أفضل وقت للختان في السنة

أفضل وقت للختان في السنة

يُعد الختان من الشعائر الدينية والاجتماعية والطبية المنتشرة في كثير من المجتمعات الإسلامية، وهو سنة مؤكدة في حق الذكور عند جمهور العلماء، ويمثّل مرحلة مهمة من مراحل الطهارة والنمو البدني والديني في حياة الذكر المسلم. وبالرغم من أن الشريعة لم تحدد وقتاً ملزماً بعينه لإجراء الختان، فإن للعلماء آراء مدعومة بالنقل والعقل حول الأوقات الأفضل للقيام بهذه الشعيرة، مراعاةً للجوانب الشرعية والصحية والنفسية.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة علمية موسعة حول مسألة أفضل وقت للختان في السنة، من خلال التطرق إلى الأبعاد الشرعية والطبية والاجتماعية والنفسية، مدعومة بآراء الفقهاء والتوصيات الطبية الحديثة، مع استعراض لممارسات الشعوب الإسلامية والتقاليد الثقافية المختلفة المتعلقة بالختان.

المفهوم الشرعي للختان

الختان لغةً هو القطع، واصطلاحاً: إزالة الجلدة التي تغطي حشفة الذكر، وتُعرف هذه الجلدة بـ”القلفة”. وهو من السنن الفطرية التي دعا إليها الإسلام، كما ورد في الحديث الصحيح:

“خمسٌ من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظفار” (رواه البخاري ومسلم).

وقد أجمع العلماء على مشروعية الختان، وإن اختلفوا في حكمه التفصيلي، على النحو التالي:

• الحنفية والمالكية: يرونه سنة مؤكدة.

• الشافعية والحنابلة: يرونه واجباً على الذكور.

• بعض المعاصرين: يرونه من شعائر الإسلام الأساسية المرتبطة بالطهارة والهوية الدينية.

توقيت الختان من منظور فقهي

من حيث العمر المناسب للختان، لم يرد نصٌّ صريح في القرآن الكريم أو السنّة النبوية يحدده على وجه الدقة، غير أن العلماء استنبطوا أن الأفضلية في التوقيت تقوم على مراعاة مصلحة الطفل وصحته النفسية والجسدية. وهناك ثلاثة أوقات رئيسية تناولها الفقهاء:

1. الختان في اليوم السابع من الولادة

ذهب عدد من العلماء إلى استحباب إجراء الختان في اليوم السابع للولادة، مستدلين بما روي عن بعض الصحابة والتابعين، وأن ذلك يوافق توقيت العقيقة ويكون أقل إيلاماً للرضيع.

• الدليل: ما ورد عن الإمام مالك وبعض السلف أن الختان يستحب في السابع، كما يُستحب ذبح العقيقة فيه.

• الفائدة: قلة الوعي العصبي عند الطفل، وسرعة التئام الجرح.

• الاحتراز: يحتاج الأمر إلى عناية طبية دقيقة، إذ إن الأطفال حديثي الولادة يكونون أكثر عرضة للمضاعفات إن لم يتم الأمر في ظروف طبية مناسبة.

2. الختان قبل البلوغ

هذا هو الرأي الراجح عند جمهور العلماء، بأن يُختن الطفل قبل بلوغه، ليكون طاهراً جاهزاً للعبادات عند دخوله سن التكليف، وخاصةً الصلاة والطواف.

• المالكية والشافعية والحنابلة: رجّحوا أن يكون الختان قبل البلوغ، لأن الطهارة شرط في الصلاة.

• الغاية: تجنب الحرج والآلام النفسية والاجتماعية التي قد تنجم عن تأخير الختان إلى مرحلة الشباب.

• التحفظ: بعض المجتمعات تؤخر الختان إلى سن أكبر لأسباب ثقافية أو احتفالية، مما قد يؤدي إلى آثار نفسية سلبية.

3. الختان في أول السنين (بين الأسبوع الأول والثالث)

تشير العديد من الدراسات الطبية الحديثة إلى أن أفضل وقت لإجراء الختان من الناحية الجسدية هو بين اليوم السابع وحتى الأسبوع السادس من عمر الطفل، حيث تكون نسبة النزيف أقل ومعدلات الشفاء أعلى.

• الطب الحديث: يوصي بعدم إجراء الختان قبل مرور 24 ساعة من الولادة لتقييم استقرار حالة الطفل الصحية.

• الإجماع الطبي: كلما كان الطفل أصغر عمراً، كان الختان أقل ألماً وأسرع شفاءً.

• التداخل الشرعي-الطبي: توافق هذا الرأي الطبي مع المندوب الشرعي باستحباب تقديم الختان في السنين الأولى.

