تعد مسألة التدين في العالم من المواضيع المثيرة للبحث والنقاش، إذ تختلف درجات التدين من دولة إلى أخرى بناءً على مجموعة من العوامل الاجتماعية، والثقافية، والسياسية. تختلف المجتمعات البشرية في التزامها الديني وطريقة عيشها العقائدية، فهناك دول تدين بالإيمان بديانات مختلفة بينما تقتصر بعض الدول على مجموعات دينية معينة أو قد تكون أقل تدينًا بشكل عام. لكن هذا التفاوت لا يتوقف عند حدود الدين فحسب، بل يشمل أيضًا درجة تأثير الدين في الحياة اليومية وسلوك الأفراد داخل المجتمع. بناءً على العديد من الدراسات والأبحاث، يمكن تصنيف الدول الأقل تدينًا وفقًا لعدة معايير منها الاعتراف الديني، والعدد الإجمالي للأشخاص الذين يشاركون في الأنشطة الدينية، ومدى تأثير الدين على السياسات المحلية.
1. الدنمارك
تعتبر الدنمارك واحدة من أقل الدول تدينًا في العالم، حيث يشير تقرير “الأديان في العالم” إلى أن نسبة كبيرة من سكانها لا يتبعون أي دين محدد. في حين أن غالبية الدنماركيين ينتمون إلى الكنيسة اللوثرية، إلا أن الكثير منهم يتبعون ممارسات دينية محدودة أو لا يشاركون في الطقوس الدينية إلا بشكل ضئيل. يفسر هذا التحول الثقافي من خلال الانتشار الواسع للتعليم العلماني وارتفاع معدل الرفاهية الاجتماعية، مما يقلل من الحاجة إلى الدين في حياة الأفراد اليومية.
2. السويد
على الرغم من أن السويد واحدة من الدول التي تحتوي على نسبة كبيرة من المسيحيين، إلا أن مجتمعها يعد من أكثر المجتمعات العلمانية في العالم. هناك زيادة ملحوظة في عدد الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم “غير متدينين”. غالبية السويديين يتبعون الكنيسة اللوثرية السويدية، لكن إحصائيات عديدة أظهرت أن نسبة كبيرة من الناس لا يشاركون في الأنشطة الدينية بانتظام. يعكس ذلك التطور الاجتماعي الذي يسعى إلى المساواة بين الأفراد بعيدًا عن الفروق الدينية.
3. النرويج
النرويج، مثل جيرانها في شمال أوروبا، تتمتع بمستوى عالٍ من العلمانية. على الرغم من أن النرويج تعتبر دولة ذات تقاليد مسيحية، إلا أن التدين ليس جزءًا بارزًا في حياة الأغلبية. الكنيسة النرويجية هي واحدة من أقدم الكنائس اللوثرية، لكنها تشهد انخفاضًا مستمرًا في أعداد الأعضاء النشطين. يشير المجتمع النرويجي إلى تفوق التعليم والرعاية الصحية على القيم الدينية، مما جعل الدين يحتل مكانة أقل في الحياة اليومية.
4. فنلندا
في فنلندا، كما في العديد من دول الشمال الأوروبي، الدين ليس عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية. على الرغم من أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية الفنلندية تشكل الغالبية العظمى من السكان، إلا أن عدد الأفراد الذين يشاركون في الأنشطة الدينية أو يذهبون إلى الكنيسة بشكل منتظم منخفض جدًا. يعكس المجتمع الفنلندي التوجه نحو العلمانية والتركيز على رفاهية الأفراد والمساواة الاجتماعية بعيدًا عن التأثيرات الدينية.
5. هولندا
تعتبر هولندا من الدول التي تتمتع بنظام علماني قوي، حيث يتجاوز التأثير الديني حياتهم اليومية. على الرغم من أن عددًا من الهولنديين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية أو البروتستانتية، إلا أن نسبة كبيرة من السكان لا يشاركون في الطقوس الدينية أو يعتبرون أنفسهم متدينين. يُعزى هذا التوجه إلى الثقافة المفتوحة والتي تركز على احترام حقوق الإنسان والمساواة، مما يقلل من أهمية الدين في القرارات الحياتية اليومية.
