أفضل الذكر
إن الذكر هو أحد أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو أساس متين في بناء الصلة بين العبد وخالقه، وعنوان حياة القلوب، ومصدر نورها، وسكينة الأرواح، وطهارة النفوس. وقد تكررت الدعوة إلى الذكر في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، لما فيه من عظيم الأثر في حياة الإنسان الروحية والنفسية والعملية. وقد تميز الذكر بكونه عبادة لا تحتاج إلى طهارة، ولا وقتٍ مخصص، ولا مكانٍ معين، بل يمكن أداؤه في أي زمان ومكان، وهو بذلك من أسهل وأعظم العبادات أجراً وثواباً.
أهمية الذكر في الإسلام
الذكر ليس مجرد ترديدٍ للألفاظ، بل هو استحضارٌ دائمٌ لعظمة الله، وشعورٌ بحضوره ومراقبته، وانقيادٌ قلبيٌ وسلوكي لأوامره. وقد وصف الله تعالى الذكر بأنه أكبر من كل شيء، فقال في كتابه الكريم:
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45].
والمقصود أن ذكر الله أعظم من كل عبادة، وأعظم أثراً في صلاح النفس والمجتمع.
الذكر هو الطريق لتثبيت الإيمان في القلب، وهو الحصن الحصين من الشيطان، وهو مصدر للطمأنينة الحقيقية كما قال تعالى:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
أنواع الذكر
ينقسم الذكر إلى نوعين رئيسيين:
-
الذكر القولي: ويشمل كل ما يُقال من الأذكار مثل التسبيح، التهليل، التكبير، الاستغفار، والصلاة على النبي ﷺ، وقراءة القرآن الكريم.
-
الذكر القلبي: وهو استحضار عظمة الله وتفكّر العبد في أسمائه وصفاته وآلائه، وهذا النوع أعمق تأثيراً، لأنه ينتقل بالذكر من مجرد ترديدٍ للألفاظ إلى حضور القلب وخشوعه.
أفضل الذكر
من بين الأذكار الكثيرة التي وردت في القرآن والسنة، يمكن تصنيف الذكر الأفضل بحسب ما ثبت في النصوص الشرعية، وفيما يلي بيان لأفضل الذكر بناءً على ما ورد عن النبي ﷺ:
1. لا إله إلا الله
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
“أفضل الذكر: لا إله إلا الله” [رواه الترمذي].
وهذا الذكر هو أصل الدين، وأساس العقيدة، ومفتاح الجنة، وهو أعظم كلمة عرفها الوجود، بها يدخل الإنسان الإسلام، وعليها يُبعث يوم القيامة.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال:
“من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة” [رواه البخاري].
2. الاستغفار
الاستغفار من أعظم أبواب الذكر، وهو طلب المغفرة من الله، ويترتب عليه آثار عظيمة في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح: 10].
فالاستغفار سبب للمغفرة، وسبب لزيادة الرزق، وسبب لإنزال الغيث، وسبب لصلاح الذرية.
وكان النبي ﷺ، وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، كما جاء في الحديث.
3. سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر
قال رسول الله ﷺ:
“لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس” [رواه مسلم].
وهذه الكلمات الأربع تُعرف بـ”الباقيات الصالحات”، وهي من أعظم الأذكار، وأفضلها ثواباً، وهي تجمع تنزيه الله (سبحان الله)، والثناء عليه (الحمد لله)، وتوحيده (لا إله إلا الله)، وتمجيده وتعظيمه (الله أكبر).
4. قراءة القرآن الكريم
القرآن هو ذكر الله الأعظم، وقد وصفه الله تعالى بذلك فقال:
﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: 44].
وقراءته من أعظم القربات، ولكل حرف فيه عشر حسنات، كما جاء في الحديث:
“من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها” [رواه الترمذي].
5. الصلاة على النبي ﷺ
الصلاة على النبي ﷺ من الأذكار التي لها منزلة خاصة، وهي سبب لرفع الدرجات، ومحو الخطايا، وقرب العبد من رسول الله ﷺ يوم القيامة، كما في الحديث:
“أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة” [رواه الترمذي].
وقد أمرنا الله بذلك في كتابه فقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
الأوقات المفضلة للذكر
الذكر مطلوب في كل وقت، لكن هناك أوقات يتأكد فيها، منها:
-
بعد الصلوات المفروضة.
-
في الأسحار، وهي أوقات الاستغفار.
-
عند الاستيقاظ من النوم.
-
في الثلث الأخير من الليل.
-
بين الأذان والإقامة.
-
عند السجود وفي التشهد.
جدول مختصر لأفضل الأذكار اليومية
| الوقت | الذكر المقترح | الفضل المترتب عليه |
|---|---|---|
| بعد الفجر | أذكار الصباح – لا إله إلا الله وحده لا شريك له | حفظ من كل شر حتى المساء |
| بعد الصلاة | سبحان الله ×33، الحمد لله ×33، الله أكبر ×34 | دخول الجنة وغفران الذنوب |
| قبل النوم | آية الكرسي، المعوذات، سبحان الله ×33… | أمان من الشيطان حتى الصباح |
| عند الاستيقاظ | الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا… | بداية اليوم بالذكر والبركة |
| أثناء العمل/السير | الاستغفار، لا إله إلا الله، سبحان الله | تسبيح دائم ورفعة للدرجات ومحو السيئات |
آثار الذكر على النفس والمجتمع
-
راحة القلب: الذكر يزيل الهم والغم، ويمنح القلب طمأنينة وسكينة.
-
تطهير النفس: يزكي النفس ويهذبها ويبعدها عن المعاصي.
-
البركة في الرزق: من آثار الذكر وخاصة الاستغفار أن الله يفتح للعبد أبواب الخير.
-
الحماية من الشيطان: الذكر يحصّن المسلم من وساوس الشيطان ومكره.
-
زيادة الإيمان: الذكر يزيد الإيمان وينمّيه في القلب، ويقوي الصلة بالله.
خاتمة
الذكر حياة القلوب، وروح العبودية، ووسيلة العبد لنيل رضا الله، ورفعة الدرجات، وتكفير السيئات. وهو غذاء لا يستغني عنه قلب، ولا يشبع منه مؤمن، وهو الطريق الذي سار عليه الأنبياء والصالحون، وهو الزاد الحقيقي في مسيرة الدنيا نحو الآخرة. فمن أراد السعادة الحقيقية، والراحة القلبية، والسكينة النفسية، فليكن لسانه رطباً بذكر الله، وقلبه عامراً بحبه، وعقله مشغولاً بعظمته.
المراجع:
-
صحيح البخاري، كتاب الدعوات.
-
رياض الصالحين – النووي.