أفضل شهور السنة للختان

من حيث تحديد الشهور، لا يوجد في الشريعة الإسلامية نص يُحدد شهراً معيناً للختان، ولكن يمكن استخلاص الأفضلية الطبية والمناخية من خلال النقاط التالية:

1. فصل الربيع والخريف

يُعدّ هذان الفصلان أفضل من ناحية الطقس، حيث لا يكون الجو شديد البرودة أو شديد الحرارة، ما يساعد على التئام الجرح بسرعة ويقلل من فرص حدوث التهاب أو تعرق أو تهيج للجلد.

• الربيع: اعتدال الطقس يقلل من احتمالية التعرق الزائد الذي قد يسبب مضاعفات للجرح.

• الخريف: يعتبر مثالياً من ناحية البرودة النسبية والبعد عن مواسم الأمراض التنفسية التي تصيب الأطفال.

2. تجنب فصل الصيف

رغم شيوع ختان الأطفال في العطل الصيفية في بعض الدول الإسلامية لتسهيل العناية بهم، إلا أن الأطباء يحذرون من درجات الحرارة المرتفعة التي تؤدي إلى زيادة التعرق، وبالتالي رفع مخاطر التهاب الجرح.

• التحفظ الطبي: حرارة الجو تؤثر سلباً على الجرح وتؤخر التئامه.

• المجتمعات الشعبية: تستغل العطلة الصيفية من الناحية الاجتماعية وليس الطبية.

3. الشتاء

رغم أن الشتاء مناسب من حيث غياب التعرق، إلا أن برودة الجو وصعوبة التدفئة قد تؤثر سلباً على راحة الطفل بعد العملية. كما أن الملابس الشتوية السميكة قد تلامس الجرح وتزيد من انزعاج الطفل.

الجدول الطبي الأمثل للختان

الختان من منظور طبي

تؤكد الأوساط الطبية على أهمية الختان في مرحلة مبكرة من عمر الطفل، وذلك لتقليل احتمالية العدوى وتقليل الألم والمضاعفات. ومن أبرز الفوائد الطبية:

• تقليل خطر التهاب المجاري البولية.

• تقليل احتمالية انتقال بعض الأمراض الجنسية في المستقبل.

• الوقاية من سرطان القضيب (رغم ندرته).

• تسهيل العناية بالنظافة الشخصية.

وقد أوصت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) في تقاريرها بأن فوائد الختان تفوق مخاطره عند إجرائه في بيئة طبية معقمة، وخاصة في الأسابيع الأولى بعد الولادة.

الأبعاد النفسية والاجتماعية

تُعدّ تجربة الختان تجربة فارقة في حياة الطفل، وقد تترك آثاراً نفسية متفاوتة بحسب السن والتجهيز النفسي. ومن هنا تبرز أهمية اختيار الوقت المناسب:

• الرضيع: لا يمتلك إدراكاً كافياً، وبالتالي لا يخزن التجربة سلبياً في ذاكرته.

• الطفل الكبير: قد يشعر بالخوف أو الإهانة أو الحرج، خاصة إن أُجري في سنّ المدرسة.

• الشاب البالغ: قد يشعر بالخجل والتوتر وقد يُصاب بعزلة نفسية إن تم الختان في هذه المرحلة.

ولهذا السبب، فإن تسريع إجراء الختان في سن الرضاعة يُعدّ الخيار الأمثل من الناحية النفسية.

التقاليد الشعبية المرتبطة بالختان

يحتل الختان موقعاً مميزاً في التقاليد الثقافية والاجتماعية للعديد من الدول الإسلامية، حيث يُعدّ مناسبة احتفالية، وتُنظم له طقوس وولائم، لا سيما في بعض دول المغرب العربي ومصر وتركيا وأندونيسيا والسودان. وتختلف مظاهر الاحتفال باختلاف الثقافة، ولكنها في الغالب تبرز المعاني التالية:

• الدخول في عالم “الرجولة”.

• الطهارة والاكتمال الديني.

• الاندماج في المجتمع.

غير أن هذه الاحتفالات، رغم رمزيتها الاجتماعية، قد تؤخر إجراء الختان في توقيت غير مناسب طبياً، وهو ما يدعو إلى توعية الأسر بمراعاة المصلحة الصحية قبل المظاهر الاجتماعية.

الخلاصة

من خلال العرض المفصل أعلاه، يتبين أن أفضل وقت للختان من الناحية الشرعية والطبية والاجتماعية يتحدد وفق معايير متعددة، أبرزها العمر، حالة الطفل الصحية، المناخ، والتقاليد الثقافية. لكن يُمكن اعتبار الفترة بين اليوم السابع وحتى الشهر الثاني بعد الولادة التوقيت الأمثل لإجراء الختان من جميع الزوايا، شريطة توفر الرعاية الطبية الملائمة. ويُنصح بتجنب تأجيل الختان إلى ما بعد سن البلوغ لتفادي المضاعفات الجسدية والآثار النفسية المحتملة.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

2. الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، تقرير عن الختان، 2012.