أقسام الحديث المردود وأسبابها

أقسام الحديث المردود

الحديث الشريف، بما يحتويه من أقوال وأفعال وتقريرات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، يُعدّ المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم. وكون الحديث هو جزء لا يتجزأ من بناء الشريعة الإسلامية، فإن دقة تحديد صحة الحديث أو ضعفه تعتبر من المهام الأساسية للعلماء. ومن أبرز تصنيفات الحديث، نجد الحديث المردود أو الضعيف، وهو الحديث الذي لا يُقبل من حيث السند أو المتن أو كليهما. والحديث المردود ينقسم إلى عدة أنواع وأقسام تتفاوت في درجات الرد والضعف. في هذا المقال، سنتناول تفصيلات دقيقة حول هذه الأقسام مع شرح للأسباب التي تجعل الحديث مردودًا.

تعريف الحديث المردود

الحديث المردود هو الحديث الذي لا يقبله العلماء ويُعَتبر غير صالح للاحتجاج به في الأحكام الشرعية بسبب عيوب موجودة فيه، سواء في السند أو المتن أو كليهما. المردود من الحديث قد يكون ضعيفًا من حيث السند أو المتن أو ربما يكون مكذوبًا عليه، ومن ثم لا يُستند إليه في استنباط الأحكام الشرعية.

أقسام الحديث المردود

ينقسم الحديث المردود إلى عدة أنواع رئيسية تتنوع بحسب الأسباب التي تجعل الحديث غير مقبول. سنتناول فيما يلي أبرز هذه الأقسام مع توضيح مفصل لكل قسم:

1. الحديث الضعيف

الحديث الضعيف هو الحديث الذي لا يحقق شروط الصحة في السند أو المتن، ولكنه لا يصل إلى درجة الكذب. ومن أمثلة الضعف التي تؤدي إلى رد الحديث: وجود انقطاع في السند، ضعف راوي من الرواة، أو وجود خطأ في المتن. الحديث الضعيف يمكن أن يكون:

• ضعيفًا في السند: أي أن أحد الرواة في السند لا يُعتبر موثوقًا من ناحية الدقة في نقل الحديث.

• ضعيفًا في المتن: حيث يكون متن الحديث غير متفق مع القواعد العقلية أو الشرعية.

أمثلة على الحديث الضعيف:

1. حديث ضعيف في السند:
   الحديث الذي يروي عن راوي ضعيف، أي لم يكن من العلماء الذين يعتد بهم في نقل الحديث، فقد يروي حديثًا لا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

2. حديث ضعيف في المتن:
   إذا كان هناك تناقض بين متن الحديث وما هو معروف من السنة أو القرآن الكريم، فإن ذلك يشير إلى ضعف الحديث.

2. الحديث الموضوع

الحديث الموضوع هو الحديث المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه ليس له أصل في السنة النبوية. يتم وضع الحديث الموضوع عن طريق نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشكل كاذب أو بتحريفه عن مراده الأصلي. ويمثل الحديث الموضوع أخطر أنواع الحديث المردود؛ لأن وضع الحديث يستهدف بشكل مباشر تغييره أو تحريفه لتناسب أغراض معينة.

كيفية معرفة الحديث الموضوع:

• وجود شواهد متناقضة: يشير وجود تناقضات واضحة في متن الحديث مع ما هو معروف من القرآن أو السنة النبوية إلى كذبه.

• وجود راوي غير موثوق: في معظم الأحيان، يروي الحديث الموضوع رواة غير معروفين بالكذب، أو يكون معروفًا عنهم أنهم وضعوا الحديث.

3. الحديث المعلول

الحديث المعلول هو الحديث الذي يبدو في ظاهره صحيحًا ولكن يتبين بعد التدقيق أنه يحتوي على علّة أو عيب في السند أو المتن يؤدي إلى ضعفه. العلل قد تكون واضحة أو مخفية، ولكن عند التنقيب عنها يظهر العيب. العلة قد تكون:

• وجود راوي مغفل: أحيانًا يكون أحد الرواة يُخطئ في نقل الحديث ولكنه يبدو مقبولًا.

• وجود خلل في متن الحديث: قد تكون بعض الكلمات أو العبارات التي قد تغير المعنى ويظهر ذلك عند مقارنة الحديث بغيره من الأحاديث.

