقاداً ضمنياً إلى الحفظ دون الفهم، ويحضّ على التجسيد العملي للقيم الإسلامية.
خامساً: أقوال في الهوية والاعتزاز بالذات
يؤمن الشقيري بأهمية استعادة الهوية الإسلامية والعربية، لكن دون انغلاق أو تعصب، بل بانفتاح على الحضارات الأخرى واستفادة منها:
“نحن أمة اقرأ، لكننا لا نقرأ.”
مفارقة مؤلمة بين ما تدعو إليه تعاليم الدين الإسلامي وما هو واقع الأمة. هذه المقولة تلخص بذكاء مفارقة الحضارة والانحطاط الثقافي.
“خذ من الغرب علمه، ودع فكره.”
يدعو الشقيري إلى الانتقاء الذكي من الحضارات الأخرى، بحيث نأخذ ما يتوافق مع قيمنا وهويتنا، لا ما يهدمها.
سادساً: أقوال في العمل والإتقان والإبداع
من الركائز الكبرى في رؤية الشقيري هي الإتقان والإبداع كسبيل للنهوض بالمجتمعات:
“الإتقان عبادة.”
بهذه العبارة يربط الشقيري بين السلوك العملي اليومي والدين، مشيراً إلى أن الإتقان لا يقل عن الصلاة أو الصيام في تعبيره عن الإيمان الحقيقي.
“العمل ليس عيباً، بل الكسل هو العيب.”
في دعوة صريحة لكسر ثقافة العيب حول بعض المهن، يرفع الشقيري من شأن العمل الشريف أيّاً كان نوعه.
“الأمم لا تنهض بالكلام، بل بالفعل.”
مقولة تركز على التطبيق العملي لا الشعارات، وهي من أساسيات أي مشروع حضاري حقيقي.
جدول: مقارنة بين بعض أقوال أحمد الشقيري وأبعادها الفكرية
| القول | المجال | البُعد الفلسفي أو الأخلاقي |
|---|---|---|
| “النهضة تبدأ من الفرد” | النهضة والتغيير | المسؤولية الفردية |
| “النجاح لا يحتاج مالاً بل إصراراً” | التنمية الذاتية | الإرادة الداخلية |
| “ديننا بسيط، نحن من عقدناه” | الدين | نقد التقاليد المعقدة |
| “الإتقان عبادة” | العمل والإبداع | الدين في الحياة اليومية |
| “نحن أمة اقرأ، لكننا لا نقرأ” | الهوية والنهضة | المفارقة بين الشعار والواقع |
التأثير الإعلامي والاجتماعي لأقوال أحمد الشقيري
ما يجعل من أقوال أحمد الشقيري مادة خصبة للتحليل والتأمل، هو تفاعل الناس الواسع معها، حيث تتداول على منصات التواصل الاجتماعي وتحفّز على التفكير النقدي والمبادرة الشخصية. ولعل سرّ نجاح هذه الأقوال يكمن في بساطتها اللغوية، وعمقها المفاهيمي، وتوقيتها المناسب، حيث تعبّر بدقة عن هموم الإنسان العربي المعاصر وتطلعاته.
كما أن هذه الأقوال لم تصدر في فراغ، بل جاءت في سياق برامج إعلامية ذات طابع توعوي مدروس، مما جعل المتلقي يتفاعل معها في إطار بصري وسردي متكامل. إن “خواطر” مثلاً لم يكن مجرد عرض تلفزيوني، بل مشروع حضاري متكامل رسّخ قيماً فكرية وعملية وجعل من أحمد الشقيري مرجعية ثقافية وإلهامية لدى فئة كبيرة من الشباب.
المراجع
-
الشقيري، أحمد. كتاب خواطر 1 و2. دار الشروق، 2010.
-
مقابلات وبرامج أحمد الشقيري المختلفة، مثل “خواطر”، “إحسان من الحرم”، و”قمرة”.