6. أيسلندا
أيسلندا هي واحدة من أكثر البلدان الأوروبية تمتعًا بالعلمانية. على الرغم من أن الدين المسيحي يشكل جزءًا من تاريخ البلد، فإن عدد الأيسلنديين الذين يشاركون في الطقوس الدينية ضئيل. يتبع العديد من الأيسلنديين الكنيسة الأيسلندية اللوثرية، لكن التدين في المجتمع الأيسلندي لا يُعتبر أولوية، مما يجعلها واحدة من الدول الأقل تدينًا في العالم.
7. فرنسا
فرنسا هي دولة ذات تاريخ طويل في العلمانية، حيث تفصل تمامًا بين الدين والدولة. على الرغم من أن فرنسا تضم عددًا كبيرًا من المسيحيين والمسلمين، إلا أن العديد من المواطنين لا يرون الدين كجزء أساسي من حياتهم. تمارس الدولة سياسة “الحياد الديني” التي تمنع تأثير الدين في التعليم والمجالات العامة الأخرى. يعكس هذا التوجه التاريخي نحو العلمانية نمطًا ثقافيًا يفضل احترام حقوق الأفراد بعيدًا عن الإكراه الديني.
8. أستراليا
أستراليا تعتبر من الدول المتقدمة التي تشهد تنوعًا دينيًا واسعًا، لكن نسبة كبيرة من السكان لا يتبعون ديانات محددة. تشير الدراسات إلى أن عدد الأشخاص الذين يعرفون أنفسهم كغير متدينين في أستراليا في تزايد مستمر. في حين أن الأستراليين يواصلون الاحتفال ببعض الطقوس الدينية، إلا أن الدين ليس له تأثير كبير على حياتهم اليومية، ما يجعل أستراليا من بين أقل الدول تدينًا في العالم.
9. بريطانيا
رغم أن المملكة المتحدة تاريخيًا تعتبر مهدًا للكثير من الأديان والمعتقدات المسيحية، إلا أن الدين في الوقت الحاضر ليس جزءًا محوريًا من حياة الكثير من البريطانيين. شهدت بريطانيا انخفاضًا ملحوظًا في عدد الأشخاص الذين يشاركون في العبادة المنتظمة أو الذين يعتبرون الدين جزءًا أساسيًا من هويتهم. النظام العلماني الذي يحكم المملكة المتحدة يتيح للناس حرية كبيرة في اختيار ما يؤمنون به، ما يجعل التدين أمرًا ثانويًا في الحياة البريطانية.
10. كندا
كندا تعد واحدة من أكثر الدول تنوعًا دينيًا، ومع ذلك، لا يشكل الدين جزءًا أساسيًا من حياة الكنديين. رغم أن هناك العديد من الطوائف الدينية في كندا، فإن الكثير من الكنديين يعتبرون أنفسهم غير متدينين أو لا يشاركون في الأنشطة الدينية. يعكس هذا المجتمع الكندي الذي يتميز بالانفتاح الاجتماعي والحقوق الفردية، حيث يُنظر إلى الدين على أنه خيار شخصي وليس كأمر يعكس هوية وطنية.
العوامل التي تساهم في تدني مستوى التدين
تساهم عدة عوامل في تدني مستوى التدين في الدول المذكورة. أحد أهم هذه العوامل هو التعليم العالي الذي يتسم بالعلمانية والانتشار الواسع للجامعات والمدارس التي تركز على التعليم غير الديني. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود نظام رعاية صحية قوي ورفاهية اجتماعية تعني أن الأفراد قد لا يشعرون بالحاجة إلى الدين كمصدر رئيسي للدعم العاطفي أو الاجتماعي. علاوة على ذلك، تلعب العوامل الثقافية دورًا كبيرًا في تشكيل المجتمع؛ ففي كثير من الدول الأقل تدينًا، تسود الثقافة الفردية التي تشجع على التفكير النقدي والاستقلالية عن العقائد الدينية.
خلاصة
تظهر هذه الدول التي تم ذكرها كمجتمعات متطورة علمانيًا حيث يميل الأفراد إلى اتخاذ مواقف أكثر استقلالية بعيدًا عن تأثيرات الدين التقليدي. يمكن القول إن هذه البلدان تمثل نماذج لمجتمعات متقدمة تسعى إلى تحقيق التوازن بين القيم الإنسانية والعلمانية، حيث تكون الدين جزءًا من هوية الأفراد الشخصية، ولكنه لا يفرض نفسه على المجتمع ككل.