4. الحديث الشاذ

الحديث الشاذ هو الحديث الذي يروي أحد الرواة بما يخالف غيره من الرواة الثقات. والشذوذ يعني مخالفة الرواة الذين هم أكثر عدلاً وموثوقية للحديث الذي يروي بشكل فردي. ويعد الحديث الشاذ من الأحاديث المردودة لأنه لا يتوافق مع ما نقلته أغلب الرواة، مما يجعله موضع شك.

5. الحديث المنكر

الحديث المنكر هو الحديث الذي يرويه راوي ضعيف أو غير معروف ولا يتفق مع غيره من الأحاديث الموثوقة. وعلى الرغم من أنه قد يكون ذا سند، فإن تفرد الراوي به يجعله غير مقبول لأن راويه إما مجهول أو غير ثابت على نقل الحديث بشكل دقيق.

6. الحديث الموقوف والمقطوع

• الحديث الموقوف هو الحديث الذي ينسب إلى الصحابي، ولكن ليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. على الرغم من أن الصحابي قد يكون دقيقًا في نقله للأحداث، إلا أن الحديث الموقوف لا يُعتبر حديثًا نبويًا ولا يحتج به.

• الحديث المقطوع هو الذي يروي عن التابعي أو من بعده، بمعنى أنه ينسب إلى شخص لم يسمع الحديث مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم.

7. الحديث المدلس

الحديث المدلس هو الحديث الذي يروي فيه الراوي عن شخص لم يسمع منه، ويعمد إلى إخفاء ذلك التلاعب في السند عن طريق إضافة اسم أو تغيير في تفاصيل السند بحيث يبدو وكأنه سمعه مباشرة.

المدلس هو أحد الأحاديث المردودة لوجود تلاعب في نقل الحديث. والحديث المدلس قد يمر في البداية باعتباره حديثًا قويًا، ولكن عند التدقيق يظهر فيه التلاعب والتزوير في السند.

8. الحديث المضطرب

الحديث المضطرب هو الحديث الذي تتعدد فيه الروايات من طرق مختلفة بحيث لا يتفق الراوي في بعض التفاصيل مع الآخرين. هذا الاضطراب في السند أو المتن يجعل الحديث مشكوكًا في صحته.

تصنيف الحديث المردود بحسب درجة الرد

يمكن تقسيم الحديث المردود أيضًا إلى درجات مختلفة وفقًا لدرجة الضعف والرد. قد يكون الحديث مردودًا تمامًا، أو قد يكون مردودًا في بعض الجوانب بينما يظل مقبولًا في جوانب أخرى.

• رد تام: عندما يكون الحديث مردودًا بالكامل بسبب وجود كذب أو تلاعب في السند أو المتن.

• رد جزئي: قد يظل الحديث مقبولًا في جوانب معينة ولكن يكون فيه خطأ في جزء من السند أو المتن.

الحكم على الحديث المردود

الحكم على الحديث المردود يتطلب دقة شديدة من العلماء والمتخصصين في علم الحديث. حيث لا يُكتفى بمجرد ضعف السند أو التناقض في المتن، بل لا بد من مراعاة جميع جوانب الحديث من حيث ثبوت السند، وضبط الرواة، وموافقة المتن لما هو متفق عليه في الشريعة.

كيفية التعامل مع الحديث المردود

1. عدم الاستدلال به في الأحكام الشرعية: بما أن الحديث المردود لا يُعتبر مصدرًا موثوقًا للاحتجاج به، فإنه لا يُعتمد في استنباط الأحكام الشرعية.

2. التركيز على الأحاديث الصحيحة: يجب على الباحثين في الشريعة الإسلامية تركيز جهودهم على الأحاديث الصحيحة أو الحسنة التي تتوافر فيها شروط الصحة.

الخاتمة

إن فهم أقسام الحديث المردود يعد أمرًا أساسيًا لفهم كيفية التعامل مع الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. تختلف درجات الرد من حديث إلى آخر بناءً على مستوى الضعف في السند أو المتن، وتختلف كذلك درجة التأثير الذي يترتب عليه في استنباط الأحكام الشرعية. لذا، يتعين على العلماء والباحثين في علوم الحديث أن يكونوا على دراية بكافة الأقسام التي يمكن أن يقع فيها الحديث المردود، ويجب أن يكون لديهم القدرة على التمييز بين الحديث الصحيح والضعيف والمردود.